حاتم قطران: مكانة حقوق الطفل في برامج المترشحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية

حاتم قطران: مكانة حقوق الطفل في برامج المترشحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية

لم أكن لأطرح هذا التساؤل حول مكانة حقوق الطفل في برامج المترشحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة لولا اطّلاعي على موقف السيدة عبير موسي بشأن المساواة في الميراث، وقولها أن إدراج السفاح في أحكام الإرث يعترف ضمنيا بالأسرة المشكلة خارج إطار الزواج القانوني، فضلا عن كونه يتيح المنح المالية الشرعية لهذه الأسرة، ويعززها اقتصاديا، وهو ما يؤدي بالضرورة، حسب زعمها، إلى منح حقوق للأطفال غير الشرعيين على حساب الأطفال الشرعيين.

أخطأت يا عبير موسي في حق أضعف فئات السكان من الأطفال ولن تكوني من خيارات المستقبل!

إن هذه الموقف المعلن من قبل السيدة عبير موسي يمثّل –بلا ريب-حدثا بارزا ومؤسفا في ذات الوقت، حيث يصدر في وقت تستعدّ فيه بلادنا وباقي المجموعة الدولية للاحتفال بالذكرى 30 لاتفاقية حقوق الطفل التي تم اعتمادها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 20 نوفمبر 1989 والتي صادقت عليها تونس، من ضمن 196 دولة في العالم، وأصبحت جزءا من قوانينها الداخلية. ومن غرائب الدّهر أن يصدر هذا الموقف من قبل شخصية وطنية يعلّق عليها جانب كبير من الرأي العام الوطني –ومن بينهم عدد كبير من الأصدقاء-آمالا مشروعة للقطع مع بعض التيّارات المحافظة والأصوات الرجعيّة التي تنامت في بلادنا إثر التحوّلات العميقة السارية منذ سنة 2011، ومن بينها الأصوات المنادية بإلغاء عدد من القوانين التقدّمية التي تم سنّها لفائدة الأطفال منذ الاستقلال، وبخاصة القانون عدد 27 لسنة 1958 المؤرخ في 4 مارس 1958 المتعلق بالولاية العمومية والكفالة والتبني الصادر أقل من سنتين بعد صدور مجلة الأحول الشخصية في 13 أوت 1956 وأكثر من ثلاثين سنة قبل صدور اتفاقية حقوق الطفل، والذي تضمن جميع آليات الرعاية البديلة المنصوص عليها في نص المادة 20 من الاتفاقية المذكورة، ومن بينها تدابير خاصة لتأمين مساواتهم الكاملة مع باقي الأطفال، طبقا لمقتضيات المادة 20 من اتفاقية حقوق الطفل.
كما يتناقض موقف السيدة عبير موسي مع جملة من التدابير التشريعية المتخذة في تونس إزاء الأطفال المولودين خارج إطار الزواج، ومن بينها خاصة القانون عدد 75 لسنة 1998 مؤرخ في 28 أكتوبر 1998 المتعلق بإسناد لقب عائلي للأطفال المهملين أو مجهولي النسب مثلما تم تنقيحه بمقتضى القانون عدد 51 لسنة 2003 المؤرخ في 25 جوان 2003، بغاية تيسير إثبات نسب الطفل مجهول النسب وإسناد لقب له وباقي عناصر الهوية، والتوسّع في طرق إثبات النسب وذلك بالإقرار أو بشهادة الشهود أو بواسطة التحليل الجيني، وتأمين حق الطفل الذي تثبت بنوّته في النفقة والرعاية من ولاية وحضانة، وغير ذلك من الواجبات المنوطة بالوالدين. ولا شكّ أنّ كل هذه التدابير التشريعية والآليات المصاحبة لها تستدعي باستمرار تطوير مضامينها، على النحو المقترح من قبل لجنة الحقوق الفردية والمساواة، وخاصة المقترح الداعي إلى إلغاء كل من الفصل 152 من مجلة الأحوال الشخصية ومقتضاه: "يرث ولد الزنا من الأم وقرابتها وترثه الأم وقرابتها" والفقرة 3 من الفصل 3 مكرر من القانون عدد 75 لسنة 1998 المؤرخ في 28 أكتوبر 1998 المتعلق بإسناد لقب عائلي للأطفال الهملين أو مجهولي النسب وتعويضها بما يلي: "وللطفل الذي ثبتت بنوته جميع الحقوق التي للابن على أبيه".
ونتبيّن حينئذ إلى أي مدى يمثّل موقف السيدة عبير موسي اخلالا بالتزامات تونس الثابتة في مجال حماية حقوق الطفل، وانتهاكا للمبدأ العام المنصوص عليه بالفصل 47 من الدستور والذي تلتزم الدولة بمقتضاه بحماية بما يلي: "...توفير جميع أنواع الحماية لجميع الأطفال دون تمييز وفق مصالح الطفل الفضلى".

