إن هذا لشيء عجاب: ومتى سيتم إيقاف نزيف الزيادات الآلية؟..

هذا السؤال موجّه إلى رئيس الحكومة وإلى أعضائها الذين لا ينفكّون يشكون من صعوبة الوضع الاقتصادي في تونس، ويدعون المواطنين إلى التضحية، والصبر على الحرمان وأحيانا على شظف العيش، حتى تستطيع البلاد الخروج من أزمتها، ولكنهم لا يبدؤون بأنفسهم ولا يحاولون التخفيف من الأعباء التي تتحملها ميزانية الدولة من جراء ما تعرفه كلفة بعض امتيازاتهم من تزايد آلي مطّرد ومتكرّر... فالكل يعلم (ولكن لا أحد يتكلم)، أن كل ترفيع في أسعار المحروقات، يترجم إلى زيادة آلية في مرتبات رئيسها ووزرائها وكتاب دولتها وفي مرتبات مستشاريهم ورؤساء دواوينهم وأعضائها، وكبار الموظفين في إداراتها المركزية وفي الجهات...

ولأن أسعار المحروقات ارتفعت منذ مطلع السنة الجارية ثلاث مرات، فإن هذه الآلاف المؤلفة من كبار مسؤولي الدولة وأعوانها بسلطاتها الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية، تمتعوا بثلاث زيادات آلية متتالية في قيمة كميات البنزين التي يحصلون عليها كل شهر... وبما أنه من المنتظر أن ترتفع الأسعار مرتين أخرَيَيْن من هنا الى نهاية السنة، فإنهم سيتمتعون حتما بزيادتين آليتين إضافيتين...

وفي رأيي فإن الحكومة مدعوة، في إطار العمل على ترشيد النفقات، إلى وقف هذا النزيف في أسرع وقت ممكن، من خلال التعجيل بتحديد حجم المنحة التي يحصل عليها كبار مسؤوليها وأعوانها بعنوان المحروقات، بقيمة مالية معينة وليس بكمية ثابتة من الليترات التي ينبغي أن نلاحظ أن أسعارها تضاعفت عدة مرات منذ بدء العمل بهذا النظام المنافي لقواعد الحوكمة...

ويشهد الله أنني كنت أدعو إلى هذا الترشيد حتى يوم كنت، كغيري من كبار الموظفين، أتمتع بهذا الامتياز، غير أن للإدارة "باروناتها الجوارح والكواسر" الذين سيتشبثون"بقاء الوضع على ما هو عليه" حفاظا على مصالحهم، حتى وان كانت جائرة، قبل مصالح البلاد والعباد، وهم لذلك لا يمكن أن يفكروا إلا في تنويع امتيازاتهم وتوسيع نطاقها.

ومن هذا المنطلق فإنني أتوقع أن "يعبسوا ويتولّوا" عند قراءة هذا المقترح الذي لم أعد أجد مفرا من الإصداع به أمام مشهد الاقتصاد الوطني النازف والموشك على الإفلاس، فهل ستستمع له الحكومة، وهل إذا استمعت له سَتَعِيهِ، وهل اذا وَعَتْهُ ستننفع به؟

آمل ذلك... رغم تكرُّرِ خيبات الأمل تَكَرُّرَ الزيادات في أسعار المحروقات وغير المحروقات...

محمد إبراهيم الحصايري