عادل الأحمر: عايش في الموازي

 عادل الأحمر: عايش في الموازي

منذ اندلاع الثورة المجيدة، اكتسب صديقي العيّاش سلوكات جديدة، من ذلك أنّه لم يعد معترفا، وهو في سيارته، بالضوء الأحمر ولا بالأولوية، وأصبح - من هذه الناحية – قريبا من جماعة ماوتسي تونغ في عهد الثورة الثقافية، إذ قرّروا أنّ اللون الأحمر، وهو لون الشيوعية، لا يمكن أن يوقف مسيرة الشعب في الحافلات وعلى الدراجات النارية. كما تبنّى العياش، بدلا من قانون المرور، قانون الغاب في تحديد الأولوية، فأصبح يفتكّ الأسبقية لمن دونه من السيّارات الصغيرة، و«يسلّم» فيها ذاعنا لأصحاب الأحجام الكبيرة ... والسيارات مثل الناس أحجام، عمالقة وأقزام.

كذلك ألغى العياش من قاموسه رخصة البناء، ولعب فيها كما شاء، فاستغل غياب أعوان الترتيبات، ليضيف إلى السور ياجوارات، ويبني دون استئذان الجار، ستوديو في الجنينة وراء الدار- ولماذا تريدون أن يحرم العياش نفسه من هذه الإضافات، وقد شهد بعينه تهافت جيرانه على التوسع المعماري في كل الاتجاهات، وبناء الأكشاك فوق الطروطوارات؟

لكن أكبر ما حققته الثورة من إنجاز، هو إقامة عالم مواز، يتعايش مع العالم الرسمي وينافسه، بل يتفوّق عليه ويتجاوزه. عن هذا العالم الموازي، حدّثني العيّاش عندما سألته أن يدلّني على محلّ لبيع التلفاز، فنصحني ألا أقصد مغازة من النوع «المذخم» الممتاز، وتبرّع بمصاحبتي إلى سوق في الأحواز، تباع فيه البضاعة المهرّبة، بأسعار مخفضّة، وتسهيلات ميسّرة.

وفي الطريق إلى السوق، روى لي العيّاش حكايته مع عوالم الموازي والمهرّب والمسروق: «أوّل من سمعت عن الموازي بعد الثورة التونسية، كان بمناسبة تعرّفي على رياضة الزمقتال السلفية، إذ كثر الحديث وقتها عن فنّ قتالي جديد، ابتكره تونسي من وحي تراثنا المجيد، وهو عبارات عن تشكيلة من الحركات الدفاعية، والضربات القوية، وهي ضربات موجعة دون شكّ ولا اختلاف، تتوزّع بين «الموازي» و«الخلافي»، في نسخة معرّبة، لرياضات قتالية آسيوية مجرّبة».

وبعد مدّة، علمت بوجود فضاء مواز يعمل ببنزرت خارج المحاكم، ينصف المظلوم ويحكم على الظالم، منتصبا للعدل ومقاومة الجريمة، في محل لبيع الملابس القديمة، ثم رأيت في التلفزة دوريات شرطة سلفية موازية، تجوب مدينة صفاقس حاملة السلاح والالوية. إلا بعد تنديد المعارضة بجهاز الامن الموازي الذي في الداخلية، وتأكيد خبراء الاقتصاد، لاستفحال التجارة الموازية في البلاد، وانتصارها بالضربة القاضية، على التجارة المنظمة بالقوانين والتراتيب الجارية.

عندها أدركت أننا، بفضل ما أحدثته الثورة من تغيير، دخلنا عالم الموازي من بابه الكبير...لكنني سأفاجئك يا صديقي بمعلومة مفيدة: لقد طرقت هذا الباب قبل ثورتكم العتيدة، وكنت سبّاقا مع كثير من أبناء هذه الأمة، إلى اقتحام عالم الموازي دون علم لي  بأنّه هكذا يسمّى فكنت مثل الماريشال عمّار العظيم، الذي كان يقول النثر وهو بذلك غير عليم».

عند هذا الحدّ من الكلام قاطعت العياش لأوّل مرّة: «أتريد أن تقول لي إنّ ظاهرة الموازي كانت موجودة قبل الثورة، وإنّك من الرواد الأبطال، في هذا المجال؟ «فابتسم العيّاش قبل أن يجيب: «لا بطولة ولا هم يحزنون، لكنّكم نسيتم أو هكذا تدّعون، ألم تكن «أسواق ليبيا» في كلّ مكان، تبيع من البضائع المهرّبة شتى الألوان؟ وماذا تسمّي الدروس الخصوصية؟ أليست نوعا من النشاط التعليمي الموازي للدروس الرسمية؟ ثم ألم تكن لبعض أصدقائنا زوجات موازية، وحياة ثانية، معلنة أو خافية؟ لكن رد بالك تجبد ها لكلام، قدام المادام، لا ترسّي الليلة في سين وجيم للصباح، وتتجاوز بيني وبينها للكلام المباح».

ومع هذا الكلام الذي أوجز رحلتنا، اقتربنا من مقصدنا، وأخذ العيّاش يسأل عن محلّ بيع التلفاز، فقيل له: « إنه في النهج الموازي»!.

 عادل الأحمر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.