أخبار - 2020.03.30

إن هذا لشيء عجاب: "الكوفيد 19" يُعرّي عيوب العولمة وعوراتها

إن هذا لشيء عجاب: "الكوفيد 19" يُعرّي عيوب العولمة وعوراتها

ليس بالأمر الجديد أنّ العولمة المتوحِّشَة المُؤَسَّسَة على الرأسمالية المتطرّفة كانت، منذ سنوات عديدة، في قلب حركة فكريّة رافضة لها، ناقدة لتبعاتها، وداعية إلى التخفيف من آثارها المدمّرة بالعمل، قدر الإمكان، على "أخْلَقَتِها" و"أنْسَنَتِهَا"، غير أنّ الكارثة المُعَوْلَمَة التي حلّت بالبشريّة جمعاء من جراء ظهور "الكوفيد 19" جاءت، الآن، لتؤجّج هذه الحركة بصورة غير مسبوقة، لأنّها رفعت الغشاوة عن الأبصار والبصائر، وعرّت عيوب العولمة وعوراتها.

ولقد كان نقدُ العولمة، في الماضي، يركّز على الفجوات الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية والحضارية التي وسّعتها وعمّقتها بين الشمال والجنوب أو بين العالم الأول والعالم الثالث، غير أن "الكوفيد 19" ظهر بغتة ففضح قصور "البنيات التحتيّة الصحّية" في مختلف دول العالم، وبالذات في أغنى وأقوى دوله، أي الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي التي تتحكّم وحدها في نصف الاقتصاد العالمي.

ولعلّ المفارقة الكبرى التي كشف عنها انتشار الوباء في هذه الدول بالتحديد، هي أنّها، وهي التي ما فتئت تكدّس ترسانات مُرْعِبَة من أعتى الأسلحة وأفتكها، بدعوى حماية شعوبها وصيانة أمنها واستقرارها، بدت عاجزة عزلاء من الأسلحة التي يمكن أن تقف بها في وجه "الكوفيد 19" وأن توقفه، حتى لا يستمر في الفتك بهذه الشعوب المغلوبة على أمرها.

إن كلفة توفير هذه "الأسلحة السّلميّة" لا تساوي إلا القليل القليل من كلفة "الأسلحة الحربية" التي تستنزف سنويا مئات، إن لم يكن آلاف المليارات من الدولارات من أموال الشعوب، دافعة الضرائب، فثمن طائرة واحدة من طراز (ف 35/ f35) تكفي لشراء أكثر من ألفي جهاز تنفس صناعيّ مما يحتاجه المصابون بفيروس كورونا لإنقاذهم من الموت.

والمؤسف حقّا أن الصّناعات الحربية الشرسة الجشعة في هذه الدول جرّت الدول النامية جرّا إلى دوّامة التسلّح للحرب بدل التسلّح للسلم حتى باتت هي بدورها تصرف بلا حساب على شراء الأسلحة غير عابئة بتوفير مستلزمات الحياة الكريمة لشعوبها زمن السلم، قبل زمن الحرب، وغير مبالية بارتهان حاضرها ومستقبلها بالديون المتراكمة على كاهلها وكاهل أجيالها القادمة.

ولقد أدّى الوقوع في هذه الدوّامة إلى تقهقر أولويات التعليم والصحة والقضاء على البطالة والفقر التي كان ينبغي للدول النامية أن تركّز عليها للخروج من تخلّفها وأوضاعها المتردّية والتي تزداد تردّيا يوما بعد يوم...

ولذلك كلّه، فإنّ البشريّة ستكون، دونما شك، بحاجة ماسّة، بعد انتهاء الشدّة الراهنة، إلى مراجعة القواعد التي قام عليها العالم حتى الآن، وذلك من أجل إرساء أركان "عولمة بديلة" أو "عولمة مضادّة" تستعيد بها أكبر قدر ممكن مما فقدته من التوازن ومن العدل والانصاف وخاصة من القيم والأخلاق...

وسيكون ذلك أمرا ضروريا حتى لا يكون البديل عنه "حرب عالمية ثالثة" يشعل فتيلها، هذه المرّة، فيروس "الشّعبوية الجامحة الجانحة" التي اكتسحت، خلال السنوات الأخيرة، العديد من الدول، والتي يبدو أنها ستجتاح العالم كله، مثل "الكوفيد 19"، إن لم تهتد البشرية، قبل ذلك، إلى سواء السبيل...

محمد إبراهيم الحصايري

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.