داعش ما بعد مقتل البغدادي: هل هي نهاية التنظيم؟
أثار مقتل زعيم تنظيم داعش ردّة فعل عالمية، بين مستبشر ومتخوّف. وفي حين هلّل له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإنّ المجتمع الدولي بدا أكثر حذرا، معتبرا أنّ التخلّص من رأس التنظيم لا يعني القضاء على التنظيم بأكمله وإنّما تحوّله إلى أشكال أخرى قد تكون أكثر خطورة، بالإضافة إلى تمدّده نحو مناطق مغايرة من العالم. حبس العالم أنفاسه أمام تتالي صور ركام النفق الذي قيل إنّ أبا بكر البغدادي فجّر فيه نفسه مع ثلاثة من أطفاله ليُنهي بذلك حياة الجميع وينهار النفق من قوّة الانفجار. بعد بضعة أيام، بثّت وزارة الدفاع الأمريكية صور العملية العسكرية التي نفّذها الجيش الأمريكي على الموقع الذي كان يختفي فيه زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في محافظة إدلب شمال سوريا، لتؤكّد خبر وفاته، ثم جاء التأكيد الرسمي من داعش نفسه حول مقتل قائده. عمليّة عسكرية ناجحة، صفّق لها ترامب وحلفاؤه، في حين قلّلت من أهميتها روسيا وإيران معتبرتين أنّ الإدارة الأمريكية لم تقم سوى بالتخلص من »صنيعتها« بعد انتهاء مدّة صلوحيته.
لكنّ اللافت للنظر هو توقيت التخلّص من البغدادي الذي يأتي بُعيد سحب الولايات المتحدة لقوّاتها من سوريا وفسحها المجال للجيش التركي للتدخّل في المناطق الكردية وطرد قوّات سوريا الديمقراطية منها، أمام تخاذل الإدارة الأمريكية، فيما اعتُبر خيانة منها لحليفها الاستراتيجي في القضاء على داعش. ويرى ملاحظون أنّ ترامب أراد من خلال سحب قوّاته من سوريا وقتل البغدادي، الإنهاء مع ما سمّاه «الحروب التي لا تنتهي» وكسب نقاط مهمّة في إطار سعيه إلى الفوز بانتخابات 2020. لكن بدل أن تسفر هذه الخيارات الأمريكية عن إنهاء التنظيم، يبدو أنّها ستمنحه الفرصة الذهبية لإعادة تنظيم صفوفه والانتشار على مجال أوسع من سوريا والعراق.
الإرهاب مستمرّ مادامت أسبابه موجودة
«قتل رأس التنظيم لا يعني التخلّص نهائيا من الإرهاب» كانت هذه الجملة التي تداولها العديد من قادة العالم، الذين، وإن استبشروا بمقتل البغدادي، فإنّهم بدوا واعين بأنّ الحرب ضدّ التنظيمات الإرهابية مازالت متواصلة ومُضنية. فقد أثبتت التجارب الماضية أنّ مقتل أسامة بن لادن في 2011 لم ينه تنظيم القاعدة، والقضاء على أبي مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين (فرع تنظيم القاعدة في العراق) في 2006 لم يُنهِ تنظيمه الذي تطوّر عبر السنوات ليفرز تنظيم داعش فيما بعد. بالتالي، فإنّ الإرهابية تتناسل فيما بينها وتُعيد تجديد عناصرها وتنظيم صفوفها، مستفيدة من حالات الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي المستمرة في المناطق التي تستقرّ وتزدهر فيها خاصّة في الشرق الأوسط. كما أنّ العوامل التي خلقتها لا تزال موجودة وستتواصل، ومنها تفشّي الفقر والبطالة وغياب التنمية وانتشار الفساد وغياب العدالة الاجتماعية، كلّها عناصر تُؤلّب الشعوب ضدّ حُكاّمها وتخلق أرضية خصبة للتمرّد والانغلاق والتعصّب والانضمام إلى تنظيمات راديكالية إرهابية تعدُ باسترجاع ماض بائد ومحاربة عدوّ وهمّي.
إمكانيات بشرية ومادية مٌتوفّرة للنهوض من جديد
ما إن تأكّد رسميا خبر مقتل البغدادي، حتّى بادر التنظيم بالإعلان عن خليفته وهو أبو إبراهيم الهاشمي القرشي في محاولة لإعطاء فكرة عن تواصل عمل داعش وعدم توقفه بوفاة زعيمه التاريخي. ولئن لم تتوفّر إلى الآن معلومات دقيقة حول الهوية الحقيقة للزعيم الجديد، إلى درجة أنّ بعض الملاحظين اعتبروا أنّه اسم وهمي لشخصيىة وهمية، فإنّ الثابت أنّ تنظيم الدولة الإسلامية لم يرفع بعد الراية البيضاء وأنّه رغم خسائره الجسيمة على مستوى الأرض والمقاتلين والأنصار، لم يُعلن استسلامه.
