الكورونا: هل سيكون قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني عنصرا مهمّا في مخطط التنمية القادم لتونس؟
وضعت أزمة الكورونا التي يعيشها العالم هذه الأيام، العلاقة بين الدولة والمجتمع على محك الاختبار، فحسن إدارة الأزمة عادة ما يرتبط بوجود دولة قوية ومجتمع متماسك وواثق من مؤسساته ممّا يجعل من منسوب التكامل بين المؤسسات المكوّنة للاقتصاد قويّا وقادرا على تطويق الأزمة. فالعلاقة بين القطاع العام والقطاع الخاص وقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وحسن توزيع الأدوار بينهما سيمكّن الاقتصاديات المتماسكة من تجاوز مخلّفات أزمة الكوفيد 19.
وبالرغم من المساعدات التي تلقّتها تونس من المؤسّسات الدولية وكذلك من المجتمع المدني ومن البنوك التونسية، إلا أنّها ليست كافية لمحاربة شاملة لهذا الوباء في صورة انتشاره نظرا لما ما يخلّفه من آثار اقتصادية واجتماعية مدمّرة. وما نشهده حاليا من اضطراب في تزويد السوق بالمواد الغذائية وصعوبة في إيصال المساعدات الى أصحابها وخوف من القدرة على تعبئة الموارد المالية في صورة تواصل الأزمة إلا عناوين لفشل المنوال الاقتصادي المتّبع في تونس والقائم على إقصاء جزء هامّ من الاقتصاد التونسي، وهو قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
فالقطاع العام في تونس غير قادر لوحده على تأمين حد أدنى من الخدمات الحياتية الضرورية ولا على توفير المناخ الملائم لجلب المستثمرين من داخل البلاد وخارجها. أمّا القطاع الخاصّ، فيشهد منذ سنوات فتورا عن الاستثمار وهو ما جعل من نسبة الاستثمار الخاصّ من الناتج المحلي الإجمالي الأضعف مقارنة بالدول الشبيهة. فالدور الاقتصادي والاجتماعي الهام الذي يلعبه قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في عديد الدول يجعل من التفكير في تغيير المنوال الاقتصادي في تونس أمرا ضروريا.
أظهر المنوال التنموي المتّبع في تونس قصورا في معالجة المسألة الاجتماعية، وهو ما يتجلّى حاليا في عديد الأزمات التي يشهدها الاقتصاد التونسي من تراجع في جودة خدمات الصحّة والتعليم والتغطية الاجتماعية ومن أزمة مالية خانقة تشهدها مؤسّسات الخدمات الاجتماعية وهو ما استحال حلّه من طرف المنوال الاقتصادي القائم على القطاعين العام والخاصّ. وأمام تراجع الدور الاجتماعي للدولة في السنوات الأخيرة، تحوّل جزء هام من الأنشطة الاجتماعية من القطاع العام الى القطاع الخاصّ وانعكس سلبا على قدرة المواطن التونسي على مجاراة نسق خصخصة الخدمات الاجتماعية نظرا لتكاليفها العالية وغير المتناسقة مع مقدرته الشرائية المتهرئة. هذا التحوّل في المنوال الاقتصادي القائم والمتمثّل في تراجع دور الدولة الاجتماعي مقابل خصخصة أهم الخدمات الاجتماعية يتطلّب مراجعة جذرية للمنوال القائم على القطاعين العام والخاصّ ويدعو إلى التفكير بأكثر جدية في اختيار الطريق الأمثل لتونس، فهل يمكن لتونس في قادم السنوات أن تسترجع دورها الاجتماعي وما يتبع ذلك من ضرورة توفير الموارد المالية لهذا الخيار من ترفيع في الضرائب أو من مزيد من التداين الخارجي على حساب السيادة الوطنية، أم تواصل في نفس النهج نحو المزيد من خصخصة الخدمات الاجتماعية لإحلال التوازنات الضرورية للمالية العمومية لكن على حساب المقدرة الشرائية للمواطن التونسي؟ ومن منطق المنوال الاقتصادي القائم، كلا الخيارين له تكاليفه الاجتماعية الباهظة فإمّا أن تتكفل الدولة كليّا بتوفير الخدمات الاجتماعية-وما يتبع ذلك من ضرورة الترفيع في الضرائب لتمويل ذلك-أو تحيلها على القطاع الخاصّ للاستثمار فيها، وفي كلتا الحالتين يتحمّل المواطن التونسي التبعات المالية لذلك. فإن ذهبنا في الخيار الأول، فالزيادة في الضرائب ستكون على حساب المقدرة الشرائية للمواطن التونسي وإن اخترنا الذهاب في خصخصة الخدمات الاجتماعية، فإنّ هذا الأخير سيتحمّل كليّا تكاليفها الباهظة. وأمام انسداد الحلول التي يمكن أن يقدّمها المنوال الاقتصادي القائم على الديون وعلى الضرائب، تأتي أهميّة المنوال التنموي لاقتصاد السوق الاجتماعي والتضامني كحلّ لتونس يمكّن من تخفيض العبء المالي على الدولة بدون اللجوء الى الزيادة في الضرائب ولا في الديون ويمكّن كذلك المواطن التونسي من الولوج للخدمات الاجتماعية بتكلفة دنيا تتماشى ومقدرته الشرائية. فما هو الاقتصاد الاجتماعي والتضامني؟ وما هي أهميّته للاقتصاد التونسي. وكيف يمكن أن يخلق الثروة ومواطن الرزق؟
ما هو الاقتصاد الاجتماعي والتضامني؟
على خلاف المؤسّسات العمومية التي تتحصّل على دعم مالي من طرف الدولة، تتمتّع مكوّنات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني باستقلالية مالية وتتحمّل المخاطر المتأتّية مــن الاستثمــــار. كما يتمثّل النشاط الاقتصادي لهذا القطاع الثالث أساسا في الإنتاج. وبحسب بعض التعريفات، فإنّ المنظمات ذات النشاط الأساسي، المتمثل في إعادة توزيع الثروة، لا تندرج في إطار الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالرغم من أنّنشاطها يدخل في إطار التضامن الاجتماعي وذلك تخوّفا من المصادر المشبوهة لهذا النوع من الجمعيات. كما أنّ المؤسسات المنضوية تحت مسمّى الاقتصاد الاجتماعي تضمن حدّا أدنى من التوظيف مدفوع الأجر ولا يمثّل الربح الهدف الأساسي من وجودها بل الوسيلة التي تمكنها من إسداء خدمات اجتماعية حيث أنّ الهدف الأسمى للاقتصاد الاجتماعي والتضامني هو الإنسان وليس رأس المال.
فاستنادا إلى مشروع القانون الذي عرضه الاتحاد العام التونسي للشغل على البرلمان في فصله الثاني، يقصد بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني «مجموع الأنشطة والمبادرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية ذات الغايات الاجتماعية المتعلّقة بإنتاج وتحويل وتوزيع وتبادل وتسويق السلع والخدمات التي تؤمّها الذوات المعنوية الخاضعة للقانون الخاص استجابة للحاجيات المشتركة والمصالح المجتمعية والتي لا يتمثّل هدفها الأساسي في تقاسم الأرباح». كما تُخضع القانون، في فصله الثالث مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني إلى سبع قواعد: «أولوية الإنسان وقيمة العمل والغاية الاجتماعية والتضامنية على رأس المال، عضوية وانسحاب مفتوح وطوعي دون تمييز مبني على الجنسية والدين والنوع الاجتماعي مع احترام الصبغة المدنية للدولة، تسيير ديمقراطي بالاعتماد على قاعدة صوت واحد لكل عضو مع شفافية التسيير، تعاون طوعي ومساعدة متبادلة بين مكوّنات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ربحية محدودة أو منعدمة وتوظيف جزء من الفواضل الصافية لتحسين الخدمات وتنمية الأنشطة، ملكية غير قابلة للتقسيم واستقلالية تجاه السلط العمومية والأحزاب السياسية.
