العروسي عمري: هل لقيس سعيّد برنامج ؟
أنا أعرف قيس سعيد و بإمكاني أن اشهد انه ليس خوانجيا ولا علاقة له بالنهضة ولا بلجان حماية الثورة ولا بمجموعات الشباب الإسلامي بل هو أستاذ يتبنى نظرية تتمثل في الهرمية السياسية التي يجب ان تفترض حسب رايه (احتراما لمبدإ التمثيلية وكذلك التشاركية) الصعود من القاعدة (المتساكنون أو أن أردم "الشعب") إلى القمة (السلطة التنفيذية او الدولة إجمالا) bottom-up وليس النزول من القمة إلى القاعدة (top-down) (و هي الهرمية التي نتجت عنها كوارث مثل تجربة التعاضد وغيرها من السياسات التسلطية العديدة التي عرفتها تونس في فترة بورقيبة بن علي ولا تزال الى اليوم متواصلة). تقول النظرية التصاعدية إنّ الشعب كل في جهته ومنطقته يحدد برنامجه التنموي بدون وصاية من أحد وخاصة بدون وصاية السلطة السياسية عملا بالمبدإ القائل "أهل مكة أدرى بشعابها"/ ثمة تجارب عديدة في هذا الباب وتجاوزت المقاربة مرحلة النظرية وعرفت تطبيقا في مناسبات عديدة محليا مثل بلدية Saint Denis بفرنسا وتجارب أخرى بامريكا اللاتينية وكنت شخصيا أدير "وحدة بحث" بالجامعة التونسية اسمها "تنمية محلية- مقاربات مقارنة" (من سنة 2004 اى ستة 2012 في مقر CERES) بتمويل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ولقد قدم فيها الاستاذ مصطفى كمال النابلي تقييما إيجابيا انذاك. كما أسست مع ثلة من الأساتذة ماجستير في علم اجتماع التنمية المحلية بالمعهد العالي للعلوم الانسانية حيث كنت أدرس وطورنا مع طلبتنا مفهوم التنمية الصاعدة من القاعدة الشعبية بشكل تشاركي ومستقل عن السلطة. يجب القول إنّ المقاربة التي يتبناها قيس سعيد قانونية وإنّ المقاربة التي أحبذها أنا سوسيولوجية وتحاورنا مرة في الموضوع (ألقينا سويا وثالثنا سي عمر خوجة المهندس المعماري، محاضرة سنة 2015 تعرضنا خلالها لهذه المسائل وتطبيقها في الوسط الحضري في علاقة بالإشكاليات المعمارية مع "جمعية Architectes tunisiens،, ElyesBellagha) وكان بيننا تطابق في وجهات النظر.
حاولت في الماضي (2008-2009) اقحام الجهات في المشروع البحثي الذي أديره وثمة دراسات في هذا الموضوع (التنمية المحلية) وباحثون آخرون, فضلا عن اخصائي علم الاجتماع ولهم باع وهم عديدون مثل عمر بالهادي وغيره في اختصاصت عديدة (الجغرافيا والاقتصاد والعلوم السياسية والحقوق الخ...) وهي مقاربات تدعو إلى تمكين الشعب كل في جهته من وضع برنامجه والعمل على إنجازه وتلعب السلطة دور المرافق والميسر والراعي لتطلعات الشعب في التنمية والرقي ذلك باشباع الحاجيات المعاشية. وهذه هي مقاربة قيس سعيد عندما يروج الكثير أنّ قيس سعيد لا مشروع له وهو كلام صحيح وخاطئ في نفس الوقت.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بحدة وشدة هو "هل بامكان قيس سعيد رئيسٓ جمهورية إنجاز هذه المقاربة بدون ضرورة طرح قضية النظام السياسي في تونس اليوم وهل بالإمكان التطرق إلى تغيير هذا النظام السائد في إطار الشرعية الحالية ؟" وهنا يكمن "مربض الفرس" وهي مسالة لم يكن قيس سعيد فيها مقنعا بما يكفي ويشفي (وهي نقطة ضعف كبيرة في طرحه القانوني لقضايا التمثيلية الصاعدة ومستتبعاتها ومستلزماتها وتدعياتها على كل المستويات علاوة على ضرورة التمعن في مسلئل اخرى ومنها توضيح المسائل وخاصة الاجرائية منها وهي عديدة وعويصة). هذا أهمّ إشكال عالق يتطلب التوضيح في شخصية قيس سعيد السياسية المتعلقة بالبرنامج وقد يؤاخذه الكثيرون لأنّه لم يطور بما فيه الكفاية هذا الجانب. أما بقية الجوانب الخاصة بقيس سعيد فهو حداثي ومنفتح ويخطا من يحشره في السلفية وهو كلام هراء وهذيان سياسي. بعد هذا كله هل تجوز المقارنة بين الجامعي النقوي قيس سعيد و الإعلامي المخضرم" نبيل قروي؟
العروسي عمري
- اكتب تعليق
- تعليق