كيف وصل قيس سعيّد ونبيل القروي إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية؟
اختار الناخبون التونسيون في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها ظاهرتين سياسيتين لافتتين للانتباه وجديرتين بالتأمّل والدرس، هاتان الظاهرتان تقفان على طرفي نقيض ولا تلتقيان إلا في نقطة واحدة تتمثّل في كون قيس سعيّد ونبيل القروي كانا الأقل تكلّما أثناء الحملة الانتخابية، فقد امتنع الأوّل بمحض إرادته عن الحضور في الإذاعات والقنوات التلفزيونية واقتصر على تنظيم بعض اللقاءات المباشرة في الداخل بأقلّ التكاليف، فيما لم يتمتّع الثاني بمساحات التعبير الحرّ في وسائل الإعلام والاجتماعات العامّة لوجوده قيد الإيقاف التحفّظي. وهو ما يخلخل القناعات التقليدية ويؤكّد أنّ القرار الانتخابي لم يتشكّل في الأيّام التي سبقت التصويت، بل طبخ على مهل، فكان نتاج عدّة عوامل متراكمة تستدعي النظر إلى تجربة كلّ واحد منهما على حدة ووضعها في سياقها من الحياة السياسية في محاولة لفهم كيف توصّل قيس سعيّد ونبيل القروي إلى الفوز بما عجز عنه الآخرون؟!
قيس سعيّد: فكرة «المواطن الصالح» في مقابل «السياسي الفاسد»
رغم أنه يتميّز بملامح ثابتة لا تتغيّر وتعبيرات شكلية واحدة في كلّ الأحوال فإن قيس سعيّد يمكن أن يقدّم بثلاث صيغ على الأقل، إنّه أوّلا ابن دولة الاستقلال وثمرة من ثمار التعليم الوطني، فقد ولد في العام 1958 وتلقى تعليمه الأكاديمي في الجامعة التونسية حيث تحصّل على شهادة الدراسات المعمّقة في القانون الدولي العام من كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس العام 1985 كما تحصّل على ديبلوم الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري العام 1986 وديبلوم المعهد الدولي للقانون الإنساني بسان ريمو بإيطاليا العام 2001 واشتغل مدرّسا بين 1986 و1999 بكليتي الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بسوسة وكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس، فضلا عن تولّيه خطّة مدير قسم القانون العام بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بسوسة 1994ـ1999، وتتضمّن مسيرة قيس سعيّد العلمية أنشطة أكاديمية وبحثية متنوّعة على غرار عضوية فريق خبراء الأمانة العامة لجامعة الدول العربية المكلّف بإعداد مشروع لتعديل ميثاق جامعة الدول العربية واللّجنة الخاصّة لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية المكلّفة بإعداد مشروع النظام الأساسي لمحكمة العدل العربية ونظامها الداخلي نهاية الثمانينات، وتوليه مسؤوليات قيادية في الجمعية التونسية للقانون الدستوري إلى جانب تمتّعه بعضوية المجلس العلمي للأكاديمية الدولية للقانون الدستوري ومجلس إدارتها منذ 1997، وسيرة قيس سعيّد الذاتية المختصرة تشير بوضوح إلى الوجه الثاني الذي يتقدّم به، وهو الوجه الأكاديمي الصّرف (التكنوقراط) الذي تدور كلّ أنشطته حول تخصّصه العلمي في مجال القانون الدستوري، ولا يعرف له أيّ نشاط سياسي أو اتصالي في الفضاء العمومي طيلة عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، كما لم ينتم بأيّ شكل من الأشكال إلى المعارضة السياسية التي ناضلت من أجل الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان، واقتصرت أعماله المنشورة على الأبحاث العلمية في الندوات المتخصّصة والفضاءات الأكاديمية الضيّقة.
