أخبار - 2019.12.26

أيّة حصيلة للمهرجان الوطـني للمسرح التّونسي؟

أيّة حصيلة للمهرجان الوطـني للمسرح التّونسي؟

أسدل السّتار في أواسط الشهر الماضي على محطّة أخرى من المحطّات الثّقافيّة بعد أن تواصلت فعاليّاتها على امتداد شهرين، وهي محطّة متقاربة مع مهرجان أيّام قرطاج المسرحيّة، حيث لا يفصل بين الإثنين سوى شهر واحد وقد تزامنت مع تظاهرات أخرى كأيّام قرطاج للفنّ المعاصر الذي تزامن حفل افتتاحه مع اختتام المهرجان الوطني للمسرح التّونسي وتمّ في نفس الفضاء في صلب مدينة الثّقافة وأيّام قرطاج للهندسة المعماريّة...

نسق متسارع ذلك الذي تقام على إيقاعه التّظاهرات الثّقافيّة، على الرّغم من أنّها تمثّل فرصا هامّة للمبدعين والمنتجين، باختلاف مشاربهم وتعبيراتهم، لملاقاة جماهيرهم وروّادهم وللتلاقي فيما بينهم قصد تبادل تجاربهم ومشاغلهم وعلى الرّغم من أنّ بعض هذه التّظاهرات المحدثة تحت يافطة المرجع الحضاري لقرطاج تتّسم بالإسقاط المجاني والتّكلّف.

المهرجان الوطني للمسرح التّونسي وحســب إعلان النوايا، جــاء ليعيـد استثمار الرّصيـد الفكري للتّجربة المسرحـيّة في الجهـات وليؤسّس لها أطرا جديدة ومستحدثة هـي المـــراكز الوطنيّة للفنون الدّراميّة والرّكحيّة.المرجعيّة التّاريخيّة هي تظاهرة أسبوع المسرح التّونسي الذي امتدّ من أواسط السّتّينيّات إلى أواخر الثّمانينيّات والذي كانت حركيّة الفرق المسرحيّة الجهويّة وإنتاجاتها بمثابة العمود الفقري لبرمجته.

وكان النّقّاد قد طالبوا بإحياء أسبوع المسرح لأسباب عدّة أهمّها أنّ هذه التّظاهرة كانت محملا لصياغة فكر مسرحيّ يرافق التّجربة الإبداعيّة ويسندها من خلال النّقاشات التي كانت تتبع العروض المسرحيّة وتجمع بين المبدعين والتّقنيين والنّقّاد وحتّى في أحيان كثيرة أصحاب القرار في الإدارة الثّقافيّة. ولعلّ هذه النّقاشات هي التي شكّلت ما بين أواسط السّتّينيّات وأواخر الثّمانينيّات، الحزام الجماهيري الذي كان يتشوّف للتّجربة المسرحيّة ويتابعها باهتمام والذي أنشأ نواة لظاهرة الارتياد المنتظم والمكثّف للعرض المسرحـي في مهرجــــان أيّام قــــرطاج المسرحيّة.

ولعلّ التفكير في إحياء أسبوع المسرح كان الهدف منه محاولة استقراء التّغيّرات الحاصلة في الشّأن المسرحي في أعقاب اندثار أسبوع المسرح.

انطلق المهرجان الوطني للمسرح التّونسي في حركة تنشيطيّة للعرض المسرحي وفق اتّجاه ذي رمزيّة هامّة. ففي حين كان أسبوع المسرح ينطلق من الجهات وصولا إلى المركز، اختار المهرجان أن يتّخذ مسلكا عكسيّا فأعلن افتتاحه في مدينة الكاف وتفرّع بعد ذلك ليغطّي الولايات الأربع والعشرين للبلاد.

ذلك أنّ للكاف رمزيّة اعتباريّة كمهد لتوالد الفرق المسرحيّة الجهويّة وكحاضنة لمشروع مقاومة ثقافة المركز الذي دعت إليه، في 1969، مجموعة من المهتمّين بالشّأن المسرحي من بينهم المنصف السّويسي وهذه الدّورة التّأسيسيّة للمهرجان تحمل اسمه تكريما لمبادرته ولمغامرة لامركزيّة المسرح التي حملتها الفرق المسرحيّة الجهويّة كرسالة سعت إلى بثّها وإلى إفادة عدد كبير من الجماهير في الجهات. وعلى الرّغم من أنّ المنصف السّويسي لم يذهب شوطا كبيرا في المغــامرة وإذا ما لبث أن رجع إلى المركز صلب فرقة مدينة تونس للمسرح التي سبق وأن قاوم ثقافة المركز بالذات في إطارها، كموقف من تجربتها. ثمّ وفي 1983، أسّس المسرح الوطني في المركز واستقطب خيرة الممثّلين والفنّيّين العاملين في الفرق الجهويّة وحوّل دفّة مشروعه الأصلي فيما يتعلّق باللاّمركزيّة المسرحيّة من الأطراف إلى المحور.

