التحديات الأمنية في الفضاء الصحراوي - الساحلي للمغرب العربي في ندوة بمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية
انتظم صباح يوم الجمعة 21 سبتمبر 2018 بمقر المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية لقاء حول التحديات الأمنية في الفضاء الصحراوي- الساحلي لبلدان المغرب العربي بحضور العديد من السفراء وممثلي البعثات الديبلوماسية والوزارات المعنية والخبراء والمختصين، وتدخل هذه الندوة في إطار أنشطة المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية الذي يعمل كمخبر دائم للمسائل المطروحة في تونس والمنطقة، وورشة عمل لمعاينة المستجدات ومعالجة تداعياتها، وكفضاء أكاديمي لوضع الاستراتيجيات قصد تمكين أصحاب القرار وصانعي السياسات من مقترحات وحلول قابلة للتنفيذ على المستويين العاجل والآجل. وقد افتتح هذا اللقاء الدكتور ناجي جلول الذي أكد في كلمة ألقاها بهذه المناسبة أنّ التحديات الأمنية التي تواجهنا اليوم لا تستثني أي بلد مهما كانت مناعته وقوته الأمنية والدفاعية، وهو ما يعطيها بعدا عالميا ويفرض، تبعا لذلك، إيجاد معالجة دولية مشتركة لها، تقوم على تجميع القوى وتبادل المعلومات وتوزيع الأدوار، طبقا لاستراتيجيات مشتركة وآليات تنفيذ ناجعة. وإن كان لا بد من تجزئة هذه التحديات جغرافيا، كما هو الحال في هذا اللقاء الذي سيركّز على التحديات الامنية في الفضاء الصحراوي -الساحلي للمغرب العربي، فذلك للتفرد الخصوصي لكل جهة لاغير، مذكّرا بأنّ المخاطر والتهديدات الأمنية التي يواجها الفضاء الصحراوي-الساحلي للمغرب العربي عديدة ومتنوعة، منها ما هو مشابه لما يهدد بلدانا ومناطق أخرى في العالم، ومنها ما هو من صميم المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تختص به دون غيرها، كالرشوة وانعدام الاستقرار السياسي وغياب المراقبة المقننة وتآكل سلطة الدولة وانخرام منظومة العدالة الاجتماعية، وتفشي مظاهر الفوضى والتسيب في غياب المحاسبة والردع، كل هذا إلى جانب الاختراقات الخارجية في إطار عودة سياسات تقاسم النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية.
وكان المعهد قد أعدّ دراسة حول هذا الموضوع قدم لها الدكتور رافع الطبيب بمحاضرة عدد خلالها التحديات الآنية والمستقبلية التي تواجه بلدان المنطقة ، وأشارت الدراسة إلى أنّ الحلول عديدة ومتاحة نظريا لكنها تعترض صعوبات وعراقيل في التطبيق بسب غياب إسترتيجية مشتركة بين دول المنطقة، إذ أنّ الحل العسكري والأمني المتمثل في تمركز الوحدات الدفاعية في المناطق الحدودية المشتركة بين هذه البلدان هام وضروري ولكنه غير كاف في مواجهة هذه التحديات الكبرى والمخاطر المحدقة، ولا بد من إيجاد حلول سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، كتدعيم الحريات الفردية والجماعية ونشر العدالة وتقليص الفجوات بين الفئات والطبقات وحماية الأقليات العرقية والدينية ومساعدتها على الاندماج الفاعل في منظومة المجتمع، لأن القمع فالإقصاء والتهميش يساهم في انتشار كل أشكال العنف والتمرد والتطرف والإنحراف ويخلق بيئات متعفنة ومشحونة بالحقد والكراهية. وتطرقتالدراسةإلى ما يحدث في ليبيا من صراعات وصلت إلى حد الاقتتال مما مثل خطرا كبيرا على المنطقة يتطلب وضع استراتيجية مشتركة بين البلدان المجاورة لتطويقه كمرحلة أولى ضرورية للدخول في مسار من التفاوض السلمي بين الفرقاء بدعم من المجتمع الدولي ومؤسساته الأممية ، وخلصت الدراسة إلى أنّ مقاومة التطرف والعنف والإرهاب والجريمة المنظمة والتهريب وغسيل الأموال ومنع الهجرة غير الشرعية كل لا يتجزأ، والحلول هي الأخرى يجب أن لا تتجزأ ، وقد أثبتت الوقائع والأحداث خلال السنوات الأخيرة أنه كلما تجزأت الحلول إلا وكانت غير ناجعة تماما، بل تسبّبت في إهدار المزيد من الوقت والجهد والمال ، ومكنت التنظيمات الإرهابية من التمدد أكثر وتطوير أساليب جرائمها وتنويع أسلحتها وخاصة في المجالات الإلكترونية.
إنّ المسألة على غاية من الأهمية، وكان من المفروض أن تكون على رأس الأولويات في سياسات بلدان المنطقة ومحلّ تفاهمات بينها من جهة، ومع بلدان الضفة الشمالية للمتوسط والاتحاد الأوروبي عموما، من جهة أخرى، فالفشل في إيجاد حلول مشتركة يعطي دعما معنويا لقوى التطرف والتحيل والجريمة المنظمة والإرهاب ويوفر المزيد من فرص التمدد للتنظيمات الخارجة عن القانون ويحثها على المزيد من اتخاذ المبادرات الخطيرة.
- اكتب تعليق
- تعليق