أمّا الوجه الثالث فتشكّل في خضمّ الأحداث التي عاشتها البلاد بعد ثورة 14 جانفي 2011، حيث تكثّفت مشاركات قيس سعيّد التلفزيونية بوصفه خبيرا في القانون الدستوري، ليعلّق في مناسبات مختلفة على ما عاشته البلاد من أحداث عصيبة سواء أثناء فترة صياغة الدستور الجديد أو بمناسبة وقوع أحداث إرهابية. ومكّنته هذه المساهمات على قصر مساحتها من البروز لتميّزه بثلاثة عناصر خطابية: الصوت الجهوري واللغة العربية الفصحى والتمثّل بشواهد تراثية تضفي على تدخّلاته مسحة من الطرافة على غرار بعض المقولات من كتاب «كليلة ودمنة» لعبد الله بن المقفع، كلّ ذلك بإيقاع صوتي واحد لا يتغيّر بتغيّر السياقات، حتّى أصبحت هذه الصورة النمطية تحظى برواج كبير في وسائل التواصل الاجتماعي ولدى فئة الشبان على وجه الخصوص، واقترنت في المخيال الشبابي بصورة نموذجية للشخص المتعالي على المنظومة السائدة والمؤمن بقيم الثورة التي لم تجد من يتبناها ويصنع منها مشروعا سياسيا، وأصبحت هذه الصورة منطلقا لنموذج «المواطن الصالح» في مقابل «السياسي الفاسد» الذي يمثله الآخرون. يظهر ذلك بوضوح في تدوينات تنسب إلى قيس سعيّد على الفايسبوك، أو يكون هو محورها دون أن يُعرف ما إذا كانت حقيقية أم جزءا من خطة تنسج في غرفة ما لبناء نموذج سحري، كما يبدو في هذا الكلام الذي نشره طالب على لسان قيس سعيّد وتناقلته صحف ومواقع الكترونية مختلفة لترسّخ صورة «الرجل النظيف»، وتأتي المقولة في صيغة مروية تتوفّر على قدر من الإتقان السردي، إذ يزعم الطالب أنّه ذهب للاطمئنان على قيس سعيّد في قاعة الأساتذة، ورأى على وجهه ملامح الإنهاك والتعب فقال له: «طوال ثلاثين سنة لم أخلد إلى الراحة، ولم أتغيّب عن الدرس إلاّ مرّة واحدة منعتني فيها الفيضانات من الوصول حينما كنت مساعدا بكلية الحقوق بسوسة. يطلب منك الأطباء بكلّ سهولة أن ترتاح، ولا يعلمون أنّ على عاتقك أمانة تتمثل في عشرات الطلبة، ولأجل ذلك أنا هنا اليوم. صحيح أنّ المرض يرهقني، ولذلك تأخّرت قليلا عن الالتحاق بالدرس، لكنّني عازم على أداء رسالتي إلى آخر رمق في أنفاسي»، وهذه التدوينة التي تقدّم الأستاذ في سياق الحياة اليومية تعتمد الإبهار القيمي الأخلاقي الذي تخلو منه وسائل الإعلام التقليدية وتجعل من قيس سعيّد «ظاهرة فايسبوكية» ونجما لدى فئة محدّدة من الناخبين المحتملين هي فئة الشباب وهكذا بدأ الظهور تدريجيا في سبر الآراء الدوري حول نوايا التصويت منذ العام 2017 وظلّ يواصل التقدّم في ظلّ الانقسامات الكبيرة التي شهدها حزب نداء تونس الفائز في انتخابات 2014 ونفور الناخبين من التحالفات السياسية والممارسات التي توحي بانعدام المبدئية وغلبة النزعة الانتهازية لدى عدد كبير من الفاعلين في المشهد الحزبي والنيابي، وقد بدت نتائج هذا النفور واضحة للعيان في انتصار القائمات المستقلة بنسب عالية في الانتخابات البلدية، كما تجسّدت في تصدّر قيس سعيّد بوصفه مرشحا مستقلا نوايا التصويت بحلول شهر جوان 2019، وكرّس سعيّد بنفسه صورته المتعالية على الواقع السياسي قبيل ترشّحه وأثناء حملته بتأكيده أنّه مرشّح مستقلّ ولا يمثّل أيّ حزب، دون أن يمنعه ذلك من الترحيب بأيّ دعم قد يتلقّاه من الأحزاب، كما أكّد أنّ ترشحه هو من باب الشعور بالمسؤولية لا الطموح وأنّه يحمل مشروعا سياسيا لا برنامجا انتخابيا، وهذه العناصر الثلاثة هي التي صنعت الفارق في النهاية وجعلت من قيس سعيّد المرشح الذي اخترق البنية السياسية التقليدية دون أن يثير في ما يبدو انتباه المتنافسين الآخرين على كرسي الرئاسة فلم يقرؤوا له حسابا.
