أخبار - 2020.01.27

التأمـين في تونس: ركود في النشاط وحريف يشتكي

التأمـين في تونس: ركود في النشاط وحريف يشتكي

يعرَف التأمين على أنّه منظومة ضرورية توضع على ذمة الأفراد والمجموعات لحمايتهم من الأخطار التي قد يتعرضون لها وتهدّد حياتهم أو صحتهم أو أنشطتهم أو ممتلكاتهم.... لذلك فهي منظومة هدفها نقل عبء تلك المخاطر إلى شركات التأمين التي تتحمّلها مقابل دفع الحريف قسط التأمين... لكن مع ذلك تتعالى تشكّيـات الحرفاء من تردّي أداء القطاع وتعقّد إجراءاته. فما حقيقة ذلك؟ وما أسباب تلك التشكّيات؟ وهل بالامكـان تطويــر قدرات القطاع ليوفّر الخدمات المطلوبة من الحريف التـونسي بالجــودة العالية وليجـابـه التحـدّيات الخـارجية القادمة؟

ينشط في المنظـومة التـأمينية مؤسّسات التأمين وإعادة التأمين المقيمة وغير المقيمة ووسطاء التأمين ومعاينو الأضرار والخبراء والجمعيات التعاونية. وتغطّي سوق التأمين في تونس جميع المجالات مثل السيارات والنقل والصحة والحرائق والمباني والمخاطر والممتلكات والخسائر المالية وحوادث الشغل والأمراض.. الخ ... ويتّفق المتابعون لقطاع التأمين في تونس أنّ مؤشراته ظلّت متواضعة ونتائجه دون المأمول رغم ما اتخذ من إجراءات تهدف إلى تعصير أنظمة التصرّف فيه وتطوير التشريعات وتحسين الخدمات ويتأكّد ذلك التواضع لو قارنا تلك المؤشرات بنتائج بقية القطاعات المالية التونسية أو بما شهدته قطاعات التأمين في دول مثل المغرب أو جنوب إفريقيا من تطوّر.

ويعود ذلك إلى أنّ قطاع التأمين يشكو من عديد المشاكل منها ما يتعلق بمنظومة التأمين ومنها ما له علاقة مباشرة بالمواطن الحريف ويثير تشكّياته. فما حقيقة ذلك؟

قصور المنظومة

لم يستطع قطاع التأمين في تونس رغم رقم معاملاته الذي يتطور ببطء أن يصبح دعامة أساسية من دعامات الاقتصاد الوطني من خلال الرفع من حجم الادخار الوطني ومعاضدة الصناديق الاجتماعية  والتأمين على الحياة وتطوير ثقافة التأمين لدى المواطن الذي لا يتعامل مع التأمين إلا في الأصناف الاجبارية فقط. وسجّل القطاع مليونا و 944 ألف عقد إلى آخر سبتمبر من سنة 2019  بينما لم يتطوّر التأمين على غير الحياة إلا بنسبة 7%، ولم يتجاوز اندماج قطاع التأمين صلب الاقتصاد الوطني نسبة 2,1% من الناتج الإجمالي المحلّي حسب تصريح للسيد رضا شلغوم وزير المالية (خلال انعقاد المنتدى 24 لمنظمة شركات التأمين الافريقية يومي 30 سبتمبر وغرة أكتوبر 2019) كما هو الشأن في عدّة دول، إذ تصل هذه النسبة إلى 3,5% في المغرب مثلا و14,3% في جنوب إفريقيا و9,2% في فرنسا .كما لا يمثّل التأمين على الحياة سوى 15% من رقم المعاملات الجملي للقطاع مقابل 80% مثلا في جنوب إفريقيا .أما أرباح شركات التأمين مجتمعة فهي لا تزيد عن أرباح بنك تجاري وحيد في تونس (حسب حوار أدلى به رئيس الهيئة العامة للتأمين لوكالة الأنباء التونسية نشر بتاريخ 8 مارس 2019).

وإذا كانت الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها تونس قد أثّرت في كل القطاعات ومن بينها قطاع التأمين، ممّا يفسّر هذا التواضع في الأداء، فإنّ مشكل ارتفاع حجم التعويضات التي تصرفها الشركات للحرفاء والتي بلغت 1262,8 مليون دينار سنة 2018 وقدّرت بـــ 919,4 مليون دينار في آخر سبتمبر 2019  يبقى حسب أهل المهنة  هو المصدر الأساسي لمشاكل التأمين في تونس، إذ تزيد التعويضات عن نصف رقم معاملات شركات التأمين خاصّة في صنف تأمين السيارات لارتفاع عدد الحوادث وصنف التأمين ضد الحريق وصنف تأمين النقل، فمثلا يبلغ حجم التعويض في حوادث السيارات حوالي ثلثي رقم المعاملات (إحصائيات 2018) وأكثر من 53% من مجموع التعويضات ويعزى ذلك إلى انزلاق قيمة الدينار وزيادة أسعار قطع الغيار المستوردة غالبا.

