أخبار - 2019.07.24

الاتجار بالبشر في تونس بين الواقع والتتبع القضائي

الاتجار بالبشر في تونس بين الواقع والتتبع القضائي

بلغ عدد ضحايا الاتجار بالأشخاص لسنة 2018 780 حالة تعاقب مرتكبيها، وفق الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر التي أنشئت في فيفري 2017 في حين انحصرت شبهات جرائم الاتجار بالبشر في 18 حالة حسب إحصائيات وزارة العدل وذلك منذ دخول قانون منع الاتجار بالأشخاص ومكافحته حيّز التنفيذ.

تتناول بالتحليل هذه المفارقة دراسةُ أعدّها سمير جعيدي القاضي الباحث بمركز الدراسات القانونية وقد أجرتها منظمة "محامون بلا حدود" و"المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" بالشراكة مع "الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر" حول التعهد والتعاطي القضائي مع عدد من الملفات القضائية في مجال الاتجار بالأشخاص، وذلك في إطار مشروع " كسر القيود" لمحاربة الاتجار ُ بالأشخاص في تونس، مموّل من الاتحاد الأوروبي.

وتبحث الدراسة  في مختلف الإشكالات المتعلّقة بالتصدّي القانوني لهذه الظاهرة إذ أنّ الإحصائيات الرسمية لا تمثل فعليا حالات الاتجار بالأشخاص بل تتّصل بحالات التعرف على الضحايا المحتملين لجرائم الاتجار بالأشخاص وحالات الإشعار بوجود شبهات حول الاتجار باعتبار ان الاتجار بالأشخاص جريمة ومن يضفي التكييف القانوني السليم والحاسم على فعل بأنّه اتجار بالأشخاص هو  الحكم القضائي الصادر في الغرض. وتندرج الدراسة ضمن السؤال التالي : هل هناك تباين بين واقع رصد جرائم الإتجار بالأشخاص وواقع التتبعات القضائية، رغم دخول القانون عدد 61 لسنة 2016 المؤرخ في 03 أوت 2016 والمتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته حيز النفاذ؟

حالات الاستغلال الجنسي والاستغلال الاقتصادي

من خلال دراسة ميدانية شملت 20 ــمحكمة ابتدائية من جملة 28 محكمة موزّعة على كامل تراب الجمهورية، تم رصد 5 حالات اتجار بموجب الاستغلال الجنسي ختم فيها البحث أو صدر فيها حكم ابتدائي وذلك بكل من محكمة تونس محكمة قرمبالية ومحكمة سوسة 2 ومحكمة المهدية.

وأبرزت الدراسة تعدّد حالات الاستغلال الاقتصادي المصنفة اتجارا وفق قانون منع الاتجار بالأشخاص ومكافحته، فظاهرة تشغيل الأطفال واستغلالهم ظاهرة منتشرة في الشارع التونسي. إلا أنّه إن كانت هذه الظاهرة بهذا الانتشار فإنّ التعامل القضائي معها لم يكن بمثل هذا اليسر. وقد تم ّرصد 8 حالات اتجار بموجب الاستغلال الاقتصادي ختم فيها البحث. في حين أنّ بقية الحالات تمّت إحالتها مباشرة الى المجلس الجناحي.

كما رصد البحث الميداني الإحصائي الأولي 31 حالة شبهة اتجار بالأشخاص : تم القضاء في 4 حالات على أساس أنها لا تعد من حالات الاتجار بالأشخاص و5 حالات منشورة الآن أمام الدوائر الجنائية و14 قضية من أنظار التحقيق وقضية في إطار البحث الابتدائي و6 قضايا تم حفظها من لدن التحقيق.

الاتجار بالأجانب: المسكوت عنه

وبخصوص الأجانب ضحايا الاتجار في تونس فإنّ من جميع القضايا التي تم رصدها ميدانيا طيلة هذا البحث لم تسجّل إلا  قضيتان فقط  تعلقتا بأجنبي، فهل معنى هذا أن الأجانب ليسوا ضحايا اتجار بالأشخاص في تونس؟.
 تبّين القاعدة المعلوماتية التي أعدتها منظمة "محامون بلا حدود" أنّ الأجانب متى كانوا في وضع غير قانوني يصبحون فئة هشة في المجتمع وفريسة سهلة للاتجار بالأشخاص. ويعزّز وضعهم الهشٰ اضطرارهم إلى العيش في عزلة وشعورهم بالخوف على تراب تونس. ويتميز موقع تونس بأنّه عنصر استقطاب لعدة اجانب باعتبار قربه من أوروبا وأصبحت تونس نتيجة حركات الهجرة غير الشرعية أرض استقطاب لعدة فئات. وتشير الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر في تقريرها السنوي إلى أنّه من ضمن
780 حالة اتجار بالأشخاص رصدت طوال سنة 2018 تمّ رصد 155 حالة تخصّ أجنبي "ضحية"اتجار بالأشخاص". وهو ما معناه بصفة أدقّ أنّ 40 %من جملة ضحايا الاتجار بالأشخاص في تونس هم ضحايا أجانب.

