الإحصائيات حول السياحة التونسية: النوم في العسل
نحن الآن في بدايات العام 2019، وأحدث الأخبار المنشورة في الموقع الرسمي لوزارة السياحة والصناعات التقليدية تعود إلى عشرة شهور خلت: إعلان عن الخطة الوطنية لتنمية قطاع الصناعات التقليدية، وخبر عن زيارة وزير الأمن البريطاني إلى بلادنا، وخبر آخر عن زيارة سلمى اللومي وزيرة السياحة إلى الصين، رغم أنّها فارقت الوزارة وتركت مكانها لوزير جديد لا أثر له في هذا الموقع.
يبدو الزمن متوقفا في واحدة من أهم الوزارات وأكثرها حاجة إلى التواصل الالكتروني مع العالم، لا ننكر هنا أنّ المواقع الدعائية التي أطلقتها الوزارة عبر الديوان الوطني للسياحة تعمل بشكل جيد وبلغات مختلفة لعرض محتويات الجذب السياحي التقليدية، وأنّ السائح الذي يفكر في زيارة بلادنا ويريد أن يطلع على ما توفره من عروض عبر الانترنت سيجد ضالته بسهولة، لكن الأمر هنا يتعلق بالخدمة الإخبارية، وهي تهم فئة أخرى من مستخدمي الانترنت، ويفترض أن تكون متوفرة ومتاحة بشكل حيني.
في قضية الحال نريد التوسع في المعطيات التي صرّحت بها الوزارة وتناقلتها وكالات الأنباء عبر العالم حول ارتفاع عائدات القطاع السياحي بنسبة 42 % وتجاوز عدد السياح الثمانية ملايين سائح خلال العام 2018، فهذه المعطيات يمكن أن تكون منطلقا لمقاربة صحفية أشمل تتطرق إلى واقع القطاع السياحي في ظلّ الأزمة الاقتصادية الراهنة وعلاقة هذه الأرقام «المطمئنة» بطاقة القطاع السياحي التشغيلية ودوره في دعم احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة. كما يمكن أن تخضع لقراءة مقارنة من خلال مواجهتها بالأرقام المماثلة التي تمّ تحقيقها في السنوات السابقة،فأين يمكن أن يجد الصحفي الأرقام الموثقة؟
الإحصاءات التي يقدمها الموقع بشكل تفصيلي تحت عنوان «السياحة في أرقام» والصادرة عن إدارة الدراسات تشمل فقط الفترة من 2009 إلى 2016، وفي بوابة البيانات المفتوحة التابعة للحكومة نجد كل القطاعات الاّ السياحة رغم أنّها في المنوال الاقتصادي الراهن أحد أعمدة الاقتصاد الوطني. وباستعمال محرك البحث لا نجد عبارة «السياحة» في قاعدة البيانات الا في مصدر واحد مستخرج من البوابة القطاعية للفلاحة حول «تطور استهلاك الماء الصالح للشراب على مستوى قطاع السياحة».
في موقع إحصائيات تونس الذي يديره المعهد الوطني للإحصاء فصل كامل يخصّ السياحة، ويعرض بيانات حول المؤشرات العامة للقطاع، والليالي المقضاة في الفنادق وحركة الدخول والخروج. وكل البيانات تتوقف عند حدود 2015، بما في ذلك عدد المنشآت السياحية وطاقة الاستيعاب والعائدات من العملة الصعبة. بينما تتوقف حركة دخول السياح وخروجهم عند حدود 2016، ورغم أنّ آخر تحيين لهذه المعلومات وقع في شهر أوت 2018 وأنّ مصدر هذه البيانات هو وزارة الداخلية والتنمية المحلية المشرفة على المعابر الحدودية فإنه لا يمكن العثور على أرقام 2017 و2018 باستخدام قاعدة بيانات الموقع وينبغي الاطلاع عليها مفصلة في آخر نشرية شهرية للمعهد (أكتوبر 2018) وهي صورة رقمية من الكتاب الورقي. لا يختلف الأمر كثيرا في بنك البيانات الإحصائية الذي يتيح تنويعا أكبر في مداخل البحث ويتطرق مثلا إلى نفقات الأسر التونسية في المقاهي والفنادق وأثناء العطل حيث تتوقف المعطيات كذلك عند حدود العام 2015.
يطرح هذا الوضع إشكالات هامة على عدة مستويات، أولها المستوى الاتصالي، فمن الواضح أنّ البيانات متوفرة لدى الوزارة لكنها تحتكر عرضها وتوزيعها ولا تتيحها للعموم عبر قواعد البيانات المفتوحة، وإنّما تتصرف فيها بطريقة عمودية، فكل وكالات الأنباء التي نقلت المعطيات الحديثة المتعلقة بارتفاع عائدات الموسم السياحي خلال سنة 2018 استندت إلى ما وصفته «ببيانات إحصائية رسمية نشرتها الوزارة» دون أن نعثر على المكان الذي نشرت فيه الوزارة هذه البيانات، كما أنّ كل محاولات البحث عن معلومات إحصائية موثقة عبر محرك البحث غوغل ستفضي إلى معطيات جهوية مبعثرة تتناول فترات مختلفة من العام يقدمها بعض مندوبي السياحة في المجالس الجهوية أو في حوارات صحفية لكنها لا تغطي بصفة آلية وعلمية كامل الفضاء الجغرافي السياحي، بينما المكانُ الطبيعي لتلبية مثل هذه الحاجة هو الموقع الرسمي الذي يبدو أنّ الوزارة تخلت عنه كليا، فعلاوة على الانقطاع نهائيا عن تحيينه، لا تؤدي عناوينه إلا الى صفحات بيضاء، وكان يحسن أن يتم حجبه إلى حين النظر في أمره بجدية.
الإشكال الثاني سياسي، فإهمال واحدة من أكثر الوزارات أهمية اقتصادية موقعها الرسمي واستخفافها بحق النفاذ إلى المعلومة أمران يتعارضان شكلا ومضمونا مع سياسة الحكومة التي تعمل على تطوير الحوكمة الالكترونية، وترصّع بوّابتها على الانترنت باستراتيجية تونس الرقمية وبرنامج الحكومة الذكية 2020، إنّ مثل هذه الإخلالات تكشف المسافة الحقيقية الفاصلة بين الواقع الرديء والتطلعات الطموح، وهي مسافة يتطلب قطعها تغيير العقليات قبل توفير الإمكانات، فهياكل الإعلام بالوزارة منصرفة كليا إلى الاهتمام بصفحة الفايسبوك التي لا يمكن أن تكون بديلا مقبولا عن الموقع الرسمي خصوصا وهي مكرسة كليا لتغطية نشاط الوزير، فلا تفوتها في ذلك شاردة أو واردة من حركاته وسكناته وتبدع في ذلك كثيرا.
يتطلب الأمر حينئذ الفصل بمنتهى الوضوح بين الإعلام والدعاية، ووضع دليل موحد للإجراءات بين مختلف الهياكل يوضح آجال إنتاج البيانات الإحصائية وسبل توزيعها، فضلا عن ترتيب أدوات الاتصال ووضع الشبكات الاجتماعية في المرتبة الثانية بعد المواقع الرسمية التي ينبغي أن تظل قبلة الباحث الأولى.
عامر بوعزة
- اكتب تعليق
- تعليق