أخبار - 2019.09.09

العميد الأزهر القروي الشابي: الأستاذ الباجي قائد السبسي ومهنة المحاماة

العميد الأزهر القروي الشابي: الأستاذ الباجي قائد السبسي ومهنة المحاماة

لقد أثبت الواقع منذ القديم أنّ رجل القانون كثيرا ما يرتبط بالسياسة ولذلك نرى أنّ كثيرا من السياسيين هم نتاج كليات القانون وهؤلاء ينتهون في أغلب الأحيان في رحاب المحاماة  لأنّ هذه المهنة التي تدافع عن سيادة القانون تتطلب من المنتمين إليها  الصبر و المثابرة والتمحيص والتأمل و التفكير السديد الذي ينتهي بصاحبه إلى النتائج الإيجابية التي يعمل على الوصول إليها وهي صفات يحتاجها السياسي.

ولا شك عندي أنّ رجل القانون الأستاذ الباجي قائد السبسي كان ممن استهوتهم مهنة المحاماة باعتبارها مهنة الشرف والنجدة، ولذلك فبمجرد تخرجه من كلية الحقوق بباريس بادر بالدخول إلى هذه المهنة والانتساب إليها وكان ذلك في اليوم الثالث من شهر أكتوبر سنة 1952 وهو اليوم الذي أقسم فيه أن يكون محاميا متفانيا في الدفاع لا تأخذه في الحق لومة لائم.

باشر الأستاذ الباجي قائد السبسي مهنته كمحام متربص في مكتب من أهم المكاتب بتونس وهو مكتب الأستاذ فتحي زهير المحامي  المتميز والوطني  المخلص ولكن شاءت الظروف بأن تفرق بين الأستاذ فتحي زهير والأستاذ الباجي قائد السبسي، ذلك أنّ السلط الاستعمارية آنذاك ألقت القبض على الأستاذ فتحي زهير واقتادته إلى المحتشد  فتحمل الأستاذ الباجي قائد السبسي المسؤولية الكاملة للمكتب وقسّم مجهوداته بين الدفاع في قضايا الوطنيين  والموقوفين والمحالين على القضاء الفرنسي بنوعيه العسكري والمدني  المنتصب في البلاد  التونسية منذ سنة 1883.

ولمّا جاء الاستقلال، كانت الدولة في حاجة إلى أمثال هؤلاء الشباب فتغيّب الأستاذ الباجي عن المحاماة للاضطلاع ببعض المهام الحكومية ودام تغيبه مدّة زمنية إلى أن دبّ خلاف بينه وبين الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله من أجل اختلاف نظرة كل واحد منها لطريقة الحكم وارتباطه بالحرية والديمقراطية.

ونتيجة لهذا الخلاف غادر الأستاذ الباجي قائد السبسي السلطة ورجع إلى مهنته الأصلية مهنة المحاماة العظيمة التي وجد ذراعيها مفتوحين له لاحتضانه من جديد وهذا من شيم هذه المهنة النبيلة التي يصفها الأستاذ جلال العروسي صاحب كتاب  قضاة و محامون بأنّها " مهنة الجبابرة ورسالتها أشرف الرسالات ولعلها المهنة  الوحيدة  التي يغادرها صاحبها  إلى أرقى مناصب الدولة فإذا ترك المنصب لم يتردد في المسارعة إلى العودة إليها أكثر اعتزازا بالانتساب إليها وفخرا بوصل ما تنقطع من الاستظلال بظلها الوارف ".

لم يكن الأستاذ الباجي حتى وهو في أوج السلطة بعيدا عن مهنة المحاماة ولذلك كان كلما رجع إليها إلا و وجد التكريم من زملائه، وقد كرّم في نطاق المهنة عدّة مرات فكان التكريم الأول سنة 2007 من مجلس الفرع الجهوي للمحامين بتونس،أما التكريم الثاني فقد استحقه من مجلس الهيئة الوطنية للمحامين أثناء فترة عمادة العميد عبد الرزاق الكيلاني بمناسبة افتتاح محاضرات التمرين سنة 2011، ثم نال تكريما ثالثا من إدارة المعهد الأعلى للمحاماة تحت إشراف الأستاذ نور الدين الغزواني خلال شهر ديسمبر 2018 وفي هذه المناسبة ألقى الأستاذ الباجي كلمة معبرة في جموع طلبة المعهد و أساتذته وعدد هام من الضيوف وقد كانت كلمة متميزة دلت على أنّ المحامي يبقى دائما محاميا ولو أصبح رئيسا للجمهورية.

لم تمنعه مهامه كرئيس للجمهورية من متابعة شؤون المحاماة والقضاء أيضا ومن ذلك أنه بادر بمجرد انتهاء انتخابات العميد ومجلس الهيئة بتوجيه رسالة تهنئة للعميد الجديد الأستاذ إبراهيم  بودربالة تحمل أكثر من معنى.

وما بالعهد من قدم فقد قرر المنتدى القضائي بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثانية والستين لتوحيد القضاء تكريم الأستاذ الباجي باعتباره أقدم محام مرسم في جدول المحامين ومنحه درع المنتدى وقد تقرر أن يتم هذا التكريم خلال شهر جويلية 2019 إلا أنّ أقدرا الله قد حالت دون ذلك إذ فاجأه المرض ثم دعاه ربه إليه.

رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فراديس جنانه، إنا لله و إنا إليه راجعون.

العميد الأزهر القروي الشابي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.