أخبار - 2018.06.14

نبـيــل معلـول: آخر كلامي للاّعبين أدخلوا الفرحة على التونسيين

نبـيــل معلـول: آخر كلامي للاّعبين أدخلوا الفرحة على التونسيين

بعيدا عن ميادين اللعب، ماذا يعرف الجمهور العريض عن كواليس المنتخب الوطني سوى تلك الصور العابرة التي تبثها القنوات التلفزية حول تدريبات المنتخب، أو تلك اللقطات السريعة عن تربصاته وسفراته، والتي تتخللها تصريحات من هنا وهناك للاعبين والإطار الفني؟

تلك الصور واللقطات، مع الفرجة التي تحتضنها الملاعب بمناسبة مقابلات المنتخب، ما هي في الحقيقة إلا الواجهة الأمامية التي يشترك كل الناس في مشاهدتها،. أما الحديقة الخلفية وما يعتمل فيها من تفاعلات وأحاسيس بين المدرب الوطني  ولاعبيه وطاقمه المساعد ففضاء مغلق لا تسمع أصداؤه إلا عندما تتصدع في بعض الأحيان الوحدة الداخلية للمنتخب.

إلى هذه الحديقة الخلفية، أو بالأحرى إلى ركن منها، ندعو قراءنا وذلك من خلال حديث مع نبيل معلول، يكشف فيه المدرب الوطني للجمهور  بعضا من المظاهر غير المرئية لعمله، وهو يعد للذهاب مع المنتخب إلى روسيا، ويلقي الضوء على بعض الزوايا الخافتة في حياة المنتخب، وخاصة ما يتعلق منها بالمناخ النفسي العام للمجموعة، وأسلوب تعامل المدرب مع لاعبيه ومساعديه...

وفي هذه الاثناء نكتشف معا نبيل معلول الانسان، بعد أن عرفنا المدرب على الميدان.

نبدأ، لو سمحت، بالإعداد النفسي للاعبين، باعتباره أحد جوانب عمل المدرب في الكواليس والتي لا يراها الجمهور.. فما هي المقاربة التي يتوخاها نبيل معلول مع  لاعبيه على مستوى العمل النفسي

الإعداد النفسي للاعبين عامل ذو أهمية كبرى بالنسبة اليّ، لأني أرى، حسب تجربتي كلاعب وكمدرب، أنه كلما كان المدرب قريبا من اللاعب، يقدم هذا الأخير أقصى ما عنده من جهد. ولا شك أن الإعداد البدني والتكتيكي هام، لكن الإعداد النفسي أهم، خاصة ونحن كعرب، يسيطر علينا الجانب العاطفي ونعطي العواطف أهمية كبرى. لذلك أعول، شخصيا، تعويلا كبيرا على هذا الجانب، وذلك بأن أكون قريبا من اللاعبين وأصارحهم بالحقيقة وجها لوجه، والعين في العين، وأستمع إلى آرائهم عندما يناقشونني في الأمور الفنية. كما أحاول دائما أن أرفع من قيمة  اللاعبين في نظر أنفسهم وأن أقنعهم بأنهم " أحسن ناس"، وتلك هي الحقيقة، بما أنهم موجودون في فريق يضم النخبة. كما أعمل على اقناعهم بأنهم قادرون على الانتصار على أي منافس كان...

لكن المعروف عن  نبيل معلول أنه حريص جدا على الانضباط.  ألا  يتناقض ذلك مع ما تقوله عن قربك من اللاعبين؟

في هذا الموضوع بالذات، أنا أصارح اللاعبين وأفهمهم لماذا يجب أن يكونوا منضبطين، لأنه لا يمكن، دون انضباط، أن تبني فريقا قويا. فمن الممكن أن يكون لك فريق ممتاز على المستوى الفني، لكن دون انضباط لن تنجح معه، وفي المقابل يمكن بالانضباط وبفريق متوسط فنيا، ان تصل إلى نتيجة، لأن الخروج عن الانضباط يمكن أن يفسد كل شيء. والمهم هو أن يكون لك خط سلوكي يعرفه اللاعبون ولا يحيدون عنه. وكل اللاعبين يعلمون أني لست مدربا متسلطا، ولكن الانضباط هو من أحكام كرة القدم المحترفة بأتم معنى الكلمة. وقد يبدو لنا في بلادنا أن المدرب متسلط عندما يفرض الانضباط، لأننا لم نتعود على ذلك في كرتنا.