ولا ينفكّ العديد من المحلّلين يؤكّدون أنّ التنظيم مازال يملك كلّ الإمكانيات لينهض من جديد ويعيد ترميم نفسه. أوّلا من خلال استعادة مقاتليه الموجودين في السجون والمخيّمات الكردية شمال سوريا، حيث أنّ اضطرار قوات سوريا الديمقراطية إلى التصدّي للهجوم التركي على أراضيها، أضعف قدرتها على حراسة منتسبي داعش ونسائهم وأطفالهم المحتجزين عندها، مما سهّل هروبهم. وقد تمكّنت 700 عائلة داعشية من الفرار من مخيّم عين عيسى والتحق بعض أفرادها بالتنظيم من جديد لتعزيز صفوفه. ثانيا، إنّ انسحاب الجيش الأمريكي من سوريا سيخلق فراغا سوف يملؤه التنظيم الذي من المرجّح أن يكثّف عملياته الانتقامية ضدّ الأكراد ولكن أيضا ضدّ قوات الأسد التي هي بصدد بسط نفوذها على شمال سوريا.
وقد بدأ التنظيم عملياته الانتقامية منذ السنة الماضية في العراق من خلال استهداف القوات العراقية. فحسب تقرير كان قدّمه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لمجلس الأمن في فيفري 2019، هناك خلايا نائمة لداعش تنشط وتعمل على خلق انفلات أمني، من خلال عمليات اختطاف وقتل لقيادات أمنية وشنّ هجومات ضدّ مؤسّسات الدولة العراقية. وهي تستفيد من وجودها في مناطق يصعب الوصول إليها مثل صحراء الأنبار والجبال المحيطة بكركوك ومحافظات ديالي وصلاح الدين. وأقرّ غوتيريش في التقرير نفسه بوجود ما بين 14 و18 ألف مقاتل من داعش، إلى جانب 3000 من المقاتلين الأجانب، في حين قدّر المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا، جيمس جيفري، عدد مقاتلي التنظيم بين15 و20 ألفا ينشطون ما بين سوريا والعراق. بالتالي، فإنّ التنظيم سيعتمد في المرحلة القادمة كثيرا على خلاياه النائمة وسيُكثّف عملياته ضدّ كل من يُمثّل الدولة في المنطقة. من جهة أخرى، فإنّ أعداد مقاتليه مرشّحة للزيادة إذا ما نفّذ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان تهديده بإطلاق سراح مقاتلي داعش الأجانب الذين يحتجزهم إذا لم تقم بلدانهم باستعادتهم. كذلك لا يجب أن ننسى أنّ تنظيم الدولة الإسلامية مازال يمتلك أموالا كثيرة قدّرها الأمين العام للأمم المتحدة بـ 300 مليون دولار قد يقوم باستعمالها للقيام بعمليات إرهابية في سوريا والعراق وبلدان أخرى.
التمدّد نحو مناطق أخرى
من المتوقّع خلال المرحلة القادمة أن يحصل تقارب بين تنظيم داعش والقاعدة، خاصّة مع تنظيم حراس الدين، جناح القاعدة في سوريا والمتمركز حاليا في إدلب. وقد كان هذا التنظيم استقطب بعضا من عناصر داعش الفارّين حتّى قبل موت البغدادي، وهو ما يفسّر وجود في هذه المنطقة أثناء مقتله. وقد يتعزّز هذا التقارب خاصّة وأنّ داعش بصدد التمدّد في مناطق يوجد فيها تنظيم القاعدة مثل منطقة الساحل الإفريقي وجنوب شرق آسيا. توسّع رقعة وجود داعش هو الخطر الحقيقي الذي ينتظره العالم، فالدخول في السريّة والعمل من خلال الخلايا النائمة يعطي حجما أكبر لتهديداته، من خلال تكرّر عملياته خارج نطاق وجوده التقليدي أي ما بين سوريا والعراق. فمنذ السنة الماضية، شهدنا عمليات إرهابية تبنّاها التنظيم في الفيليبين وأفغانستان ونيجيريا والصومال وشبه جزيرة سيناء واليمن. كما استقر مؤخرا بمناطق جديدة مثل بوركينا فاسو غرب إفريقيا التي شهدت في شهر مارس 2019 هجمات إرهابية دموية، كما عزّز التنظيم نشاطه في مالي التي تستقرّ بها منذ سنوات جماعات إرهابية أهمّها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. كما سيُكثّف تنظيم داعش عملياته في الغرب وفي أوروبا تحديدا، حيث يرغب في الانتقام لمقتل مؤسّسه، كما لا ننسى مسألة عودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم وما يشكّله ذلك من خطر على استقرارها.
كل العوامل توحي بأن قطع رأس الإرهاب لا يعني نهايته وإنّما تحوّله إلى أشكال أخرى قد تكون أكثر خطورة لأنّها خفية، وقد أثبتت التنظيمات الإرهابية خلال العشريتين الأخيرتين قدرتها على التأقلم السريع مع الظروف الصعبة وإعادة إنتاج ذاتها وضمّ مناطق جديدة. فربّما سيخلق موت البغدادي داعش في نسخة جديدة متطوّرة أو ستنشأ منظمة إرهابية مغايرة أكثر راديكالية ودمويّة منه.
حنان زبيس
- اكتب تعليق
- تعليق