مرجعيّة هجينة

لعلّ ذلك مـــا يجعل مـــرجعيّة الكاف التي استحضرتها الدّورة التّأسيسيّة للمهرجان مرجعيّة هجينة لا توفّي بالمدلولات التي تسند اللاّمركزيّة المسرحيّة من حيث هي مطلب نابع من الأطراف يطمح إلى التّمتّع بالحقّ في الفرجة المسرحيّة بالنّسبة إلى الجمهور وحق المبدعين في ملامسة الخصوصيّات الجهويّة كمبحث إبداعي يطوّرون في مخابره تجربتهم وأحلامهم وطروحاتهم.

كانت المدوّنة النّقديّة لفترة بوادر انحلال الفرق الجهويّة قد نبّهت إلى مجموعة من النّقاط تشير أهمّها إلى هشاشة تركيبة الفرق المسرحيّة الجهويّة والأنيميا في التّجهيزات والبنى التّحتيّة التي تمكّنت منها وفكّكت أعمدتها، إلاّ أنّها قوبلت بالصّمت والتّجاهل ممّا أدّى إلى اضمحلالها واندثارها. ولم يكن ذلك مستغربا وهو يصدر من نظام اتّسم بالتّوحّد والانقطاع عن الرّأي الآخر فما بالك بالصّوت النّاقد والنّقد يبقى في المخيّلة الفكريّة لمجتمعاتنا وبالذّات في مخيّلة السّاسة، خطيئة وكبيرة من الكبائر يُنفى مرتكبها في غياهب التّهميش والنّسيان،

وبما أنّ النّقلة السّياسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة بعد 2011، قد تكون غيّرت المعطيات في العلاقة البينيّة التي تربط بين الإدارة الثّقافيّة من جهة وبين الرّأي والنّقدي من جهة أخرى، فإنّ هذه الإدارة لم تسلّم بالبدائل «العلاقاتيّة» في التّعامل مع السّاحة الثّقافيّة والفكريّة بشكل عامّ. فقد بقي مفهوم الاستشارة والتّشاور والشّراكة مع الفكر النّقدي وكذلك مع قوّى الإنتاج الثّقافي مفهوما عموديّا ينطلق العمل به وفق مرجعيّات الأطر السّابقة ويرسّخ مفهوم «الحقرة» وصولا إلى الإقصاء الذي يتظلّل بظاهرة اتّخذت بعدا على قدر كبير من الخطورة. وهي ظاهرة التّكريم في نسق «البيع بالجملة» التي تصرّف في بلاغة التّنشيط «المهرجاناتي»، بـ«التّكريم بالجملة» والتي تنتج الصّورة النّمطيّة الزّاحفة فتشعل شموع العرفان والتّهليل والتعظيم.

هي تكريمات بدروع «إيقوناتيّة» هشّة وخالية من أيّ خلفية فكرية ومن أدنى مؤشّرات الجدارة الفنّيّة والفكريّة التي تبرّر إسنادها.

التّكريم، ما التّكريم؟

التّكريم كما هي العادة في البلاطات الثّقافيّة، تسليم مخطوط تشعل حروفه «الخشبيّة» آلة افتراضيّة على ورقة بائسة يصحبها إكليل أو درع أو «تانيت» تسلّمه يدان»مباركتان» وينتهي الأمر ليعود المبدع إلى معاناته وإلى مصارعة طواحين المماطلة والتّسويف وتزداد المعوقات دورة التنمية المؤجّلة دوما، فتنسدّ من جديد مسالك الأمل.

هي «توليّة» (installation) سياسيّة بالمعنى الإيديولوجي لم تعد تليق بورثة الألفيّات الثّلاث. قلت لم تعد تليق؟ كلاّ بل أقصد أنّها لم تعد تنطلي....

فوزيّة بلحاج المزّي

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.