أخبار - 2019.08.02

ولادات السّـيـاسة الحديثة: مكيافليّ / هوبس / روسّو

ولادات السّـيـاسة الحديثة: مكيافليّ / هوبس / روسّو

لبيار مانون، ترجمة محمّد كرّاي العويشاوي
صدر مؤخّرا عن المجمع التّونسيّ للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» كتاب جديد في الفلسفة السّياسيّة يحمل عنوان «ولادات السّيـــاسة الحديثة مكيافـــلّي / هوبس / روسّو»، وهو ترجمة أنجزها الأستاذ محمّد كرّاي العويشاوي أستاذ الفلسفة بالمعهد العالي للعلوم الإنســانيّة بتـونـس(جامــعــة تـــونس المنـار) لكتــاب Naissances de la politique moderne , Machiavel , Hobbes , Rousseau لأستاذ الفلسفة بالجامعات الفرنسيّة بيار مانون Pierre Manent.

ويندرج الكتاب ضمن الدّراسات المهتمّة بتاريخ الفلسفة السّياسيّة إذ يعرض أبرز مراحل الفكر السّياسيّ الحديث بالاشتغال على ثلاثة من كبار مؤسّسيه وهم على التّــوالي: الإيـطالي نيكـولا مكيـافلّي (1469 – 1527) والأنقليزي توماس هوبس (1588 – 1679) والسويسري الفرنسي جان جاك روسّو (1712 - 1778).

وسيشترك هؤلاء المفكّرون الثّلاثة في اهتمامهم بالمسألة السّياسيّة وفي تدبّرهم لنشأتها من وجهات نظر مختلفة.

أمّا نيكـــولا مكيافيلّي فهو يُعدّ المفكّر الذّي وضع حدّا للفلسفة السّياسيّة التّقليديّة عبر إرساء النّزعة الواقعيّة باعتبارها أساسا للفكر السّياسيّ الحديث ، وتقوم هذه النّزعة على تجاوز الفصل التّقليديّ بين العقل والواقع. فهو يعتبر أنّ واقع البشر تحكمـــه ضـــرورة ، وليس ما يأتيه البشر في الواقع سوى امتــداد لهذه الضّـــرورة. ومـــن هذا المنطلق يُعدّ مكيافيــلي أب الملاحـظة العـلميّة للسّيـــاسة.

وهو أوّل من دعا إلى «أخلقة الضّرورة» بمعنى أن يتلاءم الفاعل السّياسيّ مع الضّرورة بحيث يُطيعها ويُطوّعها.

وأمّا توماس هوبس فسيأتي بعد قرن من مكيافيلي ليواصل منزعه الواقعيّ ويُطوّره، فقد جذّر فكرة «الضّرورة» التّي مهّد لها مكيافيلي وبشّر بقدرة الكفاءة على تطويعها، وسيتجلّى مسار تجذّر الضّرورة عبر جعلها ملازمة للواقع ذاته، وعبر تحويلها من الخارج إلى الدّاخل إذ يرى هوبس أنّها تنبع من الوجود الإنسانيّ ذاته .

وينتهي هوبس إلى تعريف السّياسة بأنّها علم الطّاعة ، وهو علم يمليه العقل ويدفع كلّ فرد إلى البحث عن السّلام بكلّ السّبل، وليست الدّولة عنده سوى اصطناعٍ مهمّتّه المركزيّة هي حفــظ البقاء عبر إرساء شروط السّلام، وهو ما حدا بالمؤلّف إلى استنتـــاج أنّ مكيافيلي هو منظّر الفعــل السّياسيّ أمّا هوبس فإنّه منظّر المؤسّـــسة.

وبخلاف فلسفة مكيافيلي وهوبس تندرج فلسفة روسّو السّياسيّة ضمن التّقليد الطّوباوي الذّي يقوم على نزعة «تقديس الحقّ». ويرى المؤلّف من خلال استقراء آثار روسّو أنّ صاحب «العقد الاجتماعيّ» ولّد السّياسة من جديد من رحم الأخلاق وأعاد النّظر في علاقة السّياسة بالإيطيقا لكي يُقيم الأولى على أنقاض الثّانية فذاك الحلّ عنده لتجاوز ما سمّاه انحلال الإنسان الحديث وفساده، ذلك أنّ روسّو يرُدّ أزمة الإنسان الحديث إلى سيطرة المصلحة على العلاقات الإنسانيّة، وقد أجمل ذلك في قوله: «لقد كان السّاسة قديما يتحدّثون دوما عن الأخلاق والفضيلة في حين لا يتحدّث ساستنا سوى عن التّجارة والمال».

والمحصّل أنّ كتاب «مانون» مدخل بالغ الأهميّة في فهم مرتكزات الفكر السّياسيّ الحديث والإحاطة بالاتّجاهات الأساسيّة التّي ستُكيّف مناهج ذاك الفكر وآليّاته.

ح.د

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.