أخبار - 2018.07.24

الثّــروة السّمكيّــة في تونس بيــن الاستنـــزاف والاحتكار

الثّــروة السّمكيّــة في تونس بيــن الاستنـــزاف والاحتكار

عرفت تونس منذ القدم الصيد البحري الذي كان يتعاطاه جانب من سكّانها النشطين على طول سواحلها الممتدّة على قرابة 1500 كلم في حوض البحر الأبيض المتوسّط  دون احتساب البحيرات،  فاكتسبت بذلك تقاليد في هذا المجال ما فتئت تترسّخ عبر العصور.

يعيش اليوم قرابة 108 آلاف تونسي منهم 54 ألفا بصفة غير مباشرة من هذا النشاط الاقتصادي الذي يمثّل 8 بالمائة من قيمة إنتاج القطاع الفلاحي و17 بالمائة من عائدات الصّادرات الفلاحية الغذائية.

وغنيّ عن البيان أنّ من عادات التونسي الغذائية استهلاك الأسماك ومنتوجات البحر ويبلغ حجم هذا الاستهلاك 120 ألف طنّ سنويا من مجمل منتوج (أسماك عائمة وأسماك قاعية وقشريات) يقدّر بـ 130 ألف طنّ منها قرابة 21 ألف طنّ متأتية من تربية الأسماك.

ولقد اتّجهت أنظار المستهلك التونسي في الأشهر الأخيرة نحو هذا القطاع جرّاء ما شهدته أسعار السمك ومنتوجات البحر من ارتفاع جنوني في حين حافظت أسعار السمك المربّي على شيء من الاستقرار ممّا أثار العديد من التساؤلات: هل مردّ هذا الارتفاع المشطّ في الأسعار تقلّص الثروة السمكية الوطنية وتجاوز لكلّ الحدود في مجهود الصيد؟ لماذا انخفض حجم العرض من الأسماك ومنتجات البحر في الأسواق؟ من يتحكّم في تجارتها؟ ما سرّ هذا الحيوان البحري الذي يلحق أضرارا فادحة بالثروة السمكية ويسمّيه البحَّارة «داعش البحر»؟ ما مدى صحّة الأخبار التي مفادها أنّ العديد من العاملين في الصيد البحري وخاصّة منهم البحَّارة هجروا القطاع نظرا إلى انخفاض مردوديته الاقتصادية؟ ما هي المشاكل التي يواجهها اليوم الصيد البحري وفِيما تتمثّل المخاطر التي تتهدّده؟

كيف السبيل إلى النهوض بهذا القطاع وتطوير حوكمته من وجهة نظر سلطة الإشراف؟ كيف يقيّم ممثلو المهنة وضع نشاطهم وما هي الحلول المقترحة لإزالة العوائق التي تحول دون تطوّره؟ أيّ دور للمعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيات البحار في مساندة قطاع الصيد البحري وتربية الأحياء المائية؟ من يسهر على صيانة التراث البحري والمائي الوطني وتثمينه؟

تلك أسئلة نطرحها في هذا الملفّ ونحاول الإجابة عنها، من خلال تسليط أضواء كاشفة على واقع الصيد البحري في تونس اليوم بمختلف إشكالياته والاستراتيجية التي تعتزم الدولة وضعها موضع التنفيذ لتطويره والنهوض بأوضاع العاملين فيه.

أنواع عديدة من الأسماك مهدّدة بالانقراض

تعيش في السواحل التونسية أنواع مختلفة من الأسماك يزيد عددها عن 300 نوع حسب بعض الخبراء. وهي الأسماك التي تكون مياهنا موطنها الأصلي. ويذكر الباحثون أنّ عدّة أنواع منها مهدّدة بالانقراض. لكن وفدت على السواحل التونسية عدّة أنواع من الأسماك من البحر الأحمر والمحيط الأطلسي. ويستهلك التونسي سنويا حوالي 120 ألف طن من الأسماك بقيمة تزيد عن 500 مليون دينار. ويسهم قطاع الصيد البحري بنسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي وبما يعادل 8% من قيمة إنتاج القطاع الفلاحي ويوفر 17% من إجمالي عائدات الصادرات الفلاحية الغذائية.

