مختار اللواتي: من عساه يكون المتكلم باسم تونس مساء أمس على قناة "France 24" ؟؟
قبل أن أمضي في شرح مرادي من سؤالي الذي عَنْوَنْتُ به هذه الورقة، أرى من واجبي أن أشكر مواطنا تونسيا، خبيرا دوليا في رسم الإستراتيجيات وفي هندسة شروطها لبلوغ غاياتها بنجاح. شخصيا، لم يسبق لي أن عرفته من قبل، وهو السيد عدلان كمون، على تدوينةٍ له في غاية الدقة والوضوح والإقناع بفشل ظهور السيد إلياس الفخفاخ ضيفا على قناة France 24، مساء أمس الثلاثاء.
بعد أن قرأت تلك التدوينة، فيما كنت أتهيء لكتابة ورقة عن ذلك الظهور المخيب للآمال، بل والصادم، ترددت في كتابة ماكنت أنوي كتابته. فقد أتى السيد عدلان على كل النقاط، بل وأكثر من التي كنت أنوي إثارتها. وفي الأخير، تراجعت عن تراجعي. ولكن بتغييرٍ في البناء الذي كنت خططته لهذا المقال..
أستسمح السيد عدلان، أولا، في إعطاء القراء فكرة إجمالية عما جاء في تلك التدوينة، وقد حدد في بدايتها أنه يستهدف بملاحظاته فريق المستشارين المحيطين برئيس الحكومة، لأنه يرى أن هذا الفريق يفتقر للكفاءة اللازمة التي تمكنه من تنزيل هذه الفرصة الثمينة المتاحة للسيد إلياس الفخفاخ، في إطارها الفرنسي والأوربي والعالمي، وقبل ذلك ومعه، في إطارها المغاربي، بما تستوجبه من دقة وتركيز على نقاط القوة التي تملكها تونس والتي اكتسبتها في زمن الكورونا وتلك التي هي مؤهلة للتفرد بها بعد انقشاع كابوس هذه الجائحة !!
والسيد عدلان كمون لم ينطق عن هوى فيما كتب ولاحظ .. فقد صدّر ملاحظاته بإبراز مكانة وإشعاع القناة الفرنسية تلك، وبالتالي أهمية فرصة حديث رئيس الحكومة عليها. فهي تبث كامل الأسبوع وعلى مدار الساعة، ب4 لغات، هي الفرنسية والإنجليزية والعربية والإسبانية. لتصل إلى 355 مليون بيتا في القارات الخمس، وتضمن في النهاية أكثر من 60 مليون مشاهد ومشاهدة. ويمضي في الشرح فيذكِّر بأن محتوى كلام الفخفاخ، سيترجم إلى اللغات الثلاث غير العربية، ويوجز في اللغات الأربع بما فيها العربية، في غالب نشرات أخبار القناة على مدى أسبوع كامل، فضلا عن نشره الدائم على قناة "يوتوب" مرجعاً للمطلعين والمدققين وحتى للفضوليين، سواء كانوا مسؤولين سياسيين أو فاعلين اقتصاديين وأرباب صناعات ووكالات أسفار وسفارات وهيئات أممية ومالية دولية ومواطنين عاديين من هواة الترحال والسياحة وطلبة وغيرهم من كل أرجاء العالم. هذا فضلا عن ظهورمحتوى هذا اللقاء التلفزيوني بعنوان كبير على الصفحة الرئيسية لموقع قناة France 24 الإلكتروني على الإنترنت !
بعد هذا التصدير المُفْحِمِ في حد ذاته، يوجز السيد عدلان كمون ملاحظاته في النقاط التالية:
• فقدان حديث رئيس الحكومة لأهداف محددة. فكان خاليا من الأرقام، بلا أي إجراء، ولا أية رسالة أو أي نداء وبلا أي اقتراح .. إنه الخواء والفراغ !!
ثم يصل السيد عدلان إلى المحاور التي يرى، وأنا أشاطره الرأي تماما، أنها هي التي كان على فريق المستشارين لرئيس الحكومة، لو كانوا أكفاء ومقتدرين، أن يهندسوا إجاباته على أساسها من أجل استغلال نفوذ الصورة في عالم، تعاني فيه كبريات الدول من أثر اكتساح جائحة كورونا لبلدانها. هذا الإكتساح الذي طال اقتصادياتها ومجتمعاتها، بأنظمتها الصحية وأنسجتها الإجتماعية، فلم تقدر بعدُ على الخروج من دائرة الذهول والتفكك والتخبط والحيرة إزاء مايخفيه المستقبل.
هي 9 نقاط عرضها السيد عدلان، كان يمكن أن تكون محاور حديث إلياس الفخفاخ عوض تلك الجمل الفضفاضة بلا طعم ولا لون ولا رائحة، كما أراها شخصيا.. وسأقتصر هنا على إجمالها في الفقرات التالية ..
