انتخابات رئاسية: يسألونك عن قيس سعيد
يسألونك عن القيسر السعيد الذي سيفوز في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التونسية. والقيسري هو الكبير في لسان العرب. من سيفوز إذن؟ أسعيدا أم نبيلا؟ قل إنّما علمها عند ربي وما يدريك لعل الفوز سيكون حليف القيسري السعيد منهما.
الكثير من التونسيين المتعلمين الذين يحسنون القراءة والكتابة في أوساط التواصل الاجتماعي وهم أغلبية الناخبين يتأثرون بما يتردّد على صفحات الفيسبوك من أراء ووجهات نظر وتقييم ذاتي للمترشحين ويقيمون المترشح حسب هيئته وهندامه وكلامه وما يلاحظونه على صورة المترشح. وعدد لا يستهان به من الناخبين ولعلهم النسبة الأعلى اختارت بدافع الانتماء الجهوي أو القبلي لأن ما يقارب خمس الناخبين الذين اختاروا قيس سعيد ينتمون إلى الوطن القبلي ونفس النسبة التي صوتت لنبيل القروي تنتمي إلى ولاية بنزرت. وساندت منظمات وطنية مترشحين دون أن يدعموا اختيارهم بحجج مقنعة. ولكن النتيجة كانت مغايرة لكل الأهواء غير أنّها كانت مطابقة للمعطيات العلمية لأنها جاءت مماثلة للتقديرات التي نشرتها منظمات استطلاعاتالرأي التونسية والأجنبية التي بينت أنّ السيدان نبيل القروي وقيس سعيد كانا يتصدران استطلاعات الرأي منذ مارس 2019. ولكن فقهاء تونس والأغلبية الساحقة من المواطنين يظنون أنّ الاستطلاعات العلمية هي ضرب من الجنون والتنجيم والسحر والطلمسة وقالوا (كذب المنجمون ولو صدقوا).
غلبت الأحزاب في تونس في الرئاسية. وسيغلبون ويهزمون في التشريعية إن شاء الله. ولعلها ستعتبر من هذا الدرس. وما يعنينا الآن هي الدورة الثانية من الرئاسية التي لم يحسم أمرها بعد وكل شئ فيها ممكن. ولو طبقنا قانون عالم الاحتمالات الحسابية كوندورسي فإنّ فوز نبيل القروى أقرب. وذلك لأن 65 بالمائة من الناخبين في الدورة الأولى لم تختر القروي أو سعيد وهي كافية أو أن النسبة الكبيرة منها قادرة على أن تميل الكفة لنبيل القروي. وإذا أضفنا أن ّأغلبها من الاحزاب السياسية التي لا يهمها إلا مصلحتها ومنافعها الحزبية فإنّ العاقل لا يطمئن للنتائج التي أفرزتها الدورة الأولى. ولمن يريد حجة أكبر على قانون كوندورسي يمكن له أن يراجع نتائج الدورة الأولي من الانتخابات الفرنسية 1974. تحصل ميتران على أغلبية مريحة تقارب 40 بالمائة وتحصل جيسكار ديستان على ما يقارب 27 بالمائة. أما في الدورة النهائية فانقلبت الآية وتحصّل ديستان على 52 بينما لم يحصل ميتران إلا على 48 بالمائة. ولعل في هذا المثل عبرة لأولي الألباب.
صرحت بعض الشخصيات الحزبية التونسية التي لفظتها الدورة الأولى أنها ستدعم المرشح قيس سعيد وجمعت أصواتها كاملة ولا أظن أنّها ستفوق 10 بالمائة من الناخبين. وحسابيا سيرتقي نصيب قيس سعيد إلى 30 بالمائة على أقصي تقدير.ولو فرضنا أنّ ناخبي النهضة سيصوتون بالجملة لقيس سعيد فسترتقي النسبة إلى 45 بالمائة وهي غير كافية للفوز. ومن جهة أخرى لا أظن أنّ الأحزاب ستهدي بلا مقابل دعمها لأحد المترشحين. والاحزاب لا يهمها شخصية المترشح ولا فكره ولا عقيدته ولا سجله بل إنّ السجن أحب اليها والسجن أصبح شرعية أساسية للنضال السياسي خاصة إذا علمنا أنّ إيقاف نبيل القروي في هذه الفترة الدقيقة يثير بعض الشكوك لدى كثير من العاقلين. وبما أنّه مازال بريئا إلى حين صدور حكم قضائي في شأنه فإنّ شرعية السجن تميل لصالحه. ولو كنت من مستشاري قيس سعيد لنصحته بارتكاب هفوة تؤدي إلى إيقافه وسجنه في المرناقية حتى تتكافـأ الفرص لديهما.
