خديجة معلى: هل انفرجت الأزمة بالإفراج عن المنافس الثاني على رئاسة الجمهورية؟
بغض النظر عن الجانب القانوني والقضائي للمسألة، من حيث مرتكزات الرفض المتتالي من المحكمة لطلب هيئة الدفاع بالإفراج عن منوبهم المتهم نبيل القروي، ثم الاستجابة للطلب بالأمس، الأمر الذي يعيدنا إلى المربع الأول المتعلق بمدى ارتهان القضية برمتها، على الأقل من حيث توقيتها، إلى العامل السياسي وليس القضائي الصرف كما يؤكده حزب وأنصار المرشح الثاني لرئاسة الجمهورية، وحتى أطراف من خارجهم. بغض النظر عن هذا الجانب، يحق التساؤل الذي عنونت به هذا المقال !
هل انفرجت الأزمة إذن؟
المفروض أن تأتي الإجابة بنعم. لأن المسار الانتخابي قد نجا هكذا من العواقب الوخيمة التي كانت تتهدد الخيار الديمقراطي والبلاد بأسرها جراء المأزق الذي تردى فيه لو استمر الاحتفاظ بالمرشح نبيل القروي رهن الاعتقال محروما من حقه في خوض حملة انتخابية بفرص متكافئة مع خصمه قيس سعيد.
المرتقب الآن هو المبادرة بإجراء مناظرة تلفزيونية بين الرجلين، مساء الجمعة 11 أكتوبر، تكون هي الأولى بينهما والأخيرة قبل يوم التصويت الذي هو يوم الأحد 13 أكتوبر، ويوم الصمت الانتخابي الذي هو يوم السبت 12 أكتوبر.
فماذا ينتظر التونسيون والتونسيات من المتنافسيْن الإثنين أن يشرحاه وأن يتعهدا به في مناظرتهما تلك؟
إذا كان قيس سعيد، على الرغم من قلة ظهوره الإعلامي، قد أتيحت له عدة فرص للإدلاء بآرائه في الشأن العام، وللحديث عن مشروعه للحكم المحلي الذي أثار جدلا واسعا بين السياسيين والمتسييسين وجمهرة من المثقفين، وصل إلى حد اتهامه بالغموض وبالخروج عن صلاحيات رئيس الجمهورية في نظام برلماني، فإن منافسه نبيل القروي، بقي برنامجه رهن تفاسيرقياديي حزبه من حيث إيمانه بالدولة المدنية وبالحريات وبالمساواة وبمحاربة الفقر وتحسين ظروف عيش ضعاف الحال. بينما حصره خصومه في التهم المتعلقة به بخصوص تبييض الأموال والتهرب الضريبي. مستنتجين منها انتماءه لزمرة الفاسدين المتنفذين في البلد، وأن حملته الخيرية التي شملت من هم تحت خط الفقر في تخوم البلاد وحواف المدن، ماهي إلا احتيال على الفقراء وابتزاز لمشاعرهم حتى يكسب أصواتهم يوم الانتخاب، وهو ماحصل بالفعل، كما يقول هؤلاء، حتى إنهم أطلقوا عليه كناية "نبيل مقرونة" في إشارة إلى المساعدات الغذائية التي كان يوزعها في زياراته التي كانت تواكبها قناته التلفزيونية في حملة إجانتخابية دامت أكثر من سنتين! غير إن نبيل القروي شخصيا لم يردَّ بعدُ على هذه التهم.. وستكون المناظرة التلفزيونية المرتقبة فرصتَه لذلك.
ولكن استباقا للحدث، ارتأيت أن أعود إلى مسألة الانتظارات من تلك الفرصة المتاحة لكلا المتنافسيْن..
ولنبدأ بالمتنافس الأول، قيس سعيد وما انتظره وينتظره منه سواء من صوتوا له في الدور الأول أو من لم يفعلوا..