أهميّة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني
أثبتت الأزمات الاقتصادية المتعـــاقبة من أزمــــة 1929 و2008 وأخيرا أزمة 2020 لوباء كوفيد 19 قصور نظام اقتصاد السوق الذي يعتمد على إطلاق النشاط الاقتصادي الخاص بلا قيود مقابل تهميش لدور الدولة والمؤسّسات ذات المنحى الاجتماعي. فقد أدّى هذا النظام الاقتصادي، والذي تعتمده عديد الدول في العالم، إلى زيادة نسبة الفقر والبطالة واتّساع الهوّة بين الفئات الاجتماعية وتنامي حدّة الإقصاء والاستبعاد الاجتماعي لعديد الشرائح الاجتماعية وهو ما مثّل الأرضية المناسبة للتوتّرات الاجتماعية والتي مهّدت للتغيير في عديد الدول في العالم. وللتقليل من حدّة السياسات الاقتصادية لنظام اقتصاد السوق، ظهرت مقاربات جديدة تلزم السياسات الاقتصادية المتبعة بأبعاد اجتماعية وتعطي الفرصة لقطاعات مهمّشة وفاعلين خارج الدائرة الاقتصادية للمشاركة في الحياة الاقتصادية كي تكون داعمة لاقتصاد السوق، إذ تمثل هذه الأخيرة الرأسمال الاجتماعي والذي يشمل كل المنظمات والمؤسسات المنضوية تحت قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني حيث تهتم بمجالات التعليم والصحة والبيئة والتنمية المحلية وتوفّر التمويل الأصغر للمشاريع الصغيرة. ولعل من أهم الأسباب التي دفعت إلى الاهتمام بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، موجة العولمة التي أدت الى تنميط اقتصاديات دول العالم على نظام واحد وهو اقتصاد السوق الحر وإطلاق العنان للقطاع الخاصّ بدون قيود مع تخلي الدولة عن قطاعات استراتيجية لصالحه عبر عمليات الخوصصة والتي طالت عديد القطاعات وهو ما تسبب في بطالة عديد العاملين فيها وحرمان شرائح اجتماعية هشّة من التمتع بالخدمات الاجتماعية الضرورية من صحة وتعليم ونقل.
وفي تونس، تؤكد الحصيلة الاقتصادية لما بعد الثورة، والتى تتجلّى في تفاقم البطالة في صفوف الشباب المتعلم وخاصة منهم النساء واتساع الفجوة بين المناطق المرفهة والمناطق المهمشة وتآكل للطبقة الوسطى وانحسارها نحو الطبقات الفقيرة، محدودية المنوال القائم على الإقصاء، إقصاء الشباب المتعلم من الدورة الاقتصادية وإقصاء المناطق الداخلية بالرغم من توفر الموارد الطبيعية والبشرية للازمة. ولم تساعد السياسات الاقتصادية المتبعة من طرف الدولة من زيادة في الضغط الجبائي بـ5 نقاط كاملة وفي نسبة الفائدة المديرية بـ 9 مرات متتالية منذ جانفي 2013 وتراجع مستمر في قيمة الدينار التونسي على دفع القطاع الخاص إلى مزيد الاستثمار في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية وفي الجهات الداخلية والتي لا يتوفر فيه أدنى متطلبات التنمية. فالمزايا التفاضلية للمنوال الحالي لا تزال اليد العاملة الرخيصة. والاستثمار في القطاعات ذات المحتوى المعرفي المرتفع لا يزال في مستوياته الدنيا وحتى المتطلبات الضرورية للتنمية لا تزال مفقودة في الجهات الداخلية وخاصة في المناطق التي كانت منطلقا لثورة جانفي 2011.