وهناك عامل مهمّ يرفع من حجم التعويضات إلى هذا الحدّ حسب أهل المهنة هو تفشي ظاهرة الغشّ والتلاعب بالملفّات في الحوادث والتأمين الصحي خاصّة. ويواجه قطاع التأمين بسبب عمليات الغشّ خسائر تقدر بنسبة 10 % من رقم المعاملات بينما لا تتعدّى نسبة اكتشاف الغشّ 25% من الحالات. ومن مظاهر الغشّ تقديم الحريف معلومات مغلوطة لدفع قسط تأمين أقل أو افتعال الوثائق وتزويرها في حوادث الطرقات الفعلية أو الحوادث الوهمية أو تزييف شهادات التأمين أو التلاعب بالوصفات الطبية بالنسبة إلى التأمين الصحّي. ومن جهة أخرى، يلاحظ تراجع التأمين على الحياة إلى 9% في موفى سبتمبر 2019 مقابل 14,6% سنة 2018 و 18% في 2017 بينما يلاحظ مثلا أنّ حوالي ثلثي نظام التأمين في فرنسا قائم على التأمين على الحياة .ويعود ذلك التراجع إلى قصر مدّة التأمين على الحياة وإلى تدهور الطاقة الشرائية للمواطن خلال السنوات الأخيرة ممّا دعاه إلى إعطاء الأولوية في حياته للأمور الضرورية دون غيرها.

وعموما يواجه القطاع مشاكل تشريعية فمجلّة التأمين غير ملائمة للواقع ولما تعيشه تونس ويعيشه العالم من تطوّرات. وتسعى الهياكل المهنية إلى إصلاحها لحماية حقوق الحرفاء وضمان استمرارية شركات التأمين والتحوّل نحو حلول تستند إلى تقييم المخاطر بطريقة فعالة واعتماد مواصفات خصوصية للقطاع . ويلخّص أحد المهنيين الأمر في الدعوة إلى أن يقوم كلّ متدخّل في القطاع بعمله على أحسن وجه وبالشفافية والنزاهة المطلقة.

تشكّيات الحرفاء

ويبدو أثر وضعية شركات التأمين جليا في علاقتها بالحريف، إذ، رغم حجم التعويضات الهامّ مقارنة برقم المعاملات ومحاولة شركات التأمين تقديم خدمات يمكن أن ترضى الحريف، تظلّ تشكّياته قائمة وتترجم عن مكامن الخلل في الخدمات التأمينية. ويمكن أن نلخّص تلك التشكّيات، وفق ما قمنا به من حوارات مع بعض الحرفاء أو أهل المهنة، في ارتفاع تعريفة التأمين عموما والسيّارات خصوصا وفي تعقيد إجراءات الحصول على الخدمات  أو التعويضات التي هي في الأصل ضعيفة مع طول الآجال التي تمكّن من الحصول عليها وفي عدم تغطية التأمين للكوارث الطبيعية كلّها التي تمس المباني السكنية وما تحويه من ممتلكات أو التي تتلف السيارات بما فيها.

ارتفاع قيمة قسط التأمين

فبخصوص ارتفاع تعريفة التأمين على السيارات يؤكّد السيد كمال الشيباني المدير التنفيذي للجامعة التونسية لشركات التأمين أنّ هذا خطأ شائع لدى الحريف لأنّ المهنة لم ترفع في قسط التأمين على السيارات في السنوات الأخيرة وتمت مراجعة التعريفة لكن دون مفعول مالي، مضيفا أنّ تسعيرة التأمين تتكوّن من تأمين المسؤولية المدنية الخاصة بالأضرار البدنية والمادية والتي تتحكّم فيها وتحددها الدولة وهي إجبارية ومن خدمات التأمين الأخرى التي تسعّرها شركات التأمين كالتأمين ضدّ الحريق والسرقة. وأكّد أنّ خسارة القطاع متأتية أساسا من التغطيات المرتبطة بتأمين المسؤولية المدنية .ويذكر هنا أنّ معدل قسط التأمين للفرد على غير الحياة حسب الهيئة العامة للتأمين بلغ سنة 2016 حوالي 130,9 دينار مقابل 93,3 دينار سنة 2011. بينما بلغ معدل التأميين على السيارات لسنة 2017 حسب تقرير الجامعة التونسية لشركات التأمين 444,950 دينار. ومن جهته أكّد السيد محمد العشاب رئيس الغرفة الوطنية لنقابة نوّاب التأمين أنّ الزيادة في أقساط التأمين ليس هو الحلّ لكي تحقّق شركات التأمين توازناتها المالية لأنّ هناك أسبابا أخرى يجب الاهتمام بها مثل قيمة التعويضات التي تكون في عديد الحالات غير واقعية وليست مناسبة لحقيقة الأضرار في السيارة مثلا لوجود تجاوزات وأضاف أنّه يمكن القضاء على تلك التجاوزات والتحكّم في الأضرار لو تعاونت شركات التأمين مع كل المتدخّلين في القطاع.

