كلمة نونس في الأمم المتحدة : تكريس مبدإ الشراكة والمساواة في العلاقات الدولية
قال خميّس الجهيناوي في الكلمة التي ألقاها يوم الجمع 28 سبتمبر 2018 باسم تونس في أعمال الدورة الثالثة والسبعين للأمم المتحدة بنيويورك إنّ اختيار محور "جعل الأمم المتحدة ذات جدوى للجميع : قيادة عالمية ومسؤوليات مشتركة من أجل مجتمعات مستدامة يسودها السلام والتكافؤ"،يعكس تطلع الجميع إلى منظمة كونية قادرة على التعاطي الفاعل مع التحديات الراهنة ويؤكد الإرادة المشتركة التي تحدو الجميع من أجل مزيد دعم المنظمة الأممية وتعزيز دورها في خدمة السلم والأمن وبناء علاقات دولية أكثر تكافُؤا ومساواة، بما يسهم في دفع جهود التنمية المستدامة.
وأضاف أنّ مواجهة هذه التحديات، يمثّل مسؤولية مشتركة تتطلب تكثيف الجهود وتضافرها لتخليص العالم من بؤر التوتر والصراعات والنزاعات المسلحة وما انجر عنها من مآس إنسانية غير مسبوقة وتفاقم لظاهرة الإرهاب ولتيارات التطرف العنيف ومختلف أشكال الجريمة المنظمة، إلى جانب تراجع معدلات النموّ واتّساع رقعة الفقر والتهميش والانكماش الاقتصادي في عديد المناطق من العالم.
دفع مسارات التسوية السياسية للازمات القائمة
وجدّد تأكيد تونس على مسؤولية المجتمع الدولي، ممثلا في منظمة الأمم المتحدة، في دفع مسارات التسوية السياسية للأزمات القائمة وحلّ النزاعات بالطرق السلمية وتحقيق الأمن والاستقرار وتعزيز منظومة حقوق الإنسان من أجل مجتمعات آمنة ومستدامة.
وقال " : بقدر ما نعرب عن ارتياحنا لنتائج المفاوضات المتعلقة بالإصلاحات الكبرى التي تقدّم بها الأمين العام، لا سيما مراجعة المنظومة الأممية الخاصّة بالأمن والسلم، وتطوير أداء المنتظم الأممي في مجال التنمية، فإننا نأمل أن يتواصل هذا المسار الإصلاحي وأن يتدعم بمساهمة فاعلة من جميع الدول الأعضاء وفق رؤية شاملة، تكرس مبدأ الشراكة والمساواة في العلاقات الدولية والتمثيل العادل داخل مجلس الأمن وتمكّن الجمعية العامة من الاضطلاع بمسؤولياتها الأصلية كاملة وفقا لميثاق الأمم المتحدة. ولن تدخر تونس، انطلاقا من المبادئ الثابتة لسياستها الخارجية، أي جهد في سبيل الإسهام الفاعل في الجهود الرامية إلى تحقيق هذه الأهداف النبيلة".
جهود تونس من أجل إرساء مجتمع تقدّمي
وأبرز الوزير ما تبذله تونس من جهود من أجل ترسيخ دعائم البناء الديمقراطي وتكريس دولة القانون والمؤسسات، في إطار ما دأبت عليه من نهج توافقي وتشاركي بين كافة أطياف المشهد السياسي ومكونات المجتمع التونسي، ملاحظا أنّ تونس قطعت خلال السنة المنقضية مراحل جديدة على درب استكمال تركيز الهيئات الدستورية ومكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة الرشيدة.
ومن جهة أخرى ذكّر بمبادرة رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي الإصلاحية لمزيد تكريس مبدإ المساواة وتعزيز مكانة المرأة،، مشيرا إلى أنّ هذه المبادرة التي هي اليوم محل حوار شامل وتفكير معمق بين مختلف مكونات المجتمع التونسي تمثّل امتدادا طبيعيا لتجربة تونس الرائدة في مجال الإصلاح الهادف إلى إرساء مجتمع تقدّمي يحترم الحقوق الفردية والحريات العامة ويعمل على مزيد تمكين المرأة وتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين.
التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب
وتطرّق وزير الشؤون الخارجية إلى ظاهرة الإرهاب التي تمثّل أحد أبرز التحديات التي تواجهها كلّ البلدان دون استثناء وأحد أكبر التهديدات للسلم والأمن الدوليين أمام سعي التنظيمات الإرهابية لتقويض الاستقرار وبث الفوضى وتعطيل المسارات التنموية.
وشدّد في هذا الصدد على الدور المحوري الذي تضطلع به منظمة الأمم المتحدة لدعم الدول الأعضاء للقضاء على آفة الإرهاب والتطرف العنيف، معتبرا أنّ إحداث مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب يشكّل خطوة هامّة لإضفاء مزيد من الفاعلية وإحكام التنسيق في التعاطي متعدد الأطراف مع هذا الملفّ.
وأكّد أهمية دعم آليات التعاون الدولي في مجال تبادل المعلومات والخبرات والمساعدة القضائية وتقديم المساندة الكافية للبلدان التي تتصدّر الخطوط الأمامية في مكافحة هذه الآفة.
ولاحظ الوزير أنّه في إطار هذه الرؤية قطعت تونس أشواطا متقدّمة في تنفيذ استراتيجيتها الوطنية الشاملة للتعاطي مع آفة الإرهاب والتطرف العنيف، مما ساعد على تحقيق نجاحات أمنية هامة في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة وإفشال مخططات الإرهابيين وإحالتهم على العدالة وصون مكتسبات الديمقراطية في إطار احترام سيادة القانون.
