محمد إبراهيم الحصايري: تونس والميثاق الدولي للإعلام والديمقراطية

محمد إبراهيم الحصايري: تونس والميثاق الدولي للإعلام والديمقراطية

في الكلمة التي ألقاها "من القلب" لا "من الورق" في "مؤتمر باريس للسلام" الذي انتظم يوم الأحد 11 نوفمبر الجاري بالعاصمة الفرنسية بمناسبة مرور مائة سنة على انتهاء الحرب العالميّة الأولى، أعلن رئيس الجمهورية أنّ تونس تدعم مبادرة "التحالف الدولي من أجل الإعلام والديمقراطية" التي أطلقتها منظمة "مراسلون بلا حدود"، والتي ترمي، في غضون سنة، إلى إصدار "ميثاق دولي للإعلام والديمقراطية"، وأكّد أنها منخرطة، بعمق، في مجمل المبادئ والقيم التي تدعو إليها هذه المبادرة خاصة وأنّها، باعتبارها ديمقراطية ناشئة، بصدد تجربة تطبيق إعلام حر وديمقراطي وتعددي.

وبعد أن شدّد على أنّه "لا توجد ديمقراطية دون حرية الصحافة وحرية التعبير"، قال الرئيس إنّ تونس أعدّت الأرضية الضرورية لتكريس مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان، أولا من خلال تعميم التعليم، وتحرير المرأة، وثانيا من خلال إفساح المجال واسعا أمام العمل الإعلامي الحر، حيث أصبحت البلاد تتوفر اليوم على 85 صحيفة، و82 موقعا ألكترونيا للأخبار، و40 محطة إذاعية و18 قناة تلفزية.

كما أكّد، وهذه المرة في الكلمة المكتوبة التي سُلِّمَت إلى "منظمة مراسلون بلا حدود" أنّ الدستور التونسي يضمن مجمل الحقوق والحريات للمواطنين ومنها حقّ النفاذ إلى معلومة حرة وموضوعية ومسؤولة، كشرط لتحقق مواطنة واعية وفعلية، وأنّ "هيئات مستقلة، تسهر، يوميا، على حرية ممارسة هذا الحق في الصحافة المكتوبة وفي المجال السمعي البصري"، هذا علاوة على أنّ "النفاذ الحر إلى الشبكات الاجتماعية ساهم في توسيع فضاء الإعلام المشترك والمعولم إلى حدّ يجد فيه المواطن العادي نفسه مغمورا، بشكل آني، بتدفّق متواصل من المعلومات متفاوتة القيمة".

وقد لاحظ، من ناحية أخرى، أنّ فضاء الإعلام المشترك والمعولم "يتطلب التعديل والتوجيه والسهر على احترام الجانب الأخلاقي فيه، لتسوسه على الدوام مبادئ الإعلام الجيد والعادل والديمقراطي".

وما من ريب أنّ الموقف الذي عبر عنه رئيس الجمهورية هو الموقف المنتظر منه ومن تونس، إذ لا يمكن لبلادنا إلا أن تدعم مبادرة "التحالف الدولي من أجل الإعلام والديمقراطية"، غير أن ملاحظته الأخيرة تقتضي التأكيد على أن الدعم التونسي لا يجب أن يكون بالقول فحسب، وإنما يجب أن يكونّ بالفعل أيضا.

وحتى يكون الدعم فعليا وفاعلا حقا، فإنّ المطلوب من تونس أمران اثنان، ينبغي أن يتحققا بالتوازي بينهما، وأول هذين الأمرين هو أن تسهر بلادنا على تنظيم مشهدها الإعلامي الداخلي الذي بات يعاني من الكثير من الفوضى، والتسيّب، والانحلال، وغياب القواعد القانونية والأخلاقية التي يفترض أن تضبط كل إعلام حر ومسؤول وقادر على ضمان ديمومة البناء الديمقراطي.

أما ثاني الأمرين فهو يتمثّل في ضرورة مشاركة تونس، عمليّا، في تصور وصياغة محتوى الميثاق الذي ينتظر أن يتم إعداده وإصداره حتى يعكس بحق رؤى ومصالح مختلف دول العالم، ولا يكون كالعادة وكالعديد من المواثيق الدولية الأخرى آحادي التصوّر والصياغة...

ومن المفيد هنا التذكير بأنّ اللجنة الدولية المستقلة للإعلام والديمقراطية التي كانت أحدثت، قبل سنة، بمبادرة من منظمة "مراسلون بلا حدود" والتي تألفت من خمس وعشرين شخصية عالمية، نشرت في 5 نوفمبر 2018، "إعلانا دوليا للإعلام والديمقراطية" دعت فيه، رسميا، إلى إعداد "ميثاق دولي للإعلام والديمقراطية"، واقترحت أن يرتكز الميثاق على أهم التوجهات التالية:

  1.  أن يتخذ من إعلان اللجنة قاعدة لعمله، حيث أنّه ينص على الحق في إعلام موثوق، واحترام الحياة الخاصة، وشفافية السلطات، في إطار ما سمته "سياق العولمة والرقمنة وتقلب الفضاء العمومي".
  2. أن يعتبر الفضاء العالمي للإعلام والاتصال ملكا مشتركا للإنسانية، وأن يضمن لهذا الفضاء مستلزمات الحرية والتعددية ونزاهة المعلومات.
  3. أن تكون الغايات الكبرى من وضع الميثاق هي رفع الرقابة السياسية عن الصحافة ووسائل الاعلام، ووضع حد ّلأشكال العنف الذي يتعرض له الاعلاميون، ومكافحة الإعلام الكاذب والمضلِّل على الواب، وإيجاد الحلول اللازمة لهشاشة الأوضاع الاقتصادية للصحافة الجادة والجيدة...
  4. أن يؤكد على ضرورة أن تحترم المؤسسات الكبيرة للشبكة العنكبوتية المبادئ الأساسية للإعلام المسؤول اذ يعود اليها خاصة ضمان التعددية ووضع اليات النهوض بالإعلام الموثوق. 

وفي الوقت الذي تشهد فيه الساحة الإعلامية الدولية، والساحات الإعلامية الداخلية في العديد من دول العالم ومنها الساحة الإعلامية في بلادنا، الكثير من التجاذبات لأسباب عديدة ومختلفة، ينبغي، في نظري، أن تتعبّأ جميع دول العالم وخاصة، دوله الصغيرة، لكي تسهم في تحديد المبادئ التي سينبني عليها الميثاق المزمع إصداره، والضمانات التي سيقرّها من أجل إيجاد "إعلام تعددي ديمقراطي حرّ نزيه ومسؤول وذي مصداقية".

وانطلاقا من أنّ اللجنة الدولية المستقلة للإعلام والديمقراطية دعت إلى تشكيل فريق دولي من الخبراء بشؤون الإعلام والديمقراطية لإعداد هذا الميثاق، فإنّه من المهم أن تكون تونس عضوا في هذه اللجنة، وأن تسهم مساهمة قيمة في أعمالها.

محمد إبراهيم الحصايري

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.