مختار اللواتي: ساعة الحسم
لن أضيف جديدا حين أقول إن الإتحاد العام التونسي للشغل وُلد من رحم تونس الأم .. تونس الوطن .. تونس الشعب.. ليسقي بذرة حبها وحبه في أفئدة كل بنات وأبناء هذه الديار فينهضوا متحدين ليدافعوا عن كرامتهم وسيادة وطنهم قبل، أو بالتوازي مع الدفاع عن حقوقهم المادية!
لن أضيف جديدا حين أقول إن قيادة المنظمة الشغيلة، ككل قيادة في أي تنظيم نقابي أو سياسي في العالم أجمع، عرضة للخطإ وللنقد في نفس الوقت. ولكن ذلك لاينال من شرف المهمة التاريخية النبيلة التي تناقلتها أجيال وراء أجيال من القيادات ومن الكوادر في صلب ذلك الصرح العتيد، الإتحاد العام التونسي للشغل، عن الجيل المؤسس بقيادة إبن الوطن البار، خالد الذكر، الزعيم فرحات حشاد، بما وهبه المولى من ذكاء وقاد وحكمة وضاءة وشجاعة نادرة وحب فياض لشعبه، مع تواضع يندر مثيله!
إن هذه المهمة النبيلة لا تزيد على الإنتصار للشغالين ولضعاف الحال ومن ورائهم للشعب بتمامه وكماله يوم لايجد له نصيرا، ويوم يستفرد بهم وبالشعب أعداؤهم من المتربصين بهم من وراء البحار والمحيطات والصحاري، ومن أبناء جلدتهم فاقدي الضمير، خائني الأمانة، بائعي الوطن. ولعل تصدي الزعيم خالد الذكر فرحات حشاد بكل شجاعة ونكران تام للذات، لتحمل مسؤولية قيادة الحركة التحريرية الوطنية ساعة إلقاء القبض على قيادتها السياسية في ساعة الحسم الأخيرة، مما كلفه حياته، لأكبر دليل على عدم الفصل بين النقابي والسياسي الوطني ساعة الحسم!
مفهوم العمل السياسي الذي استلهمه النقابيون من زعيمهم وزعيم الشعب وقت الشدة، ليس ذلك المفهوم البسيط المتداول في النطاق الحزبي، وأعني خوض سباق الحملات الإنتخابية للظفر بالكمِّ الكافي من أصوات الناخبين من أجل مسك زمام السلطة والحكم!
إن مفهوم العمل السياسي الذي توارثه وتعلمه أبناء وأحفاد حشاد العظيم عن زعيمهم المؤسس، لم يكن ولن يكون وصول منظمتهم إلى سدة الحكم، منفردة أو بالإشتراك مع أطراف سياسية. بل هو يتمثل في دراسة منظمتهم لأي مشروع برنامج تنموي حكومي للتأكد من كونه في صالح جميع فئات الشعب وفي مقدمتها الفئات المحرومة والضعيفة، وفي دفاعها عن تصورها بالوثائق والأرقام، وببقية الوسائل المشروعة عند الضرورة، في حال لاحظت زيغ ذلك البرنامج عن تلك الغاية الأساسية للحكم وهي التنمية العادلة والشاملة وفق حوكمة رشيدة تساوي بين جميع المواطنين والجهات وتُعلي من شأن الدستور وقوانين البلاد وتحترم السيادة الوطنية للبلاد.
وما أرى الإضراب العام الذي أعلنه الإتحاد العام التونسي للشغل في قطاع الوظيفة العمومية لنهار اليوم الخميس 22 نوفمبر 2018، إلا تكريسا لهذا الدور ولهذا المفهوم أكثر منه تحرك مطلبي للزيادة في أجور الموظفين وتحسين قدرتهم الشرائية المهترئة تماما مثل حال القدرة الشرائية لبقية الشغالين في كل المواقع، وباقي الفئات الشعبية.
إن شعبنا يعيش واحدة من أحلك مراحل تاريخه منذ زمن الإستعمار المباشر. وإذا كان الشعب وقتها واقعا تحت هيمنة عدوٍ واحدٍ مكلكلٍ على أرضه بقوة السلاح، وهو مالم يمنع أبناءه البررة من الإستبسال في المقاومة من أجل استرداد كرامتهم وسيادتهم على أرضهم، فإن شعبنا اليوم قد تألبت عليه قوىً معاديةٌ عديدة، وإن بدت متناحرة متصارعة، فهي متحدة على نهش لحمه حتى العظم وبيعها قطعة قطعة لقوات استعمار جديد إستعاضت عن الدبابات بالبنوك العملاقة العالمية وسماسرة البورصات من حولها، وعن الجنود المدججين بالسلاح بعملاء دربتهم على أقذر الأدوار والمهمات، فانطلقوا لاهثين وراء مصالحهم واخترقوا سدة الحكم ومراكز النفوذ وتشكلوا في لوبيات فساد وإفساد متشعبة ومتشابكة، وانخرطوا جميعهم في مؤامرة تفكيك أواصر الشعب وإذلاله وإعادة استعباده. وهو، من نكد الدنيا، أقدم شعوب الدنيا التي ألغت الرق واستعباد البشر!!
فأن يقف الإتحاد العام التونسي للشغل إلى جانب الشعب في محنته بهذا الإضراب نهار اليوم فبارك الله فيه، وإن كان ذلك من صميم دوره! لكن مايحتاجه الشعب لايلبيه إضرابٌ بيوم على أهميته!
إن مايحتاجه الشعب هو عمل نضالي سياسي وطني، سلمي طبعا مثل الإضراب العام، لتحريره من هذا الكابوس الفظيع!
إن الدور ملقى اليوم على الطيف التقدمي والديمقراطي الوطني بكل ألوانه وتفرعاته لرص صفوفه وتوحيد كلمته على هذه الغاية النبيلة، بنبذ الأنانية والتخلي عن النزعة الزعامتية وتقديم التنازلات الضرورية لإطلاق هذا المسار من اليوم في اعتصام مفتوح أمام مجلس نواب الشعب حتى بعد انتهاء الإضراب، يكون الرحيل والسيادة الوطنية هما شعاراه المركزيان.
إن هدف هذا التحرك يكون فرض تشكيل حكومة تصريف أعمال تتألف من خبراء وطنيين أكفاء ثقاة ونظيفي الأيادي تباشر تنفيذ برنامج إنقاذ عاجل والإعداد للإستحقاقات الإنتخابية القادمة في نهاية 2019 بكل نزاهة واستقلالية!
إن مهاما وطنية سلمية كهذه لانتشال البلد من الحضيض الذي أوقعوه فيه وإنقاذ المسار الديمقراطي من العبث والتخريب الممنهجين اللذيْن يتعرض لهما، لهي من أوكد المهام التي تستدعي وحدة الصف وقوة العزيمة..
لاتكثروا من الجدل يا رفاق ويا أصدقاء.. فالخير بيّن والشر بيّن.. الصواب بيّن والخطيئة بيّنة..
أم إننا استحلينا المهانة والذل؟
لقد نفد الصبر!..
ولكن حب الوطن باق !..
مختار اللواتي
- اكتب تعليق
- تعليق