عبد الحفيظ الهرڤام: انتـخـابات 2019 وفـرصة التــدارك
على الرغم من أنّه من السابق لأوانه رسم ملامح المشهد الانتخابي قبل أشهر من إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية حريّ بنا أن نتوقّف عند بعض الظواهر التي تساعد على استطلاع أفق هذين الاستحقاقين الهامين في مسيرة البلاد. وما يسترعي الانتباه في هذا الصدد إقبال ناخبين جدد على التسجيل للانتخابات التشريعية ومن المتوقّع أن يصل عددهم إلى مليون مسجّل قبل غلق باب التسجيل يوم 22 ماي الجاري. وليس هذا الإقبال سوى مؤشّر لتحوّل لافت في موقف جزء من التونسيين ولا سيّما من الشباب من العملية الانتخابية بوجه خاصّ ومن الشأن العامّ بوجه أعمّ إذ تغلّبت لديهم النيّة في المشاركة في الاقتراع على العزوف عنها. وقد يكون الدافع الأساسي وراء ذلك رغبة في معاقبة حزب بعينه أو أفراد في السلطة خيّبوا آمالهم ورأوا فيهم رموز عجز وفشل في حلّ المشاكل القائمة ونماذج لتردّي الأخلاق السياسية. لذلك لا يُستبعد أن يكون التصويت العقابي إحدى السمات البارزة في الانتخابات القادمة وقد يكون أكبر المستفيدين من ذلك القائمات «المواطنية» والتيارات الشعوبية التي أطلقت في الأشهر الأخيرة حملات انتخابية مبكّرة مردّدة شعارات خادعة ومخاتلة تبدو للوهلة الأولى حلولا سهلة لقضايا معقّدة. وقد تلقى بضاعة بائعي الأوهام هوى لدى عدد من الناخبين أمام تضاؤل ثقة التونسيين في الطبقة السياسية الحالية حكما ومعارضة والحصيلة الهزيلة المسجّلة منذ انتخابات 2014 خاصّة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. لذلك يخشى على الاستقرار السياسي في البلاد وعلى سير عمل المجلس النيابي القادم من صعود تيارات تحمل أفكارا هلامية وذات مصادر تمويل مجهولة.
ومهما يكن من أمر فإنّ الأحزاب السياسية التي تآكلت مصداقيتها تجد نفسها أمام تحدّ جسيم. فعلاوة على عقد التحالفات الانتخابية -إن اقتضت الضرورة ذلك- واعتماد أساليب مجدّدة في تسويق الصورة وعرض البرامج في ظلّ ما تشهده مكانة الأحزاب التقليدية من تراجع في العديد من البلدان وبالإضافة إلى اقتراح أجندا تشريعية لدفع العمل النيابي وتوسيع مجال المدّ الإصلاحي، يتعيّن على الحزب المشارك في الانتخابات الحرص على تقديم مرشّحين أكفاء،، متشبّعين بالوطنية وبمفهوم الدولة، قادرين على النهوض بأعباء االمسؤولية خلال خماسية مقبلة يُتوقّع أن تكون صعبة ومحفوفة بالتهديدات والمخاطر داخليا وخارجيا.
داخليــا، لن تقـــوى، في تقديرنا، أيّ حكومة قادمة مهما بلغت درجة كفاءتها على أن تواجه بسرعة تأثيرات أزمة متشعّبة عجزت الحكومات المتعاقبة منذ 2011 عن معالجتها من جذورها في غياب المنهجيّة الصائبة والتشخيص الدقيق. لذلك لن يتيسّر في ظرف وجيز إيجاد الحلول الملائمة لانخرام توازنات المالية العمومية وتحقيق الانتعاشة الاقتصادية المرجوّة ودفع التنمية الجهويّة على الوجه المطلوب وتقليص نسبة البطالة ومواجهة المطلبية الاجتماعية المرشّحة للتصاعد. ولا شكّ في أنّ الأوضـاع ستزداد تعقيدا إذا ما تشكّلت حكومة غير متجانسة من حيث برامجها وتوجّهاتها -وهذا أمر وارد- في حال عدم حصول طرف حزبي أو جبهة انتخابية على أغلبيــة برلمانية مريحة كما كــان الشأن سنة 2014، بل هـو أمر مطلوب لتفادي الفراغ الحكومي المؤدي حتما إلى حـلّ البرلمان وإعـادة الانتخابات وفــق أحكام الفصل 89 من الدستور.
خارجيا، ستكون البلاد خلال الفترة القادمة عرضة لارتدادات الأوضاع المتأزّمة في المنطقة ولا سيّما في ليبيا التي قد يطول أمد أزمتها المستحكمة، ممّا سيكون له تداعيات على الأمن والاقتصاد الوطنيين.وستكون تونس مرّة أخرى مضطرّة إلى عدم التعويل كثيرا على الاتحاد الأوروبي ولا على الــدول العـــربية الغنيّة بحثا عن موارد لتمويل ميزانيتها وبرامــجــها الإنــمائية بل لــن تجد من خيار سوى مواصلة التعامل مع المؤسسات المالية الإقليمــية والدولية ولا سيّمــا صندوق النقـد الدولي.
في هذا السياق الداخلي والخارجي بالغ الدقّة تتنزّل الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة التّي يُؤمَّل أن تكون دعامة صلبة من دعائم نجاح المسار الانتقالي في تونس وفرصة لتدارك سلبيات الفترة المنقضية قبل فوات الأوان.
يريد التونسيون من خلال هذه الانتخابات أن تجد تطلّعاتهم طريقها إلى التجسيم من غير تسويف أو إبطاء وأن تبرز نخبة سياسية جديدة مقتدرة، تدير الشأن الوطني بأمانة وإخلاص وفق خطّة طريق واضحة المعالم، بعيدا عن تأثيرات لوبيات الفساد وضوضاء الشعبويّة وإملاءات الخارج لتضع البلاد على درب الخلاص وتهيّء لها أسباب التعافي والانطلاق.
عبد الحفيظ الهرڤام
- اكتب تعليق
- تعليق
أخشى ما اخشاه، صديقي العزيز، هو أن ماكينة الانتخابات لم تعد هي الحل في خضم ما أصبحت عليه البلاد من مأساة ووهن. فقد عبرت هذه الماكينة خلال دورتين عن عدم جدواها في القدرة على المسك بزمام الأمور والشروع في الإصلاح والبناء الجدي والحال أن تشخيص الداء صار واضحا جليا للعيان إن داخليا أو خارجيا ... القضية ليست تفاؤل أو تشاؤم في نتائج انتخابات 2019, بل الأهم من هذا هو ما الجديد في إصلاح وتغيير إجراءات ماكينة الانتخابات من ناحية من قبل الانتخابات ومن ناحية أخرى لابد قبل الانطلاق في الانتخابات جبر مؤسسات نظام الحكم بعينة طالما مازلنا إلى يومنا هذا نفتقد عن قصد محكمة دستورية ومجلس قضائي أعلى قادر على حسم كل الشوائب حسما وطنيا مستقلا ومتتحررا من هوى وهيمنة الأحزاب الحاكمة الغاشمة بفعل تلوثها بالمال السياسي وعمالتها لهذا أو لذاك من أباطرة المافيا ولهذه أو لتلك من القوى الاجنبية...