معالجة تشاركية لظاهرتي الهجرة واللجوء
ومن جهة اخرى قال خميّس الجهيناوي إنّ العالم يشهد منذ سنوات تفاقما غير مسبوق لظاهرتي الهجرة واللجوء والذي كان في جانب كبير منه نتيجة استمرار الأزمات واستفحال النزاعات المسلحة وما انجر عنها من مآس إنسانية وغياب للأمن وتعطيل لمسارات التنمية وانعدام لمقومات العيش الكريم.
وأضاف: "غير أنّ ظاهرة الهجرة رغم تفاقمها خلال السنوات الأخيرة، تبقى في جميع الأحوال أحد مظاهر التفاعل والتواصل بين المجتمعات الإنسانية وكانت عبر التاريخ عامل إثراء وتقارب بين الشعوب والحضارات".
وأكّد أنّ التعاطي مع ظاهرتي الهجرة واللجوء يقتضي من منظور تونس معالجة شاملة وتشاركية تأخذ في الاعتبار الأسباب العميقة لهاتين الظاهرتين وتراعي في المقام الأول ضرورة توفير حياة كريمة للاجئين والمهاجرين واحترام حقوقهم وكرامتهم الإنسانية وحمايتهم من شبكات التسفير والجريمة المنظمة وكل أشكال الاستغلال، وكذلك تعبئة الجهود الدولية من أجل معالجة الأسباب الحقيقية للهجرة المتمثلة بالأساس في انعدام مقومات التنمية المستدامة في عدد هام من البلدان المصدرة للهجرة واستفحال النزاعات والحروب وعدم توفق المجموعة الدولية إلى تقليص الهوة بين الدول النامية والدول المتقدمة.
وقال "إذ تعرب تونس عن تطلعها إلى أن يمثل الاتفاقان الدوليان للأمم المتحدة حول الهجرة واللجوء، الأرضية المناسبة لتحقيق التوافق الدولي المطلوب حول هذه المسألة، فإنها تشدّد على أهمية تعزيز التعاون بين كافة مكونات المجتمع الدولي لتسوية النزاعات ودعم جهود التنمية بالدول المعنيّة وتعزيز قنوات الهجرة النظامية".
وأبرز ضرورة التصدي للتوجهات والممارسات العدائية تجاه اللاجئين والمهاجرين وكذلك لكل أشكال المغالاة في الخطاب السياسي والإعلامي عند تناول هذه المسألة.
توفير الحماية اللازمة للشعب الفلسطيني
واعتبر وزير الشؤون الخارجية أنّ تواصل النزاعات والقضايا الإقليمية والدولية يؤدي حتما إلى زيادة حدة التوتر وانعدام الأمن والاستقرار، ملاحظا أنّ تحقيق التسوية العادلة والشاملة المنشودة منذ عقود للقضية الفلسطينية، يمثل أولوية ملحة لإعادة الأمن والاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط، بما يمكن الشعب الفلسطيني الشقيق من استرجاع حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة على أراضيه وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك وفقا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السّلام العربية وعلى أساس مبدأ حلّ الدولتين.
وجدّد دعوة تونس إلى المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في توفير الحماية اللازمة للشعب الفلسطيني والحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي لمدينة القدس الشريف ومختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة، مشيرا إلى أنّ تونس التي لم تتوانى في حدود إمكانياتها عن تقديم الدعم للشعب الفلسطيني الشقيق، تهيب بالمجتمع الدولي مضاعفة الجهد من أجل الحدّ من المعاناة الإنسانية للفلسطينيين ومعاضدة جهود وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ''الأونروا" للإحاطة باللاجئين الفلسطينيين.
تسوية سياسية للأزمتين الليبية والسورية
وبخصوص الأوضاع في ليبيا أعرب الوزير عن عن عميق انشغال تونس إزاء تطورها في هذا البلد والتدهور الأمني الخطير الذي عرفته مؤخرا العاصمة طرابلس، مجدّدة التزامها بمواصلة جهودها في إطار رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي، وبالتنسيق الكامل مع الجزائر ومصر، لمساعدة الليبيين على تجاوز خلافاتهم ووضع مصلحة ليبيا فوق كل اعتبار لتحقيق التسوية السياسية المنشودة عبر الحوار والتوافق على أساس الاتفاق السياسي برعاية الأمم المتحدة.
كما جدّد دعوة تونس إلى مضاعفة الجهود الإقليمية والدولية للتعجيل بالتوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة في سوريا بما يحفظ سيادة ووحدة هذا البلد ويضع حدا لمعاناة الشعب السوري ويحقق تطلعاته نحو الأمن والاستقرار والديمقراطية.
إسهام فاعل في إيجاد الحلول المناسبة للقضايا المطروحة على مجلس الأمن
وفِي ختام الكلمة أشار وزير الشؤون الخارجية إلى أنّ تونس تستعدّ، بتأييد عربي وإفريقي، للانضمام مرة أخرى إلى مجلسالأمن الدولي كعضو غير دائم للفترة 2020-2021، وهو استحقاق هام تتمنى تونس أن تحظى فيه بمساندة ودعم كل أصدقائها وشركائها في المنظومة الدولية.
وأكّد أنّ تونس ستعمل خلال عضويتها في مجلس الأمن على تكريس التزامها المتواصل بمبادئ ميثاق منظمة الأمم المتّحدة وحرصها على تعزيز وتوسيع التشاور والإسهام الفاعل في إيجاد المقاربات والحلول المناسبة لمجمل القضايا المطروحة على مجلس الأمن، خدمة للأمن والسلم في العالم.
- اكتب تعليق
- تعليق