أربعينية الفقيد عبد الستار مبخوط :الخبير الاستثنائي

بمبادرة من شركائه في مؤسسة برايس ووترهاوس كوبرز  «P W C» احتضن أحد نُزل ضفاف البحيرة أربعينية الفقيد عبد الستار مبخوط بحضور خبراء محاسبين وجامعين وكذلك عائلة الفقيد وأصدقائه في المسرح والإعلام وفي الترجي الرياضي التونسي.

افتتح حفل التأبين بفلم وثائقي قصير حول المسيرة المهنية والجمعياتية للفقيد من إعداد الأخ الأصغر العميد شكري مبخوط وإخراج الزميل رشيد تمر تلته كلمات رثاء ووفاء مؤثرة لشركائه وأفراد عائلته وزملائه و هذه كلمتي في تأبين هذا الصديق العزيز والزميل الاستثنائي:

انطلقت رحلة الحياة في6 فيفري 1953 بحي الحلفاوين بتونس العاصمة وسط عائلة مناضلة محافظة منسوبة للحزب الدستوري القديم، حزبالثعالبي. زاول تعليمه الثانوي في مرحلته الأولى بالعلوية, كان من أنجب النجباء ولكنه كان تلميذا خجولا بسبب التربية المحافظة.

وفي المرحلة الثانية من التعليم الثانوي بمعهد مرسيليا اكتشف ضالته الأولى في الحياة المسرح ونشط في الفرق المدرسية والهاوية.

تعلم فن المحاكاة ونما حسه الثقافي وتحسنت لديه مهارات التواصل اللغوي والفصاحة والإقناع.

وفي دراسته العليا اكتشف ضالته الثانية وهي المحاسبة، هذا الفن الذي في ظاهره علوم بسيطة وفي باطنه مبادئ وقيم ومعلومة كاملة ذات دلالة, وميزان.

أبحر في المعايير العالمية للمحاسبة وفهم ضوابطها ومتغيراتها وأدرك جوب توحيد قواعدها عالميا، فكانت موضوع أطروحته لنيل ديبلوم الخبرة في المحاسبة.

أثمر هذا التلاقح بين فنّ المسرح وفنّ المحاسبة رجلا استثنائيا جمع بين المسرحي المبدع والباحث والمفكر النير.

كان يمتاز بجرأته وصراحته ونقده للمنظومة القائمة ومقاومته للفساد والزبونية. 

هو إنسان حر, طليق اللسان, دافع بشراسة عن الحوكمة الرشيدة وخاصة الشفافية الجبائية، والتي طبقها على نفسه وعلى شركائه وحرفائه وذلك طيلة حياته المهنية.

هو من الآباء المؤسسين لنظام المحاسبة للمؤسسات سنة 1995، وكانت مساهمة فعالة في إرساء نظام منفتح على المعايير العالمية.دافع بشراسة عن سنّ إطار مرجعي هو في حد ذاته موسعة علمية سلسة لفهم ركائز المحاسبة ودليل المحاسبين لإعمال العقل في فهم المعلومة الحسابية وتفسيرها ومعالجتها.

ساهم في تبنّي تونس لهذه المعايير وانفتاح المهنة على العالمية و ذلك بإصداراته الدورية لدليل معايير المحاسبة العالمية.

الإبداع لا يكون أحديّ البناء والحياة لا تكون جميلة إلا بوجود أحبّة صادقين أوفياء : رشيد تمر وأحمد بالعيفة وعبد الرحمان فندري ومبروك المعلاوي شركاء عبد الستار في السرّاء و الضرّاء.

في السرّاء أسسّسوا معا مكتب تدقيق واستشارة منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي ونجحوا في تمثيل أكبر شركة محاسبة تدقيق في العالم «P W C». هم في الحقيقة نسخ مطابقة في الخصال والأخلاق، نجاحهم هو مفخرة للمهنة ولتونس.

هذا الرجل ساهم في تكوين أجيال من الطلبة المحاسبين بمهارته في الإلقاء والتواصل بتمكنه من علوم الاقتصاد والتصرف والمحاسبة.

ولم يقتصر تواصله فقط مع الجامعة والمهنة بل استفاد من قدراته المجتمع المدني والجمعيات و خاصة منذ سنة 2011 وذلك بمحاضراته في الملتقيات وتدخلاته الرشيقة في الحوارات التلفزية والإذاعية.

قدم أفكارا رائدة لفريقه الترجي الرياضي التونسي وساهم في نجاحات النادي وفي تطوير إدارته وتحسينها، طبق الحوكمة الرشيدة وحسن التصرف المالي في الجمعية، وكان هدفه خلق موارد قارة للنادي ودعم ديمومته واستقلاله المالي.

كان المرحوم أنيقا في لباسه، شوشا, دائم الابتسامة محبّا للفن و الطرب, يهوى النقاش ومقارعة الحجّة بالحجّة. أفكاره اليسارية تبدو أحيانا فوضوية لكن في عمقها هي أفكار نبيلة تتوق نحو مجتمع تسوده العدالة والرخاء. كان مُحِبّا للعمل دون حدود.

تحدّى هذا الرجل في أواخر شهر أوت الماضي الأمطار والرعود والمرض والألم بالتحوّل مباشرة من المصحة ليترأس اجتماع لجنة التدقيق المالي لأمان بنك وذلك لمدة ساعتين وليعود مباشرة للمصحة ولكن،

حُكمُ المنيًّةِ في البَرِيًّةِ جارِ

ما هذه الدُّنيا بدارِ  قرارِ

ليس الزمانُ وإن حرصتَ مُسالماً

خُلُقُ الزمانِ عداوَةُ الأحرارِ

هذا هو أحد أحرار تونس عبد الستار مبخوط.

عبد الرزاق معالج
خبير محاسب