ومع محدودية المنوال المتّبع في تونس، برزت ضغوطات عديدة غير ملبّاة من طرف الدولة ولا من طرف القطاع الخاص وتخص أساسا حالة الإهمال والتهميش التي يعيشها كبار السن وخاصة منهم المتقاعدون، أصحاب الخبرة المهنية، وكذلك التلاميذ المنقطعون عن الدراسة نظرا للمعدلات العالية للتسرّب المدرسي وحتى أصحاب الشهائد العليا الذين يقضون سنوات عديدة وهم في حالة بطالة. مقابل هذه الضغوطات، لم تتطور الخدمات الاجتماعية بل زادت سوءا بعد الثورة نظرا لشحّ موارد الدولة وصعوبة اللجوء إلى التداين الخارجي لتمويلها وزادت اشتراطات المؤسسات الدولية وخاصة منها صندوق النقد الدولي بتجميد الانتدابات في الوظيفة العمومية الطين بلة ولم يساعد القطاع الخاص على توظيف آلاف العاطلين عن العمل ممّا يستوجب قطاعا ثالثا يساعد قطاعي العام والخاص على الاستجابة الى الطلبات المتزايدة للشغل ويوفّر الخدمات الاجتماعية الضرورية. ولعل غياب قطاع خاص قوي وقادر على توظيف آلاف العاطلين عن العمل من أسباب وهن المنوال الاقتصادي القائم. فالقطاع الخاص في تونس يتكون من مؤسسات فردية قليلة النشاط وغير مبتكرة، زاد ضعف الإنتاجية في تراجع تنافسيتها. وما يميّز هذا القطاع ضعف نسق إحداث المؤسسات، 4% سنويا على الفترة الممتدة من 2000 الى 2015 مقابل 10% في بعـض الدول المتقدمة كسنغفورة، 86% منها لا تنتدب ولا عامل وحيد. ومن مخلفات المنوال الاقتصادي القائم في تونس، التراجع الهام لمؤشر التنمية الجهوية في كل جهات الجمهورية وخاصة في المناطق الداخلية إذ لم تتمكن البرامج والمشاريع المبرمجة من طرف الدولة في تحسين جاذبية الجهات للاستثمار المحلي والدولي ولا يزال مؤشر الجاذبية في كل الجهات دون المؤمّل. ويرجع ذلك بالأساس الى مركزية القرارات والتي لا تعطي للجهات دورا فاعلا في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية. وبالرغم من النجاح السياسي في الانتخابات البلدية والمصادقة على مجلة الجماعات المحلية، لا تزال البلديات مرتبطة في تنفيذ قراراتها بالسلطة المركزية ولا يزال إمضاء والي الجهة شرطا من شروط المرور الى تنفيذ قرارات المجلس البلدي. وأمام ضعف إنجاز أهم المشاريع العمومية في أغلب جهات الجمهورية، يمكن لمؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني أن تلعب دورا هاما في لا مركزية القرارات وتفعيلها شرط أن تتوفر البيئة الملائمة لمأسسة صحيحة لهذا القطاع في إطار منوال اقتصاد السوق الحر الاجتماعي والتضامني والذي يسمح للفرد أن يكون فاعلا في الحياة الاقتصادية ومشاركا في القرارات الهامة وليس عالة على الدولة أو على القطاع الخاص ينتظر فتات شغل قد يأتي أو لا يأتي. فقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامنـــي، قطاع يستثمـــر كغيره من القطاعات ويسهم في بنـــاء التنمية المستدامة والعادلة.
الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في تونس
يتضمن قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في تونس على جملة من الفاعلين الاقتصاديين لعل من أهمهم:
1 - الجمعيات المعرّفة بالمرسوم عدد 88 لسنة 2011: حسب الإحصائيات المنشورة في موقع مركز إفادة بتاريخ 31 مارس 2020، يضم النسيج الاقتصادي في تونس 23 ألف و320 جمعية، منها 4 آلاف و693 جمعية في ولاية تونس لوحدها والبقية موزعة بين بقية الولايات. وتعتبر الجمعيات الموجّهة لمعاضدة المدارس والجمعيات الرياضية والثقافية أكثر من نصف العدد الجملي للجمعيات في تونس، فالنوع الأوّل و الثاني من الجمعيات يمثّل 20% لكلّ منهما والنوع الثالث يمثّل 12%ولا تمثّل الجمعيات التنموية والتمويلية إلا 12% والوداديات 6% من النسيج الجمعياتي في تونس. وتتمركز أكثر من نصف الجمعيات (52%) في إقليم تونس والوسط الشرقي وبخاصة في ولاية تونس (20%) وصفاقس (8%) بينما لا تمثل الجمعيات في الجنوب الغربي إلا 7% وفي الشمال الغربي إلا 9%. وتتوزع الجمعيات في تونس الى 16 نوع حسب نوعية النشاط:
عدد الجمعيّات حسب مركز إفادة بتاريخ 31 مارس 2020
الهياكل المهنية الفلاحية: تتضمّن هذه الهياكل الشركات التعاونية للخدمات الفلاحية وكذلك مجامع التنمية في قطاع الفلاحية والصيد البحري.
- الشركات التعاونية للخدمات الفلاحية المنضوية تحت قانون عدد 94 لسنة 2005، وهي شركات ذات رأس مال متغير ومساهمين متغيرين، تنشط في قطاع الخدمات المتصلة بالفلاحة والصيد البحري وتهدف الى تقديم خدمات لمنخرطيها بغرض تأهيل المستغلات الفلاحية وتحسين التصرف في الإنتاج. ويتمثل نشاط هذه الشركات التعاونية بالخصوص في توفير المستلزمات والخدمات الضرورية لتعاطي النشاط الفلاحي والصيد البحري وإرشاد وتأطير منخرطيها لدعم إنتاجية مستغلاتهم والرفع من مردوديتها وتحسين جودة المنتجات وترويجها بما في ذلك التجميع والخزن واللف والتحويل والنقل والتصدير وتخضع الشركات التعاونية للخدمات الفلاحية الأساسية إلى إشراف مباشر من طرف والي الجهة بينما تخضع الشركات المركزية الى إشراف مزدوج بين وزارة الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية ووزارة المالية. وقد تأسست تجربة الشركات التعاونية للخدمات الفلاحية في تونس سنة 2005 على أنقاض تعاضديات الخدمات الفلاحية الموجودة آنذاك وقد كانت بداية 2012 الانطلاق الحقيقي لبعث مثل هذه النوعية من الشركات إذ تطور عدد هذه الأخيرة من 151 سنة 2006 الى 270 شركة أساسية سنة 2017. إلا أن هذا العدد يبقى ضعيفا ولا يشمل إلا 6% من الفلاحين بالرغم من حسن انتشار هذه الشركات في كل ولايات الجمهورية. وقد أحدث ثلث الشركات التعاونية (87 شركة) منذ 2013 ويعدّ هذا الجزء بالتالي في مرحلة بدء النشاط الاقتصادي. لكنّ الثلث الآخر (87 شركة) يعيش إمّا صعوبات اقتصادية (49 شركة) أو يشهد توقّفا تامّا تماما عن النشاط الاقتصادي (40 شركة) ولم يتبقّ إلا 94 شركة تعاونية للخدمات الفلاحية من بين 270 شركة أساسية في طور الاشتغال، أغلبها في الجنوب الشرقي وفي الوسط الشرقي وخاصّة في قابس وصفاقس.
