المنصف لزعر لم ينحنِ إِلَّا للموت
خرج المنصف لزعر من الدّنيا أمس كما حلّ بها في صمت وسكون يليق بالعظماء.. لقد نحت المنصف لزعر بإبداعاته المتواصلة منذ ظهور التّلفزة التّونسيّة شخصيّة الفنّان المتميّز الضّارب دوما في مجال البحث والتّجديد: في المسرح كتابة وتمثيلا وإخراجا، في الدّراما التّلفزيونيّة كتابة وتمثيلا فبرز في الثّمانينات والتّسعينات وما بعدهما وجها فنّيّا أبهر المتفرّجين والنّقّاد الصّحفيّين بقوّة شخصيّته وقدرته على تجسيم أشدّ الأدوار تركيبا وتعقيدا.
من لا يتذكّر مسلسل "الحصاد" ومن لا يتذكّر مسلسل "غادة"، ومن لا يتذكّر المسرحيات الكثيرة التي ألّفها وتولّى إخراجها والتّمثيل فيها.
برز المنصف لزعر كما تبرز النّجوم السّاطعة تضيء ما حولها، وكالنّجم السّاطع لم يخفت نوره.. لم يستمدّ القوّة والشّهرة من أحد أو مجموعة أو هيكل بل حفر بأظافره الصّخر لينحت ملامح الفنّان الأصيل مع كلّ عمل جديد.
منذ أكثر من سنة جلست وإيّاه في إحدى مقاهي المنار فبدا لي نحيلا ومتعبا لكنّ نظره لم يفقد ألقه ولم تنطفئ فيه شعلة الذّكاء والإصرار على الإبداع والتّميّز وقد كان ساعتها يتعرّض لأكبر مظلمة تلفزيّة لن أتحدّث في تفاصيلها ولا في الذّين عملوا بدهاء من أجل إقصائه خارج دائرة الأضواء.
تحدّث إليّ بحسرة وأسف ولكنّه كان مصرّا على التّحدّي والمواجهة مؤكّدا على أنّه لن ينحني أمام أيّ أحد إذ الإبداع موقف ورجولة في الزّمان والمكان ولا يهمّه أن غصّت السّاحة الفنّية بمتنفّذين مرابين أقرب إلى السّماسرة منهم إلى المسؤولين فلا أحد يمرّ إلاّ إذا دفع الجباية.
ما أظنّ أنّ أحدا ممّن وضعتهم المحاصصات الحزبيّة في كرسيّ المسؤوليّة على مؤسّسات الفنّ والثّقافة والإعلام والسيّاسة قد زاره وهو على فراش المرض والمعاناة.. غير أنّني متأكّد من أنّ المنصف لزعر لم يكن يرغب في أن يزار من طرف أيّ منهم لأنّهم بزيارته قد يدنّسون مسيرته الإبداعيّة الرّائعة التي عاشها ورأسه مرفوعة ونفسه عزيزة.
لقد عاش المنصف لزعر كريما ومات عاليّا كريما.
عبد القادر بن الحاج نصر
- اكتب تعليق
- تعليق