مختار اللواتي - عندما تتكرر إساءة تقدير ذكاء الشعب: رسالة مفتوحة إلى من يحسن القراءة والفهم

مختار اللواتي - عندما تتكرر إساءة تقدير ذكاء الشعب: رسالة مفتوحة إلى من يحسن القراءة والفهم

لست نادما أبدا أن استبشرتُ خيرا بما رأيتها، مثلما رآها كثيرون من أبناء وبنات شعبي، علاماتِ وعيٍ من مسؤول سام في الدولة، هو رئيس حكومتها، حين ظهوره وحواره التلفزيوني المباشر الأول. فقد كشف عن مماطلات في مجلس النواب ومحاولات لتقييد عمله والتضييق عليه فيما كان فيه الفصل 70 من الدستور صريحا. كما كان صريحا في الإعتراف بارتكاب أخطاء مع العزم على الإصلاح. وخاصة حينما أكد تصميمه على محاربة الفساد وجعله أولوية الأولويات مع المضي في الحرب على جائحة كورونا. وقال كلمته تلك التي نزلت بردا وسلاما على قلوبنا "ما ثمه حد على راسو ريشة". بل وزاد من شحنة الامل في داخلنا حين حسم أمر التنافس بين الرؤساء على الزعامة، حين صدع بالقول الفصل،" باعتباري رئيس الحكومة، أي الجهاز التنفيذي المركزي في الدولة، فأنا المسؤول الوحيد على إدارة الحرب على هذه الجائحة من أجل النجاح فيها.

فماذا وقع بعد ذلك؟ جاء الظهور الثاني لرئيس الحكومة. فكان مخيبا للآمال. لقد بدا الرجل مرتبكا، مشتت الذهن وخاصة متوترا. وقد وضُحَ ذلك جليا في دفاعه عن صفقة "الكمامات"، معتبرا إياها ضرورة ًحتمتها دقةُ الوضع في محاربة الكورونا وتعليماتُ منظمة الصحة العالمية بوجوب التعجيل بحمل الكمامة خارج البيت.
ومع ذلك، أو برغم ذلك، بذلتُ جهدي للدفاع عن "حسن نية" الرجل، وأنا أغالب ظنوني في بحثي عما يمكن أن تكون أدلةً على غضب حركة النهضة ومن يدور في فلكها، من خطابه في حواره التلفزوني الأول ذاك، تمثل في ردود فعل مختلفة لتشويه صورته وتشتيت انتباهه. . وقدمتُ في مقالي الذي عنونته، "مازال الأمل"، تذكيرا بالإنفلات المفضوح في سلوكات مسؤولين كبار في الدولة، وفوضى شارعية وخرجات ليلية. وكأنها تقول له، لستَ ولا يمكن أن تكون أنت المسؤولَ الأول على إدارة الحرب على كورونا. فما بالك على النجاح فيها. واستدللتُ للتدليل على ذلك بقول رئيس الحكومة، دائما في معرض حديثه في حواره التلفزيوني الثاني، "إن ماحققناه من نجاح لحد الآن، يعود 70 في المائة منه إلى جهود الشعب. فيما ال30  الباقية فقط تعود إلى الدولة بكل أجهزتها". وقد اعتبرتُ ذلك، في محاولة مني لإقناع الغاضبين من خرجته الإتصالية الثانية تلك، رسالةً إلى خصومه بأنهم لن يذهبوا بعيدا في مناوراتهم. وإلى الشعب بأنه على العهد، وأنه يحتمي به من أجل نصرته والوقوف إلى جانبه ! وقد قلت في أحد تفاعلاتي مع تعاليق عدد من الأصدقاء سواء على مقالي ذاك، أو في تدوينات خاصة بهم، إنني مستعد للإعتذار علنا إن ثبت أن إلياس الفخفاخ، هو الذي كان يناوروكان يتلاعب بثقة الشعب. هذه الثقة التي ظنناها بدت تلم شتاتها بعد الضياع أو التلف الذي أصابها في السنوات الماضية.

وظللتُ أمنِّي النفس بأن قادم الأيام سينصفني وينصف حسن تقديري "الرصين" للأمور. وفي صدارتها، التعقيدات التي عليها الساحة السياسية التونسية، جميعها، والتمكين المهول الذي حققته حركة النهضة في كل مفاصل الدولة. فيمضي إلياس الفخفاخ في فرض قبضته وإرادته على العمل الحكومي وعلى أجهزة الدولة الموكل إليها السهر على تنفيذ خطة مقاومة فيروس كورونا وفيروسات الفساد والتلاعب بقوت المواطن، وعلى ضبط خطة إنقاذ الاقتصاد من الإنهيار في أثناء تلك الحرب وإثرها.