- مجامع التنمية في قطاع الفلاحة والصيد البحري المعرّفة بقانون عدد 43 لسنة 1999 وبأمر عدد 1819 لسنة 1999 والمتعلق بالنظام الأساسي النموذجي لمجامع التنمية في قطاع الفلاحة والصيد البحري. وحسب القانون الأساسي لهذه المجامع، فإنّها تتولى إنحاز المهام التي تستجيب لحاجيات منخرطيها ومتطلبات النهوض بقطاع الفلاحة والصيد البحري والخدمات المتصلة به. وتتمثل هذه المهام على وجه الخصوص في حماية الموارد الطبيعية وترشيد استعمالها وإنجاز الأشغال الفلاحية وتولي خدمات الصيد البحــــري وتجهيز منـــاطق تدخلها بما تحتاجه من تجهيزات ريفية والعناية بالغراسات والمزروعات ومداواتها وحراستها ومساعدة الهياكل المعنية على تطهير الأوضاع الزراعية وتطوير انتاجية المستغلات الفلاحية وغيرها. وتعتبر المجامع المائية المكوّن الأساسي للمجامع في قطاع الفلاحة والصيد البحري إذ تعد 2690 مجمعا مائيا حسب آخر الاحصائيات لوزارة الفلاحة والصيد البحري. وتنقسم هذه المجامع الى مجامع للماء الصالح للشراب (1370 مجمّع) ومجامع للري (1203 مجمّع) ومجامع مزدوجة تعتني في الآن نفسه بتجميع الماء الصالح للشراب وتجميع الماء الصالح للري (117). ومن بين هذه المجامع، أحصت مصالح وزارة الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية حوالي 264 مجمّعا متوقفا عن العمل وهو لا يمثّل غير 10% من العدد الجملي للمجامع المائية. وبالمقارنة مع احصائيات الوزارة في سنة 2009، فإنّ عدد المجامع المائية لم يتطور بالكيفية اللازمة، إذ أحدثت 334 مجمّعا فقط في غضون 10 سنـوات كاملة أغلبها للري (185 مجمعا) وبخاصة في الجهات الغربية من البلاد التونسية وهي مناطق فقيرة (الكاف والقصرين وقفصة وقبلي) مقابل تلاشي 76 مجمّعا مائيا جلها في الولايات الشرقية من البلاد التونسية وهي مدنين وبنزرت وڤابس. وتتمركز هذه المجامع المائية أساسا في المنطقة الغربية للبلاد التونسية (62%) وبخاصة في القصرين والقيروان حيث تمتلك هاتان الولايتان خمس المجامع المائية المتواجدة في الأراضي التونسيـــة. وقـد أفادت المجـامع المائية للماء الصالح للشـــــرب في 2018 تقريبا 320 ألف و883 عائلة تونسية، 40% منها تقطن في الوسط الغربي وهي مناطق جدّ فقيرة.
3 - التعاونيات المعرّفة بالأمر المؤرخ في 18 فيفري 1954، أو شركات التأمين ذات الصبغة التعاونية بما تنص عليه مجلة التأمين والأمر عدد 2257 لسنة 1992. وهي تحت إشراف مزدوج بين وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة المالية. وحسب الهيئة العامة للتأمين بتاريخ 25 مارس 2020، يبلغ عدد التعاونيات 48 تعاونية منها 17 تعاونية تخص الإدارات المركزية للقطاع العمومي وبالتحديد المنخرطين من أعوان الوزارات و19 تعاونية شبه عمومية وتعنى بالمنخرطين من أعوان المنشآت العمومية والمؤسسات العمومية التي لا تكتسي صبغة إداريّة و12 تعاونية تعنى بالمنخرطين من أعوان المؤسسات الخاصة أو يمثلون أشخاصا طبيعيين مستقلين. وتخضع التعاونيات الى إشراف مزدوج بين وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة المالية.
الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، رافد من روافد التنمية في العالم
تشير بعض الدراسات الاقتصادية، إلى التعاونيات الكبيرة في العالم وعددها 300 تعاونية، حقّقت في سنة 2015 مبيعات بلغت حوالي 2.5 تريليون دولار أمريكي. أكثر من 32% منها ناشطة في القطاع الزراعي، 39% في التأمين و 19% في الجملة والتفصيل و6% في قطاع الخدمات المصرفية والمالية. وخلق القطاع التعاوني حوالي 250 مليون وظيفة في العالم إذأصبح هذا القطاع يمثّل 12% من إجمالي العمالة في دول مجموعة العشرين.