يتفق الجميع أن النقطة المحورية أو الجوهرية في عرض الأستاذ سعيد هي تبشيره بنظام سياسي يخرج عن المألوف وضع له تعريفا بعنوان "الشعب يريد". وهو يقوم على الحكم المحلي أساسا، ثم يتدرج تصاعديا بالانتخاب في البداية ثم بالقرعة في مرحلة لاحقة، في مجالس محلية وجهوية تملك سلطة ضبط الخيارات والسياسات لمختلف مناطق البلاد على أساس أنها تمثل الشعب وتنطق باسمه، وصولا إلى مجلس وطني يستعاض به عن مجلس النواب حاليا. وإذا كان المنبهرون بهذا المشروع ينتظرون من السيد سعيد أن يشفي غليلهم بإعلان توقيت الانطلاق في تجسيده على أرض الواقع، فإن المشككين في جديته وفي واقعيته، يرون فيه ضربا لمؤسسات الدولة وسلطاتها التي هي قوامها وضمان استمرارها في الاضطلاع بدورها، وإيذانا بإطلاق الفوضى في الحياة السياسية والاجتماعية، وبميلاد ديكتاتور جديد لايعرف أحد مقصده وحدوده.. هذا من دون التوقف على ما رأى فيه كثيرون إحالة على نموذج "اللجان الشعبية" مع الراحل معمر القذافي، أو "السوفياتات" في النظام الذي كان يسمَى على اسمها، "الاتحاد السوفياتي". كل هؤلاء ينتظرون من المرشح قيس سعيد أن يجيبهم ببساطة على الأسئلة التالية :
- كيف سيضمن إلى جانبه الأغلبية البرلمانية المطلوبة للحصول على الضوء الأخضر للشروع في تنفيذ مشروعه، وهو الذي لم يؤسس حزبا يؤمن بفكره ويحوز أغلبية مقاعد مجلس نواب الشعب؟
- كيف سيضمن تحقيق العدل الذي يطمح إليه، والبلد على حافة الإفلاس، من دون أن يكون له تصور لخلق الثروة وتنميتها ليتم بفضلها تحقيق العدل المنشود. اللهم إذا كان المقصود زيادة تعميم الفقر بعدلٍ على الجميع..؟
- كيف سيحقق النقلة من دولة القانون إلى مجتمع القانون؟ وهل إن المجتمع بفئاته المتنوعة فكريا وثقافيا وماديا وأخلاقيا يمكنه سن قوانينه وإنفاذها وضمان احترامها وتطبيقها؟ وبأي أدوات وأية سلطة؟ صحيح إذا كانت هناك برامج ثقافية وتربوية تعليمية ناجعة، ومخططات اقتصادية ناجحة وسياسات اجتماعية عادلة، يمكن أن يتحقق تماسك مجتمعي صَلبٌ وراقٍ تعلو فيه القيم بين أفراده فيصبحوا حريصين على احترام القانون ويُعلون من شأنه من دون رقابة ولا زجر أو عقاب.. ولكن بلوغ هذه المرتبة من الرقي الذي يقارب سمات المدينة الفاضلة يتطلب إعدادا طويل النفس يدوم أجيالا وأجيالا، إن لم يكن حلما! فهل هذا ماقصده السيد سعيد؟
- سؤال آخر ينتظر جوابه من السيد سعيد، هو كيفية تحديده لمفهوم الشعب، حتى يعرف أنه يريد أو لايريد؟
فإذا كان قد حصل على نسبة 18 بالمائة من أصوات الناخبين الفعليين في الدور الأول يوم 15 سبتمبر، والتي لم تبلغ نسبتهم الإجمالية 50 بالمائة من عدد المسجلين على القائمات الانتخابية. بما يعني إنه قد تحصل على أصوات 18 بالمائة من هؤلاء المُدلين بأصواتهم. فهل يصح أن نطلق عليهم مع التقدير والاحترام الكامليْن لكل واحد وواحدة منهم، اسم شعب؟ وإذا كان ذلك كذلك، فماذا نسمي النسبة التي قاطعت التصويت يوم الانتخاب، وهي حسابيا التي تشكل أغلبية الشعب. فهل يحق سحب حق "الشعب يريد" أو "لا يريد" منها؟ - واستنتاجا مما تقدم يأتي السؤال التالي: في أحد أحاديثك عن مسألة الحريات والحقوق، قسمت مجال ممارستها إلى فضائين، أحدهما داخلي خاص والآخر عام، فبأي معيار سمحت لنفسك بهذا التقسيم؟ وما معنى أن تمارَس الحرية فقط في الفضاء الخاص؟ ومن أين أتت هذه النظرية، يقول منتقدوك؟ ويُكملون، إن الحقوق والحريات كونية وليست منَّة من أحد كي يسمح لنا بالتمتع بها متى يحلو له وفي الفضاء الذي يسمح به. أنا نفسي هذا ما درسته في مدرجات كلية الحقوق التونسية وما درَّسته بعد ذلك لما حظيت بشرف التدريس في ذات الكلية.