نداء إلى المترشحين للانتخابات من أجل إعادة تخيل المستقبل لكل طفل!

وبصرف النظر عن موقف السيدة عبير موسي، يأتي هذا النداء الموجّه للمترشحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة في ظل غياب أي اهتمام حقيقي –إلى حدّ الآن-بهذه بالأطفال والحال انهم يمثّلون الشريحة الأساسية من المواطنين. وقد يعزى ذلك لكون الأطفال في تونس لا صوت لهم ولا يحق لهم المشاركة في هذه الانتخابات، ما يطرح عدة تساؤلات بخصوص الدور المنوط بهم والفرص الحقيقية المتاحة لهم منذ 11 جانفي 2011، مع باقي مكونات المجتمع، في نسج الاختيارات الأساسية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الجاري نحتها للمستقبل. ويزداد التساؤل إلحاحا في ضوء غياب مبادرات حقيقية تهدف إلى إشراك الأطفال والشباب في مختلف فضاءات الحوار القائمة، بينما ينبغي أن يكونوا في صدارة الفئات المستفيدة من مجال الحرية والتعبير الديمقراطي التي تم إرساءها في دستور 27 جانفي 2014.
كما يأتي هذا النداء الموجّه للمترشحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة في إطار الجهود المبذولة حاليا في تونس وفي باقي الدول بهدف وضع أجندة التنمية للاستثمار في الطفولة تستأنس بالأهداف 17 والغايات 169 المتفرعة عنها والمحددة في أجندة التنمية المستدامة حتى عام 2030، التي تم اعتمادها في اختتام القمة العالمية المنعقدة في نيويورك في 25-26 أيلول/سبتمبر عام 2015 ودخلت حيز التنفيذ منذ بداية سنة 2016. وقد جاءت هذه الأجندة الجديدة للتنمية طموحة وطويلة الأجل، بهدف تحسين حياة الشعوب، وحماية كوكب الأرض للأجيال المقبلة، وتهيئة عالم يحقق الازدهار والعدل والحرية والكرامة والسلام للجميع، مع مراعاة حقوق الأجيال المقبلة، والحاجة الماسة بأن يكون الأطفال والشباب، أول من يستفيد من جميع اأهداف المحددة فيها، بما في ذلك خاصة الهدف رقم 16 والغاية 2 منه الداعي إلى "وضع حد لإساءة المعاملة، والاستغلال والاتجار بالأطفال، ولكافة أشكال العنف والتعذيب ضد الأطفال".
وفي سياق متصل، يأتي هذا النداء الموجّه للمترشحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة في إطار الصعوبات التي تواجه الأطفال في السنوات الأخيرة، ومن بينهم الأطفال الذين يعيشون في ظل أوضاع صعبة مثل الفقر، والإعاقة، والتسرب المدرسي المبكر، والانحراف، والاستغلال الاقتصادي، وبيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء والمواد الإباحية، وإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، والاتجار بالأطفال، وغير ذلك من صور بؤس الأطفال التي تطرح تساؤلات محيرة بخصوص القيم والبرامج التي يجب أن تتصدّر برامج المترشّحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة وقدرتها على تغيير الواقع، حتى يتسنى لفترة الطفولة حقا بأن تكون تلك الفترة التي سوف تسمح لأطفال، لجميع الأطفال، بأن بضعوا إلى الأبد تونس في ثقتهم!
فلنكن يقظين في اختياراتنا وليكن مؤشّر حماية الأطفال والنهوض بواقعهم نحو الأفضل من بين أهم المؤشّرات المؤسّسة لاختياراتنا. وليتامّل كل منّا، قبل التصويت لهذا المترشّح أو لتلك المترشّحة في الانتخابات الرئاسية أو لأي من القائمات المترشّحة في الانتخابات التشريعية، في مدى الالتزام بقضايا الأطفال، باعتبارهم عناصر التغيير ولخدمتهم يجب أن ينصهر المجموع!

د. حاتم قطران

أستاذ بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس
عضو ونائب رئيس سابق للجنة حقوق الطفل بمنظمة الأمم المتحدة


 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.