• كان المفروض شكر الفلاحين التونسيين على مابذلوه من جهد فأمَّنوا اكتفاء تونس ذاتيا فيما عانت وتعاني دول أخرى، وهي ماهي عليه من القوة، من نقص وفقدان المواد الأساسية للحياة ونفاد مخزونها منها في ظل الغلق التام العالمي.
• كان بالإمكان شكر الباحثين في الميدانين، الطبي والتكنولوجي، وعرض أو الإشارة إلى أعمالهم وكشوفاتهم فيما يتعلق بالبحث في هوية فيروس كورونا، والإجتهاد في استخدام طرق علاج وعقارات مثل الكوروكين، واختراع روبوتات أو طائرات "درونات" للمساعدة في الخدمات وطرق التعقيم فوق البنفسجية. وهو مالم تهتد إليه دول عتيدة كثيرة.
• كان المفروض الإشادة بالعمال والعاملات الذين عكفوا أياما وليال في ورشاتهم ومصانعهم على تصنيع وتوفير مئات آلاف من الكمامات، ومكنوا البلاد من التغلب على أزمتها، فيما فرنسا وغيرها من الدول، تعيش على كرم دول أخرى. وكان بالإمكان إرسال الإشارة بأن تونس هي المزود الرئيسي لإفريقيا من الكمامات، ويمكنها أن تستقبل طلبات من القارات الأخرى ..
• كان بالإمكان التعبير عن قدرة تونس على الإنخراط في التحولات القادمة مابعد الكورونا لجعل العولمة أكثر إنسانية ونفعا إقليميا. وذلك بالمساعدة على الدعم اللوجستي لأوربا باحتضان مؤسساتها الكبرى وخاصة في الميدان الصيدلي وتصنيع الأدوية بما يخدم الإنسانية أكثر.
• كان المفروض الإشارة إلى مشروع المبادرة التونسية الفرنسية ضمن الأمم المتحدة بشأن التعاون والتضامن الدولي، وتوجيه نداء إلى الدول الأعضاء من أجل مساندة هذه المبادرة..
• كان بالإمكان، ونحن في شهر ماي وعلى أبواب الموسم الصيفي، موسم الإصطياف والسياحة، توجيه طمأنة إلى العالم بان تونس بلد آمن، ودعوة إلى البلدان الأوربية والإفريقية بوضع تدابير مدروسة وموجهة للسماح لمواطنيها بالسفر لقضاء عطلهم في تونس وفق إعداد محكم مسبق. كما كان بالإمكان اعتماد مقترحات وزير السياحة محمد علي التومي بشأن وضع كراس شروط لمناطق سياحية آمنة ومحصنة لاستقبال السواح من جديد. كما كان بالإمكان توجيه الرسالة ذاتها إلى الجزائريين والمغاربة، وهم من أكثر مشاهدي تلك القناة كثافة ..
• كما كان بالإمكان أن يكون رئيس الحكومة، بمناسبة هذا الحديث التلفزيوني، أول مسؤول سياسي في العالم، يوجه نداء عالميا، في ظل هذه الإستراحة التي نعمت بها الطبيعة، من أجل بعث مشروع "مارشال" جديد يهتم بالبيئة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ويعكف كذلك على إيجاد حلول بديلة للطاقة، ويوفر مواطن شغل كثيرة.
ويختم السيد كمون تدوينته بالتحسر أننا مافتئنا، أسبوعا بعد آخر، نهدر الفرص التي تمكننا من النجاة من هذا الدرك الأسفل الذي يتخبط فيه شعبنا..
لاشيء تم، والكلام موجه إلى رئيس الحكومة، مادمت أنت، وكل من يزعمون أنهم سياسيون في هذا البلد، لاهَمَّ لكم إلا خدمة مصالحكم في المقام الأول وتحالفاتكم الرخيصة وصفقاتكم ومنافعكم المخفية .. يالها من خسارة فادحة وفرصة ضائعة لجعل تونس في قلب الحدث ما بعد الكوفيد !!
ماعساي أكتب بعدما كتبه صديقي الجديد عدلان كمون، واجتهدت في نقل معظمه إليكم مع بعض التصرف أحيانا ؟؟
فقط، إن كان لي ان أضيف شيئا، هو أن رئيس الحكومة، بدا لي في حديثه، تائها كتلميذ في السنوات الأولى من التعليم، مرعوبا من معلمه لَيؤنبه أو يضربه، إن هو أخطأ فيما لقنه إياه. فكان يعيد نفس ماسبق وقاله من قبل في حواره التلفزيوني الثاني على الوطنية1، بشيء من العنجهية والإعتداد بالنفس. إلى درجة التبخيس من منتقديه، والإدعاء بأن الشعب راض عن الحكومة ويسبح بحمدها.. وانه عازم على الإصلاح وماض فيه!!، وهو مايذكرنا بخطابات أعلى هرم السلطة قبل أن يحدث ماحدث ذات شتاء 2010/2011 !! لكل ذلك، تساءلت من عساه يكون السيد إلياس الفخفاخ؟؟
مختار اللواتي
- اكتب تعليق
- تعليق