الصحبي الوهايبي: الحكومـة تنـسـج

 الصحبي الوهايبي: الحكومـة تنـسـج

نساء ثلاث، عند طبيبهنّ، في قاعة الانتظار، ينتظرن دورهنّ في فحص روتينيّ قبل الولادة؛ الأولى حبلى في شهرها السّادس، والثّانية في شهرها الرّابع، والثّالثة تجاوزت التّاسع بشهرين اثنين، وهي لا تدري، أهيَ، أم الطّبيب الذي أخطأ الحساب.؟ على كلّ، هذا ليس موضوعَ حكايتنا، فلا تشغلوا بالكم به كثيرا. النّساء الثّلاث، يقتُلْن الوقت (كأنّ الوقت لا يموت إلاّ بفعل فاعل)، مشتغلات، كلّ واحدة تنسج كسوة لوليدها الذي سيأتي. ومضى من الوقت حينٌ، ثمّ نظرت الأولى في ساعتها، ووضعت إبرتيْها جانبا، وفتحت حقيبتها وتناولت حبّة دسّتها في فمهـــا؛ فسألتها صاحبتــــاها: «لمـــاذا تتناولين هذا الدّواء؟»؛ فقالت: «إنّهـــا كبسولة كالسيوم؛ هذا مفيد للأمّ وللجنين»؛ وعادت كلّ واحدة إلى نسيجها؛ ثمّ مضت برهة من الزّمن، ووضعـــت الثّانية إبرتيْها جانبا، وتناولت من حقيبتها حبّة، لفّتْ عليها لسانها، حتّى كادت تشرق بها؛ وصاحبتاها تسألان: «ما هذا الدّواء؟»؛ وهي تجيب: «فيتامينات وفليور؛ مفيدة للأمّ وللجنين»؛ والنّساء الثّلاث يشردن في نسيجهنّ، ودورهنّ في الفحص لم يحن بعد؛ وثالثتهنّ تزيح إبرتيها جانبا، ثمّ تتناول من حقيبتها حبّتين اثنتين تزدردهما لحاقا، والصّاحبتان تسألان: «فيتامينات، أم كالســـيوم؟»؛ وهـــي تجيب: «لا هذا ولا ذاك، إنّهمـــا حبّتا تاليدوميد؛ فأنا لا أعرف كيف أنســــج الأكمام!»...والتّاليدوميد دواء مهــــدّئ ومنوّم؛ لا يُنصح به للنّساء الحوامل، لأنّه يسبّب للجنين تشوّهاتٍ شديدة، قد تأتي على أطرافه، فيولدَ دون يَدَيْن...

ما هو الدّواء الذي تتناوله الحكومة، وهي تنسج مستقبل البلد؟...

*****

أربعة أطبّاء جرّاحين يدردشون حول فنجان قهوة؛ فقال الأوّل: «أَحَبّ من أُحِبّ على طاولة الجراحة، المحاسبون؛ عندما أفتحهم، أجد كلّ شيء مرقّما، مبوّبا»؛ فقاطعه الثّاني: «صحيح، هذا صحيح؛ ولكنّ أهل الكهرباء أوضح وأدقّ وأسهل، فلكلّ سلك سُمْكُه ولَوْنُه؛ ويستحيل أن تُخطئ إن فتحتَ قلبه أو بطنه»؛ فقال الثّالث: «أمّا أنا، فأفضّل الكُتبيّين، على طاولة الجراحة؛ فكلّ شيء فيهم، مُرتّب، مُنضّد، حسب الحروف الأبجديّة»؛ فقاطعه الرّابع: «هذا لا يكفي، فالخطأ وارد؛ أنا أفضّل الرّؤساء والوزراء على طاولتي؛ فليس هناك قلب، أخشى عليه أن يسكت، أو دماغ قد يتوقّف؛ وكلّ قطعة صالحة في أيّ موضع أضع! ياه! لو كان كلّ شيء مصنوعا على هذه الشّاكلة! لو كان،»...

*****

رَجُلٌ عضّه كلبٌ مسعور، وكان يعلم أنّه ميّت لا محالة، ولم يكن أمامه متّسع من الوقت؛ فانكبّ على طاولته يسطّر ويحبّر؛ وامرأته توارب الباب وتمدّ رأسها وتسأل: «ماذا تفعل يا عزيزي؟»، وهو يجيب: «إنّها قائمة الذين أريد أن أعضّهم»؛ ثمّ يمرّ ببصره على السّطور؛ «لا أظنّ أنّي نسِيت أحدا»؛ ثمّ عاد فأطبق على الورقة في قبضته، وهو يقول: «يا فاطمة، هذا جهد ضائع؛ لماذا أعضّهم؟ إنّهم مسعورون أصلا»؛ ثمّ يحكّ ويجرش، وهو يقول: «يا فاطمة؛ الكَلَب أَمِ الجَرَب؛ أيّهما أهون؟»؛ وهي تجيب: «الدّودة الشّريطيّة أهون! لماذا لم تختر الدّودة الشّريطيّة، يا عزيزي؟ ألمْ تترك لك الحكومة الخيار؟ (في الهم، ثمّه ما تختار)». الحكومة لم تقصّر في هذا الباب؛ مازال أمامنا حرّيّة اختيار الوباء الذي يودي...

الصحبي الوهايبي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.