يبلغ طول السواحل التونسية ما يزيد عن 1700 كلم بما في ذلك سواحل البحيرات. ويضمّ أسطول الصيد البحري حوالي 13 ألف وحدة صيد منها حوالي 12 ألف قارب للصيد الساحلي والبقيّة للصيد بالجرّ والصيد بالشباك الدائري. وأغلب مراكب الصيد الساحلي لا يفوق طولها 5 أمتار ولديها رخصة ملاحة ساحلية لا تزيد عن 35 كلم. وتشتغل كلّها بمعدّات تقليدية كالشّباك والسّنارة والقارور. ويستقبل تلك المراكب 41 ميناء منها 30 ميناء ساحليا لا ترسو فيها إلا المراكب الساحلية والبقيّة مواني الأعماق لإيواء مراكب الصيد بالجرّ وبالشباك الدائري. ويشغّل القطاع حوالي 108 آلاف شخص منهم حوالي 54 ألف بحّار بصفة مباشرة وحوالي نفس العدد بصفة غير مباشرة مثل صانعي المراكب والشّباك والعاملين في مصانع التّصدير ومصانع التّحويل والتّعليب...علما أنّ الأسطول التونسي لا توجد به بواخر الصيد الصناعي لأنّ أقصى منطقة صيد في مياهنا تبعد عن السواحل ما بين 300 و350 كلم.

وللمرأة الريفية أيضا دورها في نشاط صيد الأسماك رغم مشقّة المهنة، ويشكّل نشاط جمع المحار في خليج قابس مصدر عيش للعديد من اللاتي يعملن في هذا القطاع المصدّر خاصّة إلى إيطاليا وإسبانيا وتساعد منظّمة الأغذية والزراعة «الفاو» تونس في دعم نشاط المرأة البحارة الريفية في جمع المحار وتسويقه ليصبح مصدر رزق قارّ لها.

ولتونس خارطة لمناطق الصيد وللكتلة الجملية للمخزون السمكي. ويبلغ الإنتاج الوطني من السمك حوالي 130 ألف طن (إحصائيات 2017) تتكوّن من الأسماك العائمة والأسماك القاعية والقشريات وتلك المتأتّية من تربية الأسماك (بلغ الإنتاج المتأتّي من تربية الأسماك لنفس السنة حوالي 21 ألف طن ما يمثّل حوالي 18% من الإنتاج الوطني). وبالنسبة إلى أنواع الأسماك والمخزون القابل للاستغلال فإنّه لا يمكن استغلال أكثر من 100 ألف طن من الأسماك العائمة كالسمك الأزرق صغير الحجم كالسردينة والشورو والغزال وكبير الحجم كالتن. وقد بلغ الإنتاج في هذا النوع حوالي 55 ألف طن. أمّا الأسماك القاعية فقد وصل الإنتاج فيها إلى 60 ألف طن وهو الاستغلال الأقصى كالقاروص والورقة والمرجان والدنديق والتريلية والقشريات. لذلك فإنّ تونس لا تستثمر كلّ الموارد السمكية المتاحة لها بالشّكل الأمثل وهي تستغلّ حوالي 110 آلاف طن من جملة 160 ألف قابلة للاستغلال إضافة إلى 21 ألف من السمك المربّى. لذلك وضعت الدولة منذ 2005 برنامجا لتشجيع الصيادين على الاستثمار في الأسماك العائمة فتطوّر الإنتاج إلى حدود 55 ألف طنّ بينما لم يكن يتجاوز 30 ألف طنّ سنة 2003 – 2004. وللمحافظة على الثروة السمكية منحت الدولة خليج قابس الأولوية بحكم تركيز مجهود الصيد عليه ناهيك أنّ حوالي 70 إلى 80% من وحدات الصيد موجودة في خليج قابس... وبحكم ثراء مياهه بالأسماك القاعية التي تباع بأسعار مرتفعة مثل التريلية والقمبري ولأنّ العمق البحري في خليج قابس يسهّل العمل فيه اقترحت الإدارة منذ سنة 2006 – 2007 حلاّ شبيها بما طبّق في دول الاتحاد الأوروبي يتمثّل في التّنقيص من مجهود الصيد بنسبة 30% في خليج قابس (الذي بلغ البحّارة فيه مجهود الصيد المطلوب)، وذلك بتخفيض عدد المراكب التي تقوم بالصيد الإضافي وإيقاف نشاطها على أن تتكفّل الدولة بمنح أصحابها تعويضات في حدود 30 إلى 40% من قيمة المركب وانطلقت العملية بـتحديد 47 مركبا من مراكب الصيد بالجرّ التي سيطبّق عليها الاقتراح وحّددت قيمة التّعويضات المفروض تقديمها إلى أصحاب تلك المراكب بــ 7 ملايين دينار. لكن هذا الاقتراح لم تتم متابعته بعد الثورة.

خــــالد الشّابي

قراءة المزيد:

مستقبل واعد لتربية الأسماك في تونس

الثّــروة السّمكيّــة في تونس بيــن الاستنـــزاف والاحتكار

 

قطاع الأسماك في تونس: التّصدير والتّوريد

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.