عادل الأحمر: شد...شد ...العيّاش هرب!

 عادل الأحمر: شد...شد ...العيّاش هرب!

أفقت قبيل فجر هذا اليوم على نغمات هاتفي الجوال، فإذا هي زوجة العيّاش تخاطبني مشغولة البال: «صاحبك لتوّه ما روحشي، وبرطابلو ما يجاوبشي، قلبي ما قايل لي خير، ولّي نفكر فيه إن شاء الله يا ربّي ما يصير»، فقلت: «وفيم تفكرين يا سيدتي الكريمة؟»، فأجابت: «طبعا في خيانة زوجية لئيمة». لم أعلّق على تكهنات المدام، ولم أنح عليها بالملام، وذهبت في التفكير من ناحيتي إلى سهرة حمراء قد تكون سبب هذا الاختفاء، أمّا الأولاد فلعلّهم فكّروا في حادث مرور أو براكاج منحس... وكل واحد من صندوقو يلبس!

وعبثا حاولت الاتصال بالعياش، فجوّاله صامت كلمة ما يقولهاش، ماعدا تلك الجملة من العهود الخوالي: «لا يمكن الاتصال بمخاطبكم في الوقت الحالي». كما باءت بالفشل كلّ المحاولات، عندما اتصلت بأصحابنا من منظّمي السهريات، ومتعهّدي القعدات، في المقاهي والمطاعم والبارات، لكن لا أحد منهم رآه، أو كان يعرف مصيره ومأواه. عند ذلك عرفت إلّي ما عادش فيها دواء، وصار لامناص من إعلان حالة الطوارئ على أعلى مستوى، وبديت نجري ونكالي، بين مراكز الشرطة وأقسام الاستعجالي، لكن لا حياة لمن تنادي، لا هوني ولا غادي. وبينما كنت في أحد المستشفيات، ضائعا بين أنين المرضى وخصام أهاليهم مع الممرّضات، جاءني الأمر من مدام العيّاش، أن أوقف البحث والتفتيش، فالعيّاش حيّ يرزق يعيش. ولمّا سألت زوجة العيّاش أين وكيف عليه عُثِرَ، أجابتني أنّه في الحقيقة لا يوجد له أثر، فتعجّبت من هذا الأمر: «لم أفهم يا مدام : حيّ وغير موجود؟!»، فأجابت بكلّ فلسفة: «ياخي هو وحدو عايش من غير وجود؟ ماو التوانسة الكل هكّاكة عايشين: حيّين يتنفسو لكن على الدنيا غايبين». فقلت: «كلام يعمل الكيف، لكن يامدام راو الوقت موش متاع تفلسيف، بالله عليك أعطيني الخبر اليقين»، فقالــــت: «أسرع إلى البيت وسوف أعلمك الحقيقة في الحين». ولمّا دخلت بيت العيّاش اعترضتني زوجته وفي يدها رسالة خطية، قالت إنّ العيّاش تركها في بعض الأدراج مثلما يترك الميّت وصية، وقد اكتشفوها صدفة عندما كانوا يبحثون عن أيّ دليل، يشير إلى مآل العياش ويشفي الغليل. وعندما قرأت رسالة صاحبي بل أعزّ الأصحاب، فهمت سبب الغياب بل الانسحاب، فقد قرّر العياش - والكلام من رسالته - أن يهجّ إلى حيث لا يعرفه أحد، بعد أن تراكمت عليه مشاكل ليس لها حد، من فاتورات ماء وهاتف وكهرباء، طالت مبالغها السماء، إلى ديون بالملايين، جاء أصحابها بتسديدها مطالبين، إلى شيكات دون رصيد، «سيّبها» العياش منذ وقت بعيد، إلى كمبيالات ستنزل في حسابه البنكي، وهو في الرّوج منذ عهد قصى. أمّا الميزانية فهي مثل ميزانية البلاد، عاجزة إلى أقصى الأبعاد، بينما الأفواه مفتوحة من كلّ الأنحاء، بين مصاريف يومية وكراء، وتلبية لحاجات كلّ يوم تزيد، من لباس للأولاد ودراسة وتفرهيد، ولمطالب المدام سيّدة القلب، وقد اقترب موعد عيد الحب... وبعد أن قرأت الرسالة وما نقلته من دمّار، حمدت الله على  أنّ العيّاش لم يعلن الانتحار، ولعلّه فكّر في زوجته و«الصغار»، فاكتفى بإعلان الهروب والهجّة، دون إحداث كبير ضجّة...فهل كان له مشروع حرقة إلى ما وراء البحار، أم تراه خلّى أهل البلاء في البلاء ليختفي مدّة عن الأنظار؟ لكن أين وكيف وحتّى  لوقتاش؟ حملت هذه الأسئلة إلى الفراش، وأنا مطمئنّ -  أقلّ حاجة -  على حياة العيّاش، مرجئا مواصلة البحث عنه إلى حين إغفاءة قصيرة، تزيل عنّي بعضا من أتعاب تلك الليلة العسيرة. ويادوبك خذاتني عيني، حتّى سمعت رنين جوّالي يناديني، فإذا هو العيّاش على الخط، وإذا بي من الفرحة نتهز ونتحط. ودون أن أترك له مجالا للسلام، أو فسحة للكلام، انفجرت في وجهه: «ماقصّرتش سي الشباب! والله لا تحشمها، لقد أذقتنا كلّ أنواع العذاب! بالكشي تسحايب روحك من عمر لولاد الصغار، تخلّي عايلتك وتهرب م الدار، وتخمّم كيفهم في حرقة، يمكن توفى لك بغرقة ...».

ولم يتوصّل العيّاش إلى قطع سيل هجومي عليه إلا بعزيمة قويـــّــة: «بالشّويّة علي بالشّويّة! ياخي علاش تحكي يا سي فلان؟ آمّا هربة وآمّا حرقان؟ ياخي كنت تحلم ولا صادك جان؟ برّه يعيش ولدي، شوف طبيب ولاّ عزّام وراسو عريان!»، فقلت: «سامحني، ياخي ماهربتش م الدّار، وخلّيت – بالأمارة - جواب تشكي فيه م الدمّار، لي لزّك ع الهربة في عوض الانتحار؟» ،فضحك العيّاش حتّى غصّ، ثم سألني: «قل لـــي: آش تعشيت البارح يا عمري ؟»، فأجبت : «مدفونة بالهرقمة البقري»، فقال: «عاد قل لي هكة باش نفهم... ياولدي راك كنت تحلم! وهاو نعطيك من عندي نصيحة: خفّف من عشاء الليل خير ما نجي نعطيك طريحة !».

عادل الأحمر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.