فماذا حصل؟

فاجعة وزلزال بكل المقاييس، هزا كياني، مساء الخامس والعشرين من هذا الشهر، أفريل، حينما علمت بنبإ تعيين شخصيتين قياديتين في حركة النهضة، أحدهما السيد الحمامي، الشهير بمعول هدم ما بقي في صرح المنجزات الصحية في تونس. وثانيهما السيد بن سالم الذي تلاحقه تهم فساد وتلاعب بالقانون في قضية قناة الزيتونة.

أكذب لو قلت إنني توخيت الرصانة والحكمة في فهم هذا الإجراء الأرعن أو الغبي، من رئيس الحكومة. وأكذب أيضا لو حاولت التخفيف من موجة الغضب الني أثارها، في أحشائي قبل أن يكون في تدوينات وتعاليق الكثيرين والكثيرات، سواء ممن كانوا يتوسمون الخير، مثلي، في إلياس الفخفاخ، أو ممن كانوا حاسمين أمره من البداية. وربما حتى من قبل أن يبدأ ..

كثيرون وصفوا هذا الإجراء بتلاعب إجرامي صارخ بتبرعات الشعب وبالهيبات والمساعدات والقروض الدولية، لتبديدها في زيادة عدد الوزراء برتبة مستشارين، عوض التقليص فيه وفي عدد الوزراء المباشرين كذلك. وأكثر من الكثيرين رأوا فيه إذعانا بالكامل لسيطرة حركة النهضة، عنوة على الحكومة وعلى رئيسها وعلى الشعب بأسره.

وأكثر من الأكثر، إن سمحت لي لغة الضاد، عَدُّوهُ تآمرا من الفخفاخ، بسابق الإضمار وباشتراك مبَّيت مع حركة النهضة لتحقيق مبتغاها في التمكين الشامل ..

ماذا بقي؟

ها أنا أكظم غيضي لأقول لك، باعتبارك مازلت في منصب الرئيس لهذه الحكومة الهجينة. وقد سبق ووصفتُها كذلك من قبل، إن أمامك فرصة وحيدة الآن لتدارك ما أخطأت فيه، عمداُ أو اضطراراً. فإما أن تكشف كل الأوراق أمام الشعب، ليكون على بينة من الحقائق المخفية، وإن لم يغب كثير منها عن بداهته. وإما أن تعلن استقالتك.. صحيح، قد يُفرح ذلك حركة النهضة. لكنَّ وضعها وجها لوجه مع الشعب بمسكها مباشرة بمقاليد الحكم، عوض الإستمرار في التخفي الذي لم يعد مخفيا، يكون أسهل في خوض المعارك القادمة من أجل الدولة المدنية العادلة الوطنية. وصحيح كذلك أن الطريق قد يكون ربما سالكا لعودة سلفك يوسف الشاهد. ولكن المضي في استغباء واحتقار الشعب الذي كنتَ أشدتَ بجهوده في الغوث والتطوع وقبول الحرمان من أجل إنجاح خطة الدولة، فلن يجلب إلا الخراب...

إن النيران مشتعلة في الأسفل. فلا يغرنَّك الرمادُ الذي يعلوها.

كن شهما وخذ القرارَ الصائب.

مختار اللواتي
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
1 تعليق
التعليقات
منجي العموري - 27-04-2020 19:31

اصبت استاذ او بالأصح انك عبرت بما اعتقد انه السلوك الصحيح . على الياس الفخفاخ ان يتعامل معنا كشعب اختار قيس سعيد بمعيار النزاهة والنظافة الذي بدوره اختار الياس الفخفاخ ليمثل طموحات الشعب بالرغم من عدم نيله أصوات كثيرة في الانتخابات الرئاسية. عليه عند الرضوخ للنهضة ولا الضغوطات من أي طرف كان .وان تعذر عليه ذلك يستقيل وفي استقالته عملا نضاليا عمل زعيم وطني . ان واصل في تصرفه بالرضوخ والتكتكة والتوافق ووو فهذه بداية سقوطه و تبخره في بخور النهضة . الشعب لن يرحم .

X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.