نبيل القروي واللّعب بوجه مكشوف
على الضفّة الأخرى يقف نبيل القروي المولود العام 1963 ببنزرت، والذي ينحدر من مجال مختلف تماما عن منافسه قيس سعيّد، إذ بدأ حياته المهنية من مؤسسة (كانال بلوس) الفرنسية بعد تخرّجه من أحد معاهد التجارة بفرنسا، ثم غادرها في 2002 ليؤسّس مع شقيقه غازي شركة «قروي اند قروي» المختصة في الإشهار والإعلام، وفي مارس 2007 أسّست هذه الشركة قناة «نسمة» التلفزيونية التي قدّمت منوّعة «ستار أكاديمي المغرب العربي»، وفي العام الموالي وإثر صعوبات مالية حادّة شهدتها القناة كان أول ظهور لنبيل القروي في وسائل الإعلام الوطنية بمناسبة توقيع شراكة مع وجهين من أشهر وجوه الاستثمار في المجال الإعلامي والفني: سيلفيو برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا الأسبق، والمنتج السينمائي المعروف طارق بن عمار، أصبح هاذان المستثمران بمقتضاها يمتلكان نصف رأسمال القناة التي تركز نشاطها وهي تواجه الجمهور بثوب جديد على مجال الإعلام الفني، ولم يكن فيها ظاهريا مكان للسياسة، لكنّ ذلك لم يمنعها من الوقوف بقوّة إلى جانب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في الانتخابات الرئاسية للعام 2009، وتنظيم ندوات نقاش سياسي موجّهة للدفاع عن خيارات النظام في الأيّام الأخيرة من العام 2010عندما اندلعت شرارة الاحتجاجات الشعبية في الداخل التونسي والتي أدّت إلى ثورة 14 جانفي 2011، إثر ذلك أصبح نبيل القروي أحد أبرز الفاعلين في المشهدين الإعلامي والسياسي، لا سيما بعد إقدام قناة نسمة أيّاما قليلة قبل انتخابات المجلس التأسيسي على عرض شريط «برسيبوليس» الإيراني مدبلجا، ما أدّى إلى احتجاجات عارمة في أوساط السلفيين بسبب ما اعتبروه «مسّا من الذات الإلهية» في مشاهد تضمّنها الشريط، وكان التيار السلفي يومئذ قد اكتسح مواقع متقدّمة من الفضاء العمومي، كما كانت تلك الاحتجاجات حلقة أخرى من حلقات معركة الهوية التي نشبت بين السلفيين ورموز الحداثة والفكر التقدّمي في البلاد، والتي جعلت المعارض الفنية وواجهات المكتبات ودور السينما عرضة لأعمال عنف متعدّدة الأشكال.
يجسّد نبيل القروي التحالف النموذجي بين قوى الإعلام ومراكز النفوذ السياسي، فقد سخّر قناته منذ العام 2012 لخدمة مشروع «نداء تونس» الذي كان أحد مؤسّسيه وأبرز داعمي الباجي قايد السبسي الكبار حتّى لحظة وصوله إلى قصر الرئاسة بقرطاج، ويروي الرئيس الراحل ونبيل القروي بشكل متطابق في شريط وثائقي عرضته قناة «العربية» كيف تمّ التخطيط للقاء الشهير الذي جمع في 15 أوت 2013 بين السبسي وراشد الغنوشي بباريس وكيف تمّ التمهيد لذلك بحركة يؤديها السبسي في برنامج مباشر بقناة نسمة بشكل يبدو عفويا ويفهم منها استعداده للحوار مع الغنوشي، ولم يتأخّر زعيم حركة النهضة في التقاط الرسالة، بل تجاوب معها بشكل لم يتوقّعه السبسي ذاته حين اختار الغنوشي أن يتمّ اللقاء في باريس تأكيدا على الطابع الاستعجالي الذي يكتسيه.
