الباجي قايد السبسي : مسيرة استثنائيّة في خدمة الدولة التونسية

شاءت الأقدار أن يغيّب الموت رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي يوم الاحتفال بذكرى إعلان الجمهورية في 25 جويلية 1957. ففقيد الوطن هو من دعائم النظام الجمهوري إبان بناء دولة الاستقلال وخلال الحقبة البورقيبية  ورمز هامّ من رموز النظام الديمقراطي بعد 14 جانفي 2011 فهو الذي سهر وزيرا أوّل على تنظيم أوّل انتخابات حرّة ونزيهة وشفافة في تاريخ تونس في أكتوبر 2011 وحرص رئيسا للجمهورية منذ انتخابه في هذا المنصب على تعزيز أسس الديمقراطية الناشئة في تونس.

وُلد الباجي قايد السبسي في 26 نوفمبر 1926، بضاحية سيدي بوسعيد.زاول دراسته بالمعهد الصادقي بتونس العاصمة ثم أكمل الجزء الثاني من الباكالوريا بديجون سنة 1948.وفي 1949 تحول إلى باريس ليواصل الدراسات العليا في الحقوق.

وكان من أصدقائه المقرّّبين المرحوم الحبيب بورقيبة الابن ممّا مكّنه من أن يربط الصلة وهو طالب بالزعيم الحبيب بورقيبة. قبل أن تتوطّد العلاقة بالمجاهد الأكبر.تخرّج من كلية الحقوق بباريس عام 1950 لينخرط بداية من 1952 في سلك المحاماة وذلك قبل أن يتولى عدة مسؤوليات هامة في الدولة التونسية بين 1963 و199.

عيّنه رئيس الحكومة الحبيب بورقيبة في 28 أفريل 1956 مستشارا في ديوانه مكّلفا بمتابعة ملف الشؤون الاجتماعية، وفى جويلية 1956، التحق بديوان كاتب الدولة للداخلية الطيب المهيرى وعيّن مديرا للإدارة الجهويّة.

وفي سنة 1962 أصبح مديرا للسياحة ثمٰ تولّى في سنة 1963 مهامّ المدير العام للامن الوطني.

وإثر وفاة الطيب المهيري في جوان 1965 عيّن وزيرا للداخلية وتم انتخابه عضوا بمجلس الأمّة بتاريخ 2 نوفمبر 1969. وعيّن  في 7 نوفمبر 1969وزيرا للدفاع الوطني قبل أن يسمّى في 12 جوان 1970 سفيرا لتونس بباريس، لكنه استقال من منصبه كسفير  معلّلا قراره في مقال نشره في سنة 1972 في جريدة لوموند الفرنسية بانعدام إرادة الانفتاح الديمقراطي صلب الحزب الاشتراكي الدستوري. وكان قد جُمّد نشاطه في الحزب عام 1971 على خلفية مواقفه التحررية ومناصرته للانفتاح السياسي في البلاد، لينضم سنة 1978 لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين برئاسة أحمد المستيري. وتولّى في تلك الفترة إدارة مجلة « ديمقراطية » المعارضة.

عاد الباجي قايد السبسي إلى الحكومة في 3 ديسمبر 1980 وزيرا معتمدا لدى الوزير الأول، محمد مزالي أنذاك، ليُعيّن في 15 أفريل 1981 وزيرا للشؤون الخارجية، حيث اضطلع بدور نشيط على المستويين الإقليمي والدولي. وساهم بقسط وافر في صدور قرار من مجلس الأمن يدين الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط  في غرّة أكتوبر 1985. بعد التحاقه ببون سفيرا لتونس بألمانيا انتُخب سنة 1989 عضوا بمجلس النواب، ثم تقلّد منصب رئيس المجلس خلال الفترة الممتدة من 1990 إلى 1991، ليعود إثر ذلك إلى ممارسة مهنة المحاماة، قبل أن يعود إلى الساحة السياسية بعد 14 جانفي 2011 وزيرا أوّل في 27 فيفري من السنة نفسها إثراستقالة محمد الغنّوشي. واستمر في منصبه حتى 13 ديسمبر 2011 حين كلّف المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية المنتخب في 12 ديسمبر 2011 حمادي الجبالي أمين عام حزب حركة النهضة بتشكيل الحكومة الجديدة.

وحرصا على إقرار توازن في المشهد السياسي الذي سيطرت عليه حركة النهضة الفائز الأوّل في الانتخابات التشريعية أَسّس الباجي قايد السبسي حركة نداء تونس في سنة 2012 واستطاعت الحركة في ظرف وجيز أن تتبوّأ موقعا متقدّما في الساحة السياسية فنالت المركز الأول في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 وأنتخب مؤسسها رئيسا للجمهورية في ديسمبر من السنة نفسها محرزا 55,68 بالمائة من الأصوات أمام منافسه في الدور الثاني المنصف المرزوقي.

بعد لقاء بباريس جمعه بزعيم حركة النهضة راشد الغنّوشي في وقت كانت فيه البلاد تشهد تجاذبات سياسية حادّة تنبئ بانفراط عقد الوحدة الوطنية اختيار الباجي قايد السبسي سياسة "التوافق" مع خصمه السياسي. وظلّ يدافع عن هذا الخيار الذي انتقده الكثيرون خاصّة من صوتوا له ولحزب في انتخابات 2014 لإقصاء النهضة من الحكم معتبرا أنّه كان التوجّه الأنسب لتجنيب البلاد ويلات الفرقة والتناحر. 

عيّن الباجي قايد السبسي الحبيب الصيد رئيسا للحكومة إثر انتخابات 2014 قبل أن يعهد في أوت 2017 بهذا المنصب ليوسف الشاهد.

كان للرئيس الراحل نشاط حثيث ودور بارز على الصعيد الدبلوماسي عربيّا وإقيلبميا ودوليّا وتولَّى في موفّى مارس 2019 رئاسة القمّة العربية التي احتضنتها تونس.