الدكتاتوريات فقط هي التي تقدم طرحا من هذا القبيل وتفرض مثل هذه القيود. أما الأنظمة العَلمانية فلا تتجرأ أن تقترح مثل هذه الأطروحات التي تنافي حقوق الإنسان والسيرورة التاريخية والمسار الديمقراطي الذي انتهجته تونس. إن المبدأ الأساسي للتعايش بين البشر في أي مجتمع كان هو القبول بحق الاختلاف واحترامه مادام خاليا من العنف. فهل أنت ناكر على التونسيات والتونسيين هذا الحق؟
أما عن المترشح الثاني، نبيل القروي، فعلاوة على أنصاره الذين صوتوا له في الدور الأول، فالواضح أنه قد انضاف إليهم مؤيدون جدد يُدلون بما أطلق عليه "تصويت الضرورة"، سواء من منتمين لأحزاب أو من مستقلين بغاية محاولة سد الطريق أمام مَسير قيس سعيد نحو قصر قرطاج. هؤلاء بالذات، إلى جانب خصومه سواء من المنتمين لحركة النهضة ومن أنصارها، أو حتى من أحزاب وتشكيلات سياسية أخرى، فلديهم أسئلة ينتظرون نبيل القروي أن يجيبهم عنها في أول ظهوره الإعلامي وبالذات في مناظرته التلفزيونية مع منافسه قيس سعيد.
أول هذه الأسئلة، يتعلق بالتهم التي تلاحقه، مثل التهرب الضريبي وتبييض الأموال والفساد. كيفريمكن لشخص يأتي هذه الأفعالَ الخارجةَ عن القانون أن يزمع على الترشح لرئاسة الدولة ويكون الضامن لاحترام الدستور فيها، وإعلاء القانون والسهر على الأمن القومي للبلد ؟ أي قدوة ستكون للشعب وللشباب منه على وجه الخصوص، وقد سمع تسجيلاتك المسربة وأنت تحيك مؤامرات التشويه وتلفيق التهم لخصومك، وتستعمل من الألفاظ أبذأها؟
وفي النهاية أي برنامج، ببعديه العاجل والآجل، ستعرضه على الشعب يكون واقعيا ومطمئنا لإعادة عجلة التنمية إلى الدوران من أجل إحياء قيمة العمل وخلق الثروة وتحقيق العدل بين الفئات والجهات والأفراد والقضاء على الفقر كما تشير شعاراتك وشعارات حزبك في الحملة الانتخابية وحتى قبلها ؟
بالعودة إلى السؤال عنوان هذا المقال، وبعد محاولة تفكيك التساؤلات المرتبطة بشخصي المتنافسيْن على رئاسة جمهوريتنا وبعرضيْهما على الناخبين من أجل نيل ثقتهم وتفويضهم، أصل إلى الخاتمة وأقول: إننا وإن تجاوزنا الأزمة الأخلاقية والسياسية في آن واحد، الناجمة عن الاحتفاظ بالمرشح نبيل القروي قيد الاعتقال، بقرار المحكمة الإفراج عنه بالأمس ليتحقق تكافؤ الفرص بينه وبين منافسه قيس سعيد، فإن نسبة عريضة من الناخبين مازالت غير مرتاحة لخيار تأخذه بكل طمأنينة بعدما تغمس إصبعها في الحبر لتدلي بصوتها يوم الأحد 15 أكتوبر.
فكثيرون يشعرون أنهم أمام خياريْن أحلاهما مر ! اللهم إذا حدثت معجزة في الساعات القادمة وفي المناظرة التلفزيونية بالذات.. ولكن الجميع يعلم أنّ عهد المعجزات قد ولّى!
خديجة معلى
- اكتب تعليق
- تعليق
تحليل منطقي فيه شرح مستوفي لما ممكن أن يكون عليه برنامج المترشحين للراسه، واللذين تفاجأت بهما النخبه المثقفه التي تؤمن بالحداثه من تونسيين تونسيات إنما هذه هي ضريبة الديمقراطيه ويجب أن نمتثل لها ونساندها مع الحيطه ومعبقاء المجتمع المدني يقض ...