ومع الانقسام الذي شهده نداء تونس بعد انتخابات 2014 وتغيّر موازين القوى داخله غيّر نبيل القروي استراتيجيته السياسية، فحوّل جزءا هامّا من نشاطه إلى حقل العمل الخيري عبر الجمعية التي أسّسها العام 2013 باسم جمعية «ناس الخير» والتي غيّر اسمها لاحقا ليصبح جمعية «خليل تونس» تكريما لروح ابنه «خليل القروي» الذي فقده في حادث سيارة أليم العام 2015، وقد أصبحت الأنشطة الخيرية التي تقوم بها الجمعية تعرض في «البرايم تايم» على شاشة قناة «نسمة» قبيل عرض المسلسلات التركية المدبلجة إلى الدارجة التونسية والتي تستهوي قطاعا كبيرا من المتفرجين من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية. كما أطلقت القناة في جانفي 2017 تجربة «نسمة لايف» لتخصّص فيها مجالا واسعا للتغطيات الإخبارية الجهوية والنقاشات السياسية تمّ تكريسها لنقد السياسات الحكومية عند اندلاع المواجهة المفتوحة مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد.
لكن هذا الدور الذي يقوم به نبيل القروي من خلال قناة نسمة في الحياة السياسية ومجريات الانتقال الديمقراطي لم يمرّ دون إثارة فزع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري التي أصدرت قرارا بإيقاف البث بعد سحب ترخيص القناة بسبب ما وصفته بأنّه «دعاية وتضليل وخدمة أهداف سياسية لمالك القناة»، وتمّ تنفيذ القرار بالقوّة العامّة في أفريل 2019، ما أثار موجة من المواقف المتضاربة في الوسط الإعلامي والسياسي حول مشروعية القرار ووجاهة الأسلوب المعتمد في تنفيذه، ولم يصمد القرار طويلا، لكنّ القضية التي رفعتها منظمة «أنا يقظ» غير الحكومية منذ العام 2016 ضدّ القناة ومالكيها بتهمة التهرّب الضريبي هي التي جعلت قصّة نبيل القروي في عالم السياسة والإعلام تسلك منعرجا آخر، حيث تمّ إيقافه يوم 23 أوت 2019 أياما قليلة بعد إعلانه خوض غمار الانتخابات الرئاسية إلى جانب مشاركة حزب «قلب تونس» الذي أسّسه في 2019 في الانتخابات التشريعية، ما طرح مجدّدا سؤال استقلالية القضاء وحياده عن التجاذبات السياسية لا سيما أنّ إيقافه جاء بعد وصول التعديلات التي أدخلها مجلس النواب على القانون الانتخابي إلى طريق مسدود بوفاة الرئيس السابق الباجي قايد السبسي، وقد كانت كفيلة في صورة العمل بها بإقصائه من السباقين.