تقوية الملاحقة المنهجية لهذه الجريمة

وجاء في خاتمة الدراسة أنّ تجريم الاتجار بالبشر حديث العهد في تونس ومن الضروري تقوية الملاحقة المنهجية لهذه الجريمة ومعاقبة مرتكبيها. كما وردت فيها ملاحظتان رئيسيتان. الأولى هي إنعدام الإدانة بموجب قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص.
ويلاحظ أنّ بعض القضاة (وخاصة وكلاء الجمهورية) يكيّفون الجريمة في مراحل مختلفة من المحاكمة بموجب قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص وهذا ما يطرح بالتالي المشكلة الأساسية المتمثلة في تكريس ثقافة الإفلات من العقاب بالنسبة إلى مرتكبي جرائم الاتجار، مما يثني المتقاضين عن التشكي وخلق تأثير تحرري تجاه الجناة.

الملاحظة الثانية هي بطئ إجراءات التقاضي في إطار قضايا الاتجار. فطبيعة جريمة الاتجار تحتّم التدخل السريع و يجب أن تكون ذا أولوية وتتطلب فصلا أسرع من ذلك المتعلق بقضايا الحق العام والقضايا العادية وبالتالي فإنّ وعي السلطة القضائية بخطورة هذا النوع من الجرائم يعدّ أمرا أساسيا.

توصيات لتفعيل تجريم الاتجار بالأشخاص

وفق هذه الدراسة،الاتجار بالأشخاص جريمة تقتضي إعادة النظر في المنظومة القانونية وذلك عبر:

  • إعادة النظر في صياغة قانون منع الاتجار بالأشخاص ومكافحته واتباع منهج في الصياغة يبرز الركن الشرعي للجرائم المضمنة به
  • مواءمة التشريعات وإعادة النظر في الجرائم المشابهة للاتجار بالأشخاص أو التي تتطابق معها ضمانا للتناسق بين مختلف النصوص التشريعية
  • إعادة النظر في كيفية تعامل مجمل الهياكل المتداخلة مع جرائم الاتجار بالأشخاص وذلك من خلال:
  • إعادة النظر في كيفية تقييد القضايا المتعلقة بالاتجار بالأشخاص لدى مختلف المحاكم ضمانا لسرعة الوصول إليها ولحسن تتبعها
  • تمكين الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص من الوارد المالية والبشرية اللازمة وتفعيل الدور المحوري الذي تلعبه في التنسيق ما بين مختلف الفاعلين في المنظومة القضائية
  • إعادة النظر في التعامل مع الضحية والاعتراف بها ويتم ذلك من خلال :
  • إعادة النظر في وسائل التعامل مع الضحية خلال المسار القضائي وخاصة خلال الاستماع إليها لاسيّما وأنّ هذا التعامل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار خصوصيتها
  • توفير المعلومة القانونية والمساعدة القضائية المستوجبة لضحية الاتجار
  • تعزيز الاعتراف بضحايا الاتجار بالبشر وبمركزهم القانوني في القضايا والقرارات والأحكام حتى يتم تمكينهم من الإحاطة والتعويض المستوجب لهم
  • تطوير تكوين المتدخلين في المنظومة القضائي وهو ما يستوجب العمل على :
  • تعميم التكوين بخصوص جريمة الاتجار بالأشخاص لفائدة كلّ المتدخّلين في المنظومة القضائية على قدم المساواة (الضابطة العدلية، مساعدي القضاء، المحامين، القضاة...)
  • التحسيس بخطورة جريمة الاتجار بالأشخاص
  • تطوير التعامل القضائي مع جريمة الاتجار بالأشخاص وخاصة فيما يتعلق بآليات التحقيق ودعم اعتماد وسائل التحقيق الاستثنائية المنصوص عليها في قانون منع الاتجار بالأشخاص ومكافحته.

تحميل الدراسة

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.