إجراءات معقّدة وآجال طويلة

وبخصوص تعقُد الإجراءات للحصول على الخدمات أو التعويضات أو لتسوية الملفات وعدم توفير خدمات جيدة، أكّد أحد نوّاب التأمين أنّ كلّ الخدمات التي تهمّ المؤمّن له هي من واجبات وكيل التأمين لكن بتطبيق الإجراءات القانونية القائمة وهي التي تطول باعتبار أنّ الحريف مطالب بالقيام بنفسه بعدة إجراءات فهو يتعامل مع كلّ متدخل لوحده، ففي حوادث السيّارات مثلا يتعامل الحريف مع نائب التأمين ومع خبير التأمين ومع صاحب المستودع الذي سيصلح السيارة ومع محلّ قطع الغيار كلّ واحد على حده. وأشار إلى أنّ عملية تعاقد بعض شركات التأمين مع مستودعات مختارة لم تلق النجاح المطلوب. وقال إنّه يمكن إنهاء تلك الاجراءات الطويلة بتكفّل شركة التأمين بها كلّها. وأشار السيد محمد العشاب إلى أنّ مشكل الإجراءات يتعرّض له خاصة المؤمّن ضد الغير في صنف تأمين السيارات لأنّه لا يحصل على التعويض المطلوب إلا من طرف شركة التأمين التي أخطأ حريفها وبواسطة شركة التأمين التي أمّن عندها سيارته وهذا يتطلب وقتا وبالتالي تطول الآجال وهو ما لا يحصل مع المؤمّن سيّارته ضد كلّ الأخطار. ودعا شركات التأمين إلى إيجاد الحلول لتقصير الآجال على الحريف والإسراع في جبر الأضرار وتحسين جودة الخدمات التي ينصّ عليها العقد بين شركة التأمين والمؤمّن له.

عدم تغطية الكوارث الطبيعية

وبخصوص عدم تغطية التأمين للكوارث الطبيعية كلّها كالفيضانات والزلازل والبرد أكّد السيد كمال الشيباني أنّ شركات التأمين بدأت تغطّي بعضها وأنّ الإصلاحات الجديدة لمجلّة التأمين ستتناولها جميعا . ونذكَّر هنا على سبيل المثال بما حصل لبعض أهالي نابل  وبوسالم وأريانة من أضرار في ممتلكاتهم ومنازلهم وأثاثهم وسياراتهم بسبب الفيضانات في السنوات الأخيرة وعديد منهم لم يتم جبر أضرارهم بعد. وفي هذا الصدد يؤكّد أحد الحرفاء أنّ على شركات التأمين، بالتعاون مع مؤسسات الدولة المعنية، إيجاد صيغة قانونية مثل صندوق جبر كل الكوارث لتغطية كل تلك الأضرار للمواطنين مهما كان نوعها ودون أن يكون المواطن متعاقدا مع شركة تأمين مثل صندوق جبر الجوائح الفلاحية. ويدعو السيد محمد العشاب إلى تحسيس أصحاب المصانع والمحلات التجارية والضيعات الفلاحية ومالكي السيارات والمنازل بضرورة تأمين ممتلكاتهم من الفيضانات والكوارث الطبيعية للحصول على تعويضات عند وقوع الكارثة لأنّ أضرار الكوارث الطبيعية تفوق أحيانا قدرات شركات التأمين.

مقترحات لتطوير قدرات القطاع

هذا يدعو شركات التأمين إلى تجويد خدماتها وتطوير منظومة يكون فيها الحريف هو المحور. وللنهوض بقدرات القطاع يقترح السيد محمد العشاب وضع حدّ لكل تشكّيات المواطنين فيما يخصّ جبر الأضرار في سوق السيارات ونشر ثقافة التأمين بين المواطنين من خلال حملات بيداغوجية منظّمة في وسائل الاعلام، ممّا يساهم في تطوير عدد المنخرطين في التأمين غير الإجباري خاصّة كما يدعو إلى نشر ثقافة الاحتراف بين المشتغلين في المهنة، إضافة إلى رقمنة القطاع ووضع نموذج جديد للتعامل مع الحريف ممّا سيساعد على النهوض بالتأمين لمعاضدة الاقتصاد التونسي.

ومن المقترحات الأخرى التي طرحها أحد نوّاب التأمين تحسين الخدمات وتكفّل شركات التأمين بكل الاجراءات لتخفيف العبء على المواطن ورقمنة القطاع لتحسين التواصل بين الشركات فيما بينها من جهة، ومع المؤمّن لهم من جهة أخرى، وتحديث المنظومة المعلوماتية لشركات التأمين وإحكام تطبيق نظام المكافأة للحرفاء المنضبطين في السياقة بمنظومة إعلامية متطوّرة تأخذ بعين الاعتبار جملة من المؤشرات عند احتساب قيمة قسط التأمين ودعوة الشركات إلى البحث عن مصادر تمويل جديدة لحفظ توازناتها المالية ممّا يحسّن من علاقتها المالية بحرفائها خاصّة في مجال جبر الأضرار.

قراءة المزيد:

مؤشرات قطاع التأمين في تونس

تأمين السيارات والدرّاجات النارية

خالد الشّابي

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.