هل تعكس النتائج موقفا من السيستام؟
لئن اعتبر كثير من الملاحظين أنّ نتائج الانتخابات الرئاسية في دورها الأوّل تعكس رفضا للمنظومة القائمة، فإنّ مسيرة نبيل القروي تجسّد بوجه مكشوف فكرة «السيستام» التي تقوم على التحالف النفعي بين ثالوث النفوذ: المال والإعلام والسياسة، بل إنّ الوقائع المادية التي اعتمدتها منظمة «أنا يقظ» في توجيه تهمة تبييض الأموال والتهرب الضريبي لمالكي القناة تقدّم صورة نموذجية للفساد الذي ينخر الاقتصاد الوطني ويعوق حركة النمو، في مقابل ذلك قدم نبيل القروي أطروحة انتخابية واحدة تتمثّل في الوعد بمكافحة الفقر، واستثمر في الاتصال المباشر بالمواطنين والاستجابة للمظلومية الاجتماعية، وجعل جمعية «خليل تونس» تتغلغل في أشدّ المناطق بعدا عن اهتمامات الحكومات المتعاقبة، وتلامس القاع الشعبي بالمدّ التضامني الذي تقوده وتظهره في القناة التلفزيونية، واستثمرت تلك الصورة اتصاليا عبر شعار «نبيل في قلب تونس» الذي يقوم على اللعب بالكلمات بين الاسم القانوني للحزب الجديد والمدلول الرمزي للقلب في المخيال الجمعي، وساعده النسق التصاعدي الذي اتخذته المواجهة بينه وبين المؤسّسات الرسمية للدولة في تغيير جلدته استعدادا للانتخابات، فتخلّص من الصورة النمطية للبورجوازي صاحب النفوذ الاتصالي المؤثّر في صناعة السياسيين وخدمة الطبقة الحاكمة ليصبح «السجين السياسي» و«المعتقل» بل ذهب البعض إلى منحه لقب «مانديلا تونس» الذي يتدافع عدد من النشطاء السياسيين على ارتدائه، وأصبحت القناة تستخدم في تقديم صورته مقطعا من أغنية الشيخ إمام «شيّد قصورك في المزارع» التي جسّد فيها أحمد فؤاد نجم نقمة الطبقات الاجتماعية المفقّرة على فئة الأثرياء، ولم يكن غائبا على منظمي حملته الانتخابية أنّ تغيير الصورة غير كاف لوحده لا سيما في مواجهة جمهور عريض من الناخبين قد لا تؤثّر فيه الصورة بسهولة، فتحدثّت زوجته سلوى السماوي عن التغيير الذي حصل في حياة زوجها بعد فقدان ابنه خليل لتضفي على فكرة التحوّل من النقيض إلى النقيض على طريقة الأبطال الروائيين مبرّرا ملائما نسبيا.
وفي مقابل الوضوح الذي يمثّله نبيل القروي ما يزال الغموض يلفّ المرشح قيس سعيّد في مستوى المشروع السياسي، فوضعه مستقلاّ خارج أيّ انتماء إيديولوجي واضح يجعله في نقطة التقاطع بين كل الإيديولوجيات، حتّى إن برنامجه الذي يحمل عنوان «الشعب يريد» في إشارة واضحة وقوية إلى شعار أساسي من شعارات الثورة التونسية يتوفر على رؤية يسارية اجتماعية في مجال الحكم المحلي وأولويته على الحكم المركزي في التخطيط الإداري المستقبلي، وتلامس مواقفه من الحريات الفردية فئة المحافظين ويجعله هذا الغموض عرضة لتجاذبات الأطياف السياسية التي تصطف وراء الخطاب الراديكالي وتزعم أنّها تمثّله وتتبنّاه فيما يسهل ذلك شيطنته بقوّة لدى الطبقة السياسية المدعوة إلى التنحي بدعوى عدم قدرتها على تحقيق وعود الثورة. وفي كلتا الحالتين، وسواء أكان الأمر متعلقا بقيس سعيّد أم بنبيل القروي فإن الفقر كان حاسما في توجيه خيارات الناخب تجسيدا لمفارقة الواقع التونسي الراهن حيث تنمو الديمقراطية وتزدهر وسط تراجع كبير للوضع الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما يشكّل في حدّ ذاته خطرا يتهدّد الديمقراطية ذاتها، لا سيما أنّ الوعود لن تغيّر الواقع وحدها في ظلّ محدودية الصلاحيات الرئاسية وحاجة الرئيس إلى سند برلماني قويّ، وهو ما يجعل الصورة ضبابية أكثر من أي وقت مضى.
عامر بوعزّة
- اكتب تعليق
- تعليق