أين الحقيقة في الزوبعة التي أثارها ملفّ "حقل المنزل" ؟

تتالى ردود الفعل في وسائل الإعلام وفي الأوساط السياسية وفِي أوساط المجتمع المدني منذ أن أعلن رئيس الحكومة يوم الجمعة 31 أوت الفارط إقالات بالجملة لعدد من كبار المسؤولين في وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة في مقدّمتهم الوزير خالد قدّور وإحالة مصالح هذه الوزارة إلى وزارة الصناعة والمناجم والطاقات المتجدِّدة.

وقد زاد تباين الرؤى والتأويلات بشآن هذا الملفّ، علاوة على البيانات التي أدلى بها مستثمر حقل "حلق المنزل" -الذي كان وراء هذه الزوبعة - في الغموض الذي يكتنف المسألة.

الوزير خالد قدّور وافق على مخطط تطوير الحقل في 2011

صرّح  محمد التومي  صاحب شركة توبيك "Topic" الحاصلة على امتياز استغلال الحقل يوم الإثنين 3 سبتمبر على أمواج إذاعة موزاييك أنّ مدّة الاستغلال هي 50 سنة وليس 30 سنة وأنّه لم يقع استخراج أي برميل من الحقل منذ 1979. 

وذكر أنّ خالد قدّور أعلمه، لما كان مديرا عاما للمحروقات،  في رسالة بتاريخ 13 ماي 2011 بالموافقة على تطوير الحقل.

إشكال قانوني لا غير

وأكّد رئيس جمعية المراقبين العموميين، شرف الدين اليعقوبي، من ناحيته أنّه لا وجود لشبهات فساد في ملف "حلق المنزل" مشيرا الى الأمر يتعلق باشكال قانوني لا غير.

وقال في تصريح لـ (وات) إنّ الجمعية أعّدت دراسة تحليلية ستنشر نتائجها قريبا، تحت عنوان، "خبايا عقود المحروقات في تونس" شملت ما يزيد عن 57 امتياز استغلال للنفط والغاز في تونس، وأظهرت أنّ الإخلالات المتعلقة بهذا الحقل البحري، "هي بالأساس إخلالات قانونية وليست شبهات فساد".

وبيّن أنّ الخلاف القانوني يتعلق حول مدة الامتياز 30 سنة أم 50 سنة، ذلك أنٰ الامتياز تأسّس سنة 1979 وكان خاضعا للأمر العلي لسنة 1953 ومدته 50 سنة ثم اختار مالكوه الأصليون سنة 2001 التمتع بأحكام مجلة المحروقات لسنة 1999 والتي تنصّ في الفصل 48 على أنٰه يمنح الامتياز الاستغلال في مدة اقصاها 30 سنة ".

وقد تم طرح الاشكال في سنة 2008 حول مدة الامتياز خاصة بعد إحالة الامتياز في سنة 2006 الى الشركة التونسية "توبيك"بما يجعل المدة المتبقية لتطوير الحقل بالنسبة إلى المستثمر الجديد غير كافية.
وبين أنّه من أبرز الإخلالات في هذا الامتياز هو عدم الانطلاق في الإنتاج رغم أنّ مرحلة التطوير منذ سنة 2008 وهي إخلال يوجد في 13 امتياز استغلال اخر، في الوقت الذي يمكن فيه للدولة سحب الامتياز في حال عدم الاستغلال في ظرف سنتين لتقوم باستغلاله بنفسها.

واوضح أنّ سحب الامتياز سيكبّد الدولة خسائر مالية إذ لا بد من تعويض صاحب الامتياز على الاستثمارات التي قام بها داعيا الحكومة ، إلى إعداد دراسة جدوى اقتصادية للحقل وعرضها على خبراء مستقلين فضلا عن عرض الملف على المحكمة الإدارية للبت فيه.

قرار شعبوي وخطير

واعتبر المكتب التنفيذي للجامعة العامة للنفط والمواد الكيمياوية المجتمع يوم الإثنين 3 سبتمبر 2018 أنّ قرار رئيس الحكومة حذف وزارة بأكملها في حجم وزارة الطاقة والمناجم تحت عنوان محاربة الفساد هو إجراء شعبوي ذو انعكاسات كارثية على سير قطاع حيوي واستراتيجي كقطاع الطاقة والمناجم.

ووصف القرار بـ"الخطير" لما له أيضا من تداعيات على الالتزامات مع الأطراف الإجتماعية والمساس من مصداقية إطارات القطاع والتأثير السلبي على الاستثمار في مجال الطاقة والمناجم.

وأكّد أنّ هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل ضدّ استعمال محور مقاومة الفساد من أجل تصفية حسابات سياسية، معتبرين أنّ القضاء هو الإطار الوحيد المخوّل للبتّ في شبهات الفساد.

لماذا لم يؤخذ بمقترح وزير العدل عرض الإشكال القانوني على القضاء الإداري ؟ 

حسب موزاييك قرار إعفاء وزير الطاقة والمناجم وكاتب الدولة لديه ثلاثة مسؤولين كبار من الوزارة يوم الجمعة الماضي كان مسبوقا بمجلس وزاري مضيّق انعقد عشية الخميس وليس لجنة فنية كما تمّ الترويج له إعلاميّا.

وخُصّص المجلس الوزاري للتداول في الإشكاليات القانونية المتعلّقة بملف حقل البترول "حلق المنزل" وتضارب التأويلات القانونية بين خضوع رخصة استغلاله إلى مجلة المحروقات السابقة أو للمجلة الجديدة الصادرة في 17 أوت 1999.

وووفق ذات المصدر دعا وزير العدل غازي الجريبي إلى عرض الإشكال القانوني على القضاء الإداري بالمحكمة الإدارية أو هيئة الرقابة العامة للأخذ برأيهما والبتّ نهائيّا في الإشكال القانوني مثلما جرت به العادة.

الكثير من التساؤلات تحوم حول هذه القضية ، فأين الحقيقة ؟ هل يتعلّق الأمر بملفّ فساد أم بمجرّد إشكال قانوني كان من الممكن عرضه على أنظار القضاء الإداري ؟ أم أنّ الموضوع له علاقة بـ "حرب الشقوق" وب"تصفية حسابات سياسية" حسب بعض الأطراف ؟ أليس حريّ بلجنة الطاقة في مجلس نوّاب الشعب أن تدعو إلى فتح تحقيق مستقلّ في الغرض لتنجلي الحقيقة أمام الجميع ؟