انتخابات تونس: مترشحون نادرون وعهود عذبة وأفعال مضارعة
يفتخر سياسيو تونس بأنهم أنشأوا كيانا سياسيا جديدا بعد الثورة التي لا يعترفون بها إلا عندما يحتاجون لدعم مشاربهم السياسية. ويعتقدون أن الديمقراطية تختزل في تنظيم الانتخابات النزيهة والشفافة. وقد أفلح السياسيون في هذا المجال عندما أنجزوا انتخابات التأسيسي في 2011 والانتخابات الرئاسية والبرلمانية 2014 والانتخابات البلدية 2018 وعديد الانتخابات الظرفية الأخرى. وأجمع الملاحظون على أنها كانت كلها نزيهة. ولكن انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية كان فشلا ذريعا كما تعطلت انتخابات مؤسسات القضاء أو تعسرت وربما نسيها الشعب لأنها لا تدر نفعا ماديا للمواطن. ومرة أخرى نجد أنفسنا في عرس انتخابي جديد ولا تختلف الانتخابات الرئاسية عن إقامة الأعراس التونسية التي تتكلف باهضة ولا تربي شيئا للعائلة ولا للحاضرين والمستدعين ولا نرى فيها إلا بهرجا زائفا وضجة صاخبة وتفخّرا متفجّسا. وأصبحت الديمقراطية في ربوعنا منافسة على مناصب البرستيج ومصالح ذاتية وأخرى لا نعرف مغازيها. هذا في المعنى الباطني للانتخابات الرئاسية في بلادنا. أما في ظاهرها فهي لا تعدو أن تكون عهودا عذبة في عدوة الوادي النظير وأفعالا مضارعة تمضي قبل أن تلقى عليها الجوازم وتطير.
المرشح النادر: جاء في جريدة أجنبية أن هذا المترشح أرسلته السماء كي يكتب التاريخ والتاريخ لا يكتب دونه وانه حادثة ما حدثت منذ آلاف القرون. ومترشح آخر يضيف أنه فكر في أن يعتزل السياسة لكن ضميره ينهاه لأن الوطن يحتاج له وقد لبّى نداء الوطن. ووراء كل مترشح التف المساندون ونشروا في الصحف أو في الوسائط الاجتماعية دماثة خلقه و نقاء روحه ووداعته ووقاره وسكينته. وشبه مترشح آخر بعمر بن الخطاب في عدله وبسيدنا يوسف في صبره. ولا نملك إلا أن نصفق لكل المترشحين ونهني تونس بهذا الزاد الكبير من المترشحين النادرين. وهو ليس بالغريب في أرض الحضارة الكابسية العريقة. واعلم أن قيمة البلاد بعدد المترشحين للانتخابات الرئاسية فإذا كان في أمريكا العظيمة يترشح أثنان فقط ففي تونس تقدم مائة وتم قبول 30 منهم وهي دلالة على الديمقراطية الحقيقية.
عهود ووعود عذبة: لا تختلف العهود والتعهدات التي يصرح بها المترشحون عن وعود عذبة تسري في عدوة الوادي النظير تتبخر بسرعة في هذا الفصل الحامي ولا يبقي منها إلا النزر القليل الذي يذهب الى البحر فيصبح شططا لا نملك إلا النظر إليه والاستمتاع بجماله والاسترخاء بكسلنا على حافته قبل أن يداهمنا فصل الشتاء والعمل ويضغط علينا بمتطلبات نشاطه. الوعود كثيرة وكلها تستهدف ضروريات المواطن وحاجاتة الفزيولوجية التي لا يمكن له أن يقاومها بالعقل فيميل الى كل من يوحي له باشباعها. ولا يدري الكثير من التونسيين أن هذه الوعود ليست من مشمولات رئيس الجمهورية بعد الثورة وطبقا للدستور الجديد. بينما يوحي فقهاء الدستور أن الرئيس بإمكانه الضغط في كل ميادين الحياة ويرفعون مثال المبادرة التشريعية. أما في التطبيق وفي النهاية هل أن هذه المبادرات لها نتيجة إذا لم يوافق عليه البرلمان؟
الأفعال المضارعة: وفي جانب آخر تزخرف تصريحات المترشحين و برامجهم أفعالا مضارعة يزعمون انها المعنى العملي والفعلي لبرامجهم التي تنحصر في العهود والافعال المستقبلية. "سأفعل" هي مفتاح كل البرامج والقاسم المشترك لكل المترشحين. أفعال مستقبلية مضارعة تسري في نفوس المواطنين وتزرع فيها الأمل وتسحر أحاسيسهم وتنعش صدورهم وتبهر عيونهم. لكن هذه الآفعال تظل سرابا إذا لم يتم توثيقها بالجوازم الشرطية أي بالأدوات الجازمة أو الشرطية مثل حرف الشرط (إن) وحرف ( مهما). فإذا أردنا أن نتحقق من وعود مترشح أو من أفعاله المستقبلية وضعنا هذه الجوازم وسألناه عن شروطها. فإذا قال أحدهم " سأطرد السفير الفرنسي من تونس" يقول له العاقل نعم بامكانك فعل ذلك "إن" وجدت حلا لقبول 721,000 مهاجرا تونسيا في فرنسا ولتشغيل 350,000 عاملا موظفا ضمن الشركات الفرنسية التي استثمرت في تونس و تعويض مليون سائح فرنسي ولا فائدة في ذكر الميادين الاخرى العلمية والثقافية والاجتماعية إلخ... وإذا أقمنا الجوازم على وعود وأفعال المترشحين المستقبلية سنعرف أيهم الأفضل على سبيل المثال.
ولكن مثل هذا التمشي لا ينتهجه الناخب التونسي الذي يروم الكلام الرنان ويختار الوجه الحسن ويميل الى إسناد ابن الجهة و مرشح الحزب وهو أمر طبيعي وله في ذلك فوائد جمة. ومن لا يرغب في متابعة العرس الانتخابي يقول حظا وافرا لجميع المترشحين ويردد هذا البيت للمتنبي ( إذا كان ما تنويه فعلا مضارعا ::: مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم).
محمد النفطي
- اكتب تعليق
- تعليق