رسالة الجنرال حسين رئيس المجلس البلدي لمدينة تونس إلى الوزير الأكبر مصطفى خزندار
تنفرد مجلة ليدرز العربية بنشر رسالة كان وجهها الجنرال حسين أول رئيس للمجلس البلدي لمدينة تونس في القرن التاسع عشر إلى الوزير الأكبر مصطفى خزندار حول العمل البلدي.
الحمد للّه أيّها الوزير السعيد ذو الرأي الرشيد أعزّ الله بحسن تدبيرك الدّين وجبر صدع المسلمين فإنّ عبدكم الداعي يتشرّف بإعراض معروض مجلس النظر في مصالح مدينة تونس المحروسة على مقامكم السامي صحبة هذا الرقيم بعد تقديم التحيّة المناسبة لجنابكم الفخيم ويرى نفسه سعيدًا حيث شرّفه الزمان وجعله في خدمة الساعين إلى أسباب العمران ولا يخفى على معلُومكم أدام الله عزّكم أنّ كلّ مملكة يتوقّف عزّها وشرفها على جملة مصالح عامّة وخاصّة فمن المصالح العامّة عمران البلاد بالحرث والزرع والبناء وتمهيد المسالك وإنشاء الجسور وتأمين الثغور وإقامة الجيش وتيسير أسباب المعارف والعلوم والمعاملات ومن المصالح الخصوصية ما يؤول إلى أبّهة الملك كإنشاء القصور واتّخاذ الحشم والمراكب وما شابه ذلك وربما اجتمعت المصلحتان معًا في أمر واحد وذلك كتعمير قاعدة البلاد وتنظيم شأنها وتسوية أمورها فإنّ المصلحة العامّة فيه هي إكساب أهلها أسباب الراحة وأمّا المصلحة الخاصة فلكون قاعدة المملكة للملك هي بمنزلة قصره الذي يسكنه فكلّما كان في القاعدة شيء يسرّ الناظرين فإنّما يعود إلى شأن الملك ويكسبه الحمد والثناء ولا يغربُ عن معلوماتكم الشريفة أنّه قد أصبح أكثر من ثلثي هذه المدينة خرابًا وأصبحت جدرانها أبوابا والتهدّم باد حول المساجد والمعابد أيحسنُ بنا سيدي أن نبقيها على هذه الحالة وأن نكل أمرها إلى يد ضعيف يعجزُ عن جمع بناءين ولا يظفرُ بالقليل من مداخيلها إلاّ بعد المُكابدة في الطلب شهرًا أو شهرين فهلاّ تعيّنونه بقوّة تناسب همّتكم العليّة وهلاّ يلتفتُ الملك إلى هذه المصلحة بإلتفاتاته المرضيّة أوَ ليس اعتناؤه أدام الله دولته بهذه الأمور والحالة هذه أوكدُ من الاعتناء بالجيوش وإنّ ما يحصل من وجود خمسمائة عامل يعملُون في المدينة ما يكسبها العمران والنظافة من النفع لا يحصل بكثير من أوليك، قال بعض العملاء إذا أردت أن تعرف إلى أيّ درجة من التمدّن بلغ أحد الأجيال لتعلم مقدرتهم وعزّهم فلا ينبغي أن تنظُر إلى مصروفهم أو حصونهم أو مدافعهم أو مراكبهم أو عساكرهم أو زخارفهم فإنّ أحدّ العيُون نظرًا تُغشُ وإنّما ينبغي أن تنظُر إلى أمارتين أكيدتين غير المذكور بل إلى ميزانين منزّهين عن الغش أوّلاهما التعليم العمومي أي سائر الصناعات والثانية كيفية المواصلة في المعاملات ثمّ قال فإذا شئت أن أخبرك بحالك فأطلعني على كم عندك في المائة ممّن لا يُحسنون القراءة والكتابة ولا الحساب ثمّ أخبرني بعد ذلك ما الوارد منك إلى غيرك؟ وما محصول بلادكم؟ ولا تقُل من هذه المدينة إلى تلك المدينة فإنّ المدن تُغلطُ البصر وإنّما قُل من هذه الضيعة هنا إلى تلك الضيعة هناك وإلى هذه القصبة التي أبصرُها هنا في سفح هذا الجبل بجانب هذا النهر على طرف هذه الغيضة انتهى كلامه وإنّما سيدي يشيرُ بهذا كلّه إلى أن الطريق إلى العمران هو عمل الطريق والخروج إلى الفسحة من المضيق فأرجوكم سيّدي أن تبذلوا همّتكم العالية في هذه المصلحة ولا تكلوني إلى عجزي وإنّ أحبّ الناس إلى الله تعالى من بذل همّته في مصالح العباد العامّة ومن بذل ساعة عمل في إصلاح شأن البلاد والعباد لاحق بالثناء والأجر ممّن يقضي يومه أو يُوهم أنّه يقضيه بالتسبيح والتقديس هذا وإنّ الله تعالى حضّ على العمل ورضي عن السعي وإنّ جميع من ولاّهم الآن أمور عباده ينظرُون إلينا نظر اللائم للمليم والمُعافى للسقيم فلا يصدنّكم سيدي بُعد المسافة عن المسير إذ كلّ أمر خطير لا يتمّ في زمن قصير والله يحفظكم سيدي ويرعاكم ويديمُ عُلاكم كتبهُ مُنهي أتمّ السلام لرفيع ذلك المقام مُقبّل الأيدي الكريمة عبدكم حسين أمير لواء ورئيس مجلس النظر في مصالح مدينة تونس المحروسة 12 في أشرف الربيعين من سنة 1275
المصدر: الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة التاريخيّة، الصندوق 55، الملف 606، الوثيقة رقم 1 (12 ربيع الأوّل 1275 - 20 أكتوبر 1858).
- اكتب تعليق
- تعليق