ما هو الخطاب الذي تتوجهون به للاعبين في مثل هذا الظرف من الإعداد لكأس العالم؟

إنه خطاب بسيط جدا: أطلب منهم أن يقدموا أقصى ما عندهم وأن يركزوا أشد التركيز، لأننا نلعب مع فرق أقوى منا على المستويين الفني والبدني، وإذا لم نركز من البداية إلى النهاية ولم نبذل أقصى ما نملك من جهد، فذلك سينعكس حتما على المردود وعلى النتيجة. أنا لست من المدربين الذين يلومون اللاعب على تمريرة خاطئة أو إضاعة ضربة جزاء أو خطإ فادح يتسبب في قبول هدف، لكني لا أتسامح في كل ما يتعلق بالانضباط التكتيكي، ويمكن أن أخرج  لاعبا من الميدان منذ الدقائق العشر الأولى من المقابلة إذا أحسست بأنه ليس مركزا بنسبة مائة بالمائة أو ليس منضبطا تكتيكيا مائة بالمائة. فالإرادة إما أن تكون عند اللاعب أو لا تكون، بينما الخطأ قد يحدث عرضا.

كيف تتعامل مع ظاهرة التنافس بين اللاعبين، سيما وأنك إزاء لاعبين بتقارب مستواهم؟

لو كانت المنافسة غير موجودة لعملت على إيجادها، لكن واقع المنتخب، باعتباره يضم أحسن اللاعبين على الساحة، يجعل المنافسة موجودة دائما. وأرى شخصيا أن التنافس هو من أهم العوامل التي تجعل اللاعب يتقدم ويبذل جهدا أكبر.

نأتي الآن إلى المستوى التنظيمي: هل أنت من المدربين الذين يعتنون بكل شيء ويهتمون بأدق التفاصيل؟

نعم، أنا كذلك، لكن من حسن حظي أن معي طاقما كاملا ومتكاملا، بفضل ما توفره لنا الجامعة ورئيسها. فالمنتخب لديه فريق إداري ممتاز، وطاقم طبي ممتاز يتألف من سبعة أفراد، ولنا كذلك طاقم فني على مستوى عال جدا، وطباخان ومختص  في التغذية... وأنا اتابع بدقة عمل هذا الفريق المتنوع وأنسق مع الجميع.

ما هي مخاوف المدرب الوطني ليلة الذهاب إلى روسيا؟

أكبر المخاوف هي الإصابات، وخاصة بعد اضطرار يوسف المساكني إلى الانسحاب وكذلك طه ياسين الخنيسي. وأملي هو أن نصل الى يوم 18 جوان (موعد المقابلة مع إنقلترا) بأقل اضرار ممكنة في هذا  الباب.

أكيد أنك عشت الضغط النفسي كلاعب، فهل تعيش اليوم نفس الضغط وأنت تدرب المنتخب؟

ليس كثيرا، وإذا ثمة ضغط فهو إيجابي. وعندما تكون قد لعبت في نواد كبيرة وعايشت مدربين من الحجم الكبير وكنت قائدا في ناديك، فلا شك أن الضغط يكون عليك كبيرا كلاعب. لكن وضع المدرب يختلف، فمردود اللاعب من مسؤوليته الفردية، أما مردود المدرب فيرتبط به فريق  كامل، والفارق كبير بين الأمرين. وعلى كل فإني لا أشعر الآن بضغط فوق طاقة الاحتمال، ولكن بمسؤولية أكبر.

وهل لديك شعور بأن اللاعبين يشتكون من "الستراس"؟

من المتأكد أن "الستراس" موجود، لكني أحاول التقليل منه بواسطة العمل النفسي الذي أشرت إليه سابقا.

على ذكر هذا الموضوع، هل لديك أخصائي نفسي ضمن الطاقم الطبي للمنتخب؟

لا يوجد أخصائي... أنا