شهد بعض المثقفين التونسيين الذين عرفوا قيس سعيد أنّه شخص مستقيم وهذه الميزة ترفع من شأنه الكثير. وحاول البعض تشويه صورته فقيل أنّه يتردد على المساجد وهي نكتة تداولتها قناة مصرية لتسخر من الإعلام التونسي. وجاء في كلام آخر أن ّرئيس حزب التحرير تقابل مع قيس سعيد واحتسيا فنجانا من القهوة فنجانا واحدا وتم تأويل ذلك أنها إشارة على البيعة. وطبيعي أن يكثر الكلام الفاسيبوكي في الحملات الانتخابية.
تفاجأت مثل عديد التونسيين بالمركز الآول الذي تحصل عليه قيس سعيد في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية. وجاءت مفاجأتي لأني لم أكن واثقا أن الشعب والمواطن الحر قادر على دحر الأحزاب وماكينة الأحزاب والمال والتأثير الإعلامي السلبي. تفاجأت بصفة إيجابية لأنّ قيس سعيد لم يقم بحملة مثل سائر المترشحين الآخرين بل كانت حملة تكفّل بها المتطوعون من الشباب والطلبة ولم تدعمها أطراف مالية أو حزبية أو منظماتية وكانت حملة قام بها أفراد من الشعب التونسي الأصيل الذي قهر الدكتاتورية وهو بصدد قهر الاحزاب.
من خلال تصريحات قيس سعيد وحواراته التي تم نشرها أعجبتني رؤيته لإدارة الشأن العام للبلاد والذي هو عازم على تقديمه كمبادرة تشريعية. أعجبتني الفكرة التي تستند إلى التأسيس للامركزية وهي فكرة تدعم سلطة الشعب (الديمقراطية) والمساواة بين الجهات وتمثيل كل المعتمديات الصغيرة الحجم والكبيرة منها على نفس الأساس. كل معتمدية من 265 الموجودة هي ممثلة في البرلمان. كما أعجبني العقد الاجتماعي الذي يشترطه في هذه المبادرة وهي سحب الثقة إذا لم يف النائب بوعده أو بمسؤوليته. فكأنّي بقيس سعيد يستشهد بجون لوك في نظريته للعقد الاجتماعي وهي فكرة رائعة.
كما لفت نظري قوله وفي هذا المعنى "إنّ الدولة لن تكون قوية في الخارج إذا لم تكن قوبة في الداخل" وهي أساس الأمن القومي وتفكرني في مؤسس الفلسفة السياسية الحديثة ماكيافللي الذي تأثر به كبار الروساء ورجال الدولة من نابليون لتشرشيل وميتران وبورقيبة على سبيل المثال. وإن كان المواطنون متخوفين من قيس سعيد فهذا أمر ممتاز. فالأمير الذي نخشاه أفضل من الذي نحبّه كما جاء في كتاب "الأمير". قال قيس سعيد إنّه يسعى إلى أن يكون مثل عمر بن الخطاب أقول " في عدله" وفي تأسيسه للامركزية في القضاء وإنشاء الدواوين وفي حلمه على المواطن الضعيف وفي تعديل الأحكام حتى تتماشى مع الزمن. ويبقى العدل أساس العمران.
وختاما أتمنى أن يصوت الشعب لمن يؤسس لتونس الخضراء.
محمد النفطي
جنرال مصنف كمتقاعد أي لغويا لا يهتم بأمره ولا بأرائه كما ورد في لسان العرب
- اكتب تعليق
- تعليق