وفي أوروبا يحتل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني مكانة هامّة، فهو يمثّل ما بين 8 الى 10% من الناتج الأوروبي الخامّ وقد خلق 13.6 مليون موطن شغل في أوروبا في سنة 2016. ويمكن اعتبار اسبانيا والبرتغال ورومانيا واليونان وفرنسا وبعض المناطق البلجيكية من الدول التي تمتلك تشريعات متكاملة وخاصّة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، بينما توجد بعض التشريعات الخاصّة بالمؤسّسات الاجتماعية في بعض الدول الأخرى كفنلندا وإيطاليا ولتوانيا وسلوفينيا والدانمارك وهولاندا وبلجيكيا واللكسنبورغ. وتمتلك أوروبا رؤية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني في أفق 2020 تعتمد على خمسة أهداف أساسية:
- تشغيل 75% من الفئة العمرية ما بين 20 و 64 سنة،
- استثمار 3% من الناتج الأوروبي الخام في البحث العلمي،
- التقليص بـ 20% من الانحباس الحراري مقارنة بمستوياته في سنة 1990،
- التقليص من التسرب الدراسي الى ما أقل من 10%
- التقليص الى ما أقل من 20 مليون شخص مهددين بالفقر والتهميش الاجتماعي.
ويتضمن قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في فرنسا 221 ألف و 325 مؤسسة تساهم في خلق 10,5% من مواطن الشغل في فرنسا حيث يمثّل المشتغلون في هذا القطاع 2 مليون و370 ألف أجير. كما يمثّل قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني مكانة هامة في اسبانيا إذ يشغّل حوالي 2.2 مليون شخص ويسهم في 12% من الناتج المحلي الإجمالي حسب المعطيات المتوفرة لسنة 2013. وفي دول مثل اللوكسمبورغ وهولندا، تتجاوز مساهمة القطاع حتى 20% من إجمالي العمالة.
أمّا في الهند، فتمثّل التعاونيّات المكوّن الأساسي لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني إذ يبلغ عددها حوالي 600 ألف تعاونية، تتوسّع على ربع مليار عضو بما يعد الأكبر عالميا على مستوى عدد المنخرطين حيث تتوزع هذه التعاونيات على 500 ألف قرية في الهند.
الاقتصاد الاجتماعي والتضامني قطاع مهمّش في تونس
لا تشغّل معظـــم مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني (54.5%) أكثر من 10 موظفين لكل مؤسسة، إذ توظف الشركات التعاونية للخدمات الفلاحية في المعدل من 1 إلى 10 موظفين. أما بالنسبة للجمعيات، فتشير المعطيات المتوفرة أن هذه الأخيرة تكاد لا تشغل موظفين، إذ جل ما يعملون فيها متطوعون وفي أحسن الحالات فهي توظف عاملا واحدا. وفي العموم، تشير بعض التقديرات إلى أنّ عدد المشتغلين في قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لا يتجاوز 21 ألف وظيفة، أي مـا يقـرب من 0.5% من إجمالي العمـالة في تونـس. وفي سنـة 2015، فإن إجمالي مساهمة قـطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضـامني في الناتج المحلي الإجمالي لا يتعدى في أفضل حالاته 1%.
خاتمة
أفضى المنوال الاقتصادي المتبع في تونس إلى نتائج اقتصادية واجتماعية سلبية ظهرت خاصة في تنامي معدلات البطالة والفقر والتفاوت الاجتماعي والجهوي وهو ما يستدعي بالضرورة تغيير المنوال القائم واعتماد خيار الاقتصاد الحرّ ثلاثي الأطراف (قطاع عام، قطاع خاص و قطاع ثالث يعرف بالاقتصاد الاجتماعي التضامني) تكون فيه الدولة طرفا فاعلا يؤمن الشفافية والعدالة والنجاعة الاقتصادية ويمكّن كل القطاعات من المشاركة في عملية التنمية ويكون فيه الاقتصاد الاجتماعي والتكافلي طرفا هاما في صياغة القرار السياسي والاقتصادي للبلاد مما سيؤدي إلى إعادة تقييم الثروة وتقسيمها على نحو يضمن المزيد من نقاط النمو ومواطن الرزق.
رضا الشكندالي
أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية
- اكتب تعليق
- تعليق