أخبار - 2019.11.14

محجوب الجلاصي: ظاهرة الإتجار بالأشخاص بين الواقع والقانون

محجوب الجلاصي: ظاهرة الإتجار بالأشخاص بين الواقع والقانون

ترتبط ظاهرة الاتجار بالأشخاص بعديد الجرائم التي تحرمها المواثيق الدولية والقوانين الداخلية مثل استغلال الأطفال في التسول أو تشغيل البنات في سن الطفولة كمعينات منزلية أو تشغيل النساء في شبكات الدعارة أو استغلال الأجانب في العمل بأجور منخفضة ودون أية ضمانات أو تأمينات اجتماعية وغيرها، وقد انتشرت مظاهر ذلك في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ ولافت للانتباه مما جعل التقارير الدولية تدعو كافة الدول إلى ضرورة مراجعة تشريعاتها في هذا الشأن ومعاضدة المجهودات الدولية المبذولة للتصدي لهذه الظاهرة، ولا شك أنّ تونس لم تكن بمنأى عن هذه التوجهات الدولية، ولذلك فقد انضمت إلى العديد من المعاهدات الدولية ذات الصلة بمكافحة هذه الظاهرة ومنها اتفاقية الأمم المتخذة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال المكمل لها والمصادق عليه بالقانون عدد 5 لسنة 2003 المؤرخ في 31 جانفي 2003، وصادقت أيضا على عديد الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بهذا الموضوع ومن ضمنها اتفاقية العمل الدولية 29 بشأن العمل الإجباري لسنة 1930 واتفاقية العمل الدولية 105 بشأن منع العمل الإجباري لسنة 1957.

كما تضمنت المنظومة القانونية التونسية عديد الأحكام المتعلقة بجرائم الاتجار بالأشخاص وخاصة منهم الأطفال والنساء واستغلالهم بشتى الوسائل، وجاءت تلك الأحكام القانونية متفرقة وتعتمد في غالبها على الأحكام العامة الواردة بالمجلة الجزائية ومجلة حماية الطفل، وأمام تطور الظاهرة وتنامي حجمها كان لا بد من التفكير في وضع إطار قانوني أكثر شمولية خاصة بعد أن أشارت بعض التقارير إلى أنّ تونس أصبحت بلد انطلاق وبلد عبور للجرائم المرتبطة بهذه الظاهرة.

وفي هذا الإطار صدر القانون الأساسي عدد 61 لسنة 2016 المؤرخ في 3 أوت 2016 المتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته، وهو يهدف إلى منع كل أشكال الاستغلال التي يمكن أن يتعرض لها الأشخاص وخاصة النساء والأطفال ومكافحتها بالوقاية من الاتجار بهم وزجر مرتكبيها وحماية ضحاياها ومساعدتهم ودعم التنسيق الوطني و التعاون الدولي في هذا المجال.

وقد وضع هذا القانون عدة أحكام زجرية من شأنها أن تحدّ من انتشار هذه الظاهرة، وهو يعتبر من أهم القوانين التي وقع إصدارها في السنوات الأخيرة باعتبار ما جاء به من أحكام صارمة في كل ما يتعلق بالجرائم المرتكبة في إطار الاتجار بالأشخاص، كما أحدث هذا القانون الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص التي تمّ تسمية أعضائها بتاريخ 09 فيفري 2017 ثم وقع تمكينها من مقر بتاريخ 23 جانفي 2018، وبعد ذلك صدر الأمر الحكومي عدد 653 بتاريخ  29 جويلية 2019 المتعلق بضبط تنظيمها وطرق سيرها.

وقد أوكل لها المشرع صلاحيات لها درجة كبيرة من الأهمية تتمثل خاصة في ما يلي:

  • وضع استراتيجية وطنية تهدف إلى منع الاتجار بالأشخاص ومكافحته واقتراح الآليات الكفيلة بتنفيذها.
  • تنسيق الجهود في مجال تطبيق إجراءات حماية الضحايا والشهود والمبلغين وكذلك آليات مساعدة الضحايا.
  • تلقي الإشعارات حول عمليات الاتجار بالأشخاص وإحالتها على الجهات القضائية المختصة.
  • إصدار المبادئ التوجيهية الكفيلة بتمكين كافة المتدخلين وبصفة خاصة الناقلين التجاريين ومتفقدي الشغل و مندوبي حماية الطفولة والأخصائيين الاجتماعيين و النفسانيين والمصالح المكلفة بمراقبة الحدود والأجانب ووثائق الهوية والسفر والتأشيرات والإقامة من ترصّد عمليات الاتجار بالأشخاص والإبلاغ عنها.
  • إصدار المبادئ التوجيهية الكفيلة بالتعرف على ضحايا الاتجار بالأشخاص وتوفير المساعدة اللازمة لهم.
  • تيسير الاتصال بين مختلف المصالح والجهات المعنية بهذا المجال وتنسيق جهودها وتمثيلها على الصعيدين الوطني والدولي.
  • التعاون مع منظمات المجتمع المدني وسائر المنظمات ذات الصلة بمكافحة الاتجار بالأشخاص ومساعدتها على تنفيذ برامجها في هذا المجال.
  • جمع المعطيات والبيانات والإحصائيات المتعلقة بالإتجار بالأشخاص لإحداث قاعدة بيانات بهدف استغلالها في إنجاز المهام الموكولة لها.
  • اقتراح الآليات والإجراءات الكفيلة بالحدّ من جميع أشكال استغلال الأشخاص، ونشر الوعي الاجتماعي بمخاطر الاتجار بهم عن طريق الحملات التحسيسية والبرامج الثقافية والتربوية وإقامة المؤتمرات والندوات وإصدار النشريات والأدلة.
  • تنظيم الدورات التدريبية والإشراف على برامج التكوين على الصعيدين الوطني والدولي في المجالات ذات العلاقة بنشاطها.
  • التعريف بالتدابير التي اتخذتها الدولة لمكافحة الإتجار بالأشخاص وإعداد الأجوبة على المسائل التي تطلب المنظمات الدولية إبداء الرأي فيها ذات العلاقة بميدان تدخلها.
  • المساهمة في تنشيط البحوث والدراسات لتحديث التشريعات المنظمة للمجالات ذات العلاقة بالإتجار بالأشخاص على ضوء المعايير الدولية وأفضل الممارسات بما يحقق تنفيذ برامج الدولة في التصدي لهذه الظاهرة.
  • العمل على تنشيط التعاون مع نظيراتها بالبلاد الأجنبية التي تربطها بها اتفاقات تعاون والتعجيل بتبادل المعلومات معها بما من شأنه أن يكفل الإنذار المبكر بالجرائم المعنية بهذا القانون وتفادي ارتكابها.ويتوقف هذا التعاون على احترام مبدأ المعاملة بالمثل وعلى التزام نظيراتها بالبلاد الأجنبية، بمقتضى التشريع المنظم لها، بالتقيد بالسر المهني وعدم إحالة المعطيات والمعلومات المجمعة لديها أو استغلالها لأغراض أخرى غير مكافحة الجرائم المعنية بهذا القانون وزجرها.
  • تعدّ تقريرا سنويا عن نشاطها يتضمن وجوبا اقتراحاتها لتطوير الآليات الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص تحيله إلى رئيس الحكومة و يتم نشره للعموم،كما يمكنها إصدار بلاغات حول نشاطاتها وبرامجها.
  • تعمل بالتنسيق مع المصالح والهياكل المعنية على توفير المساعدة الطبية اللازمة لضمان التعافي الجسدي والنفساني للضحايا الذين هم في حاجة إلى ذلك.
  • تتكفل بإرشاد الضحايا حول الأحكام المنظمة للإجراءات القضائية والإدارية قصدمساعدتهم على تسوية وضعيتهم والحصول على التعويض المناسب عن الأضرار اللاحقة بهم وذلك بلغة تفهمها الضحية.وتتولى متابعة الملفات الخاصة بهم لدى السلط العمومية بالتنسيق والتعاون مع المنظمات غير الحكومية وتمدّ يد المساعدة لهم عند الاقتضاء لرفع العراقيل التي قد تعيق التوصل بحقوقهم.
  • تتولى مساعدة الضحايا على تكوين ملفاتهم قصد الحصول على الإعانة العدلية طبقا للإجراءات القانونية الجاري بها العمل.

وقد تولت الهيئة المذكورة مباشرة مهامها بطريقة فاعلة نالت استحسان العديد من المنظمات الدولية، ثم أصدرت تقريرها لسنة 2018 لتعطي لمحة عن نشاطها وعن أهم مظاهر الجرائم المتعلقة بالإتجار بالأشخاص في تونس خلال تلك السنة وأهم المؤشرات المرتبطة بها، مع تقديم التوصيات الضرورية لمكافحة ظاهرة الإتجار بالبشر.

ومن ضمن ما جاء في هذا التقرير أنّعدد ضحايا الإتجار بالأشخاص الذين أحصتهم الهيئة عبر تجميع البيانات خلال سنة 2018 قد بلغ 780 ضحية وبذلك فقد ارتفع العدد بنسبة 5.1% مقارنة بسنة 2017 حيث كان لا يتجاوز 742 حالة.

ويمكن من خلال هذا التقرير الخروج بالملاحظات التالية:

  • حوالي ثلاث أرباع ضحايا الإتجار بالأشخاص في تونس هم من النساء حيث تمثل الفتيات والنساء غالبية الحالات المسجلة في سنة 2018 وبلغ عددهن 578، أي 74.1 % من حالات الاتجار.
  • حوالي نصف الحالات تتعلق بالأطفال باعتبار أنه وقع الإتجار بــ 377 طفلا في تلك السنة، أي ما يمثل 48% من الحالات المسجلة،
  • تتعلق حوالي 3 من 7 حالات بالرعايا الإيفواريين فهم يمثلون الجنسية الأكثر تضررا من الإتجار بالأشخاص في تونس سنة 2018، ويرجع ذلك بالأساس إلى مشاركتهم القوية في التشغيل القسري الذي يشكل حوالي نصف حالات الإتجار بالأشخاص المسجلة سنة 2018 وهو يتصدر بقية أنواع جرائم الاتجار حيث يمثل سنة 2018 حوالي نصف الحالات المسجلة(نسبة 49 % من مجموع الجرائم) يليه الاستغلال الاقتصادي سواء في الأنشطة الهامشية أو التسول بنسبة 34.1% ثم الاستغلال الجنسي بنسبة 11.9%، واستخدام طفل في ظل أنشطة إجرامية بنسبة 5%.

ويتبين من نتائج 2018 أنّ عدد الأطفال الذين تم استخدامهم في أنشطة إجرامية، والذين تم استخدامهم في الاستغلال الاقتصادي، عرف تراجعا سنة 2018 مقارنة بسنة 2017 فتراجع عدد الأطفال ضحايا الاستغلال الاقتصادي بنسبة 37.1% وعرف عدد الأطفال الذين تم استخدامهم في أنشطة إجرامية تراجعا بنسبة 42.6%، كما عرف الاستغلال الجنسي للأشخاص تراجعا سنة 2018 مقارنة بسنة 2017 بنسبة 33.6% في حين عرف عدد الأشخاص الذين تم استغلالهم في التشغيل القسري تطورا ملحوظا مقارنة بسنة 2017 وتجاوزت نسبة التطور 244%.

ونلاحظ من خلال هذه المعطيات تراجع النسب الخاصة بالجرائم المرتبطة بالأطفال وذلك يعود إلى العمل الكبير الذي قامت به الهيئة خلال سنة 2018 التي اعتبرتها سنة التركيز على إشكالية استغلال الأطفال خاصة في التسول، وقد عملت الهيئة خلال هذه السنة على مكافحة ظاهرة تسول الأطفال بالتنسيق مع جميع المتدخلين ومنهم خاصة مندوبي حماية الطفولة ووزارة الداخلية ووزارة الشؤون الاجتماعية وممثلي المجتمع المدني.

ولكن يبدو أن الدور المتميّز الذي تقوم به الهيئة في تعاطيها مع مختلف أوجه ومظاهر الإتجار بالأشخاص لا يكفي لوحده للتصدي لهذه الظاهرة ولعل أحسن دليل على ذلك هو ارتفاع عدد الأشخاص الذين تم استغلالهم في التشغيل القسري بشكل ملحوظ، مما يجعلنا نتحدث على ضرورة اتخاذ بعض الاجراءات الأخرى في أقرب وقت ممكن وذلك لتدعيم دور الهيئة يتمثل أهمها في ما يلي:

  • التسريع في إصدار النصوص التطبيقية للقانون الأساسي عدد 61 لسنة 2016،المتعلقة بضبط شروط وطرق التكفّل بمصاريف علاج الضحايا الذين نص القانون على تمتيعهم بمجانية العلاج والتداوي بالهياكل الصحية العمومية  عند الاقتضاء.
  • التسريع في سن القانون المتعلق بمؤسسات التوظيف بالخارج.
  • ضرورة العمل على مواءمة التشريعات الوطنية ذات العلاقة بمكافحة الاتجار بالأشخاص مع المعايير المكرسة بالدستور والقوانين الوطنية مع التركيز على حقوق الضحايا والعمل على إدراج الطفل ضحية جرائم الاتجار بالأشخاص ضمن التنقيح الذي ستشهده مجلة حماية الطفل والتي سيدرج بها باب ثالث خاص بالطفل الضحية على غرار الطفل المهدد والطفل في خلاف مع القانون.
  • استكمال المصادقة على الاتفاقيات والمواثيق الدولية والإقليمية ذات العلاقة بمكافحة الاتجار بالأشخاص على غرار الاتفاقية رقم 180 بشأن حقوق المهاجرين وأسرهم،والاتفاقية الدولية للعمل عدد 138 المتعلقة بحماية الأمومة،والاتفاقية رقم 189 المتعلقة بالعمل المنزلي، واتفاقية مجلس أوروبا لمكافحة الاتجار بالأشخاص لسنة 2005، والاتفاقية رقم 129 حول تفقدية الشغل في القطاع الفلاحي.

محجوب الجلاصي
مستشار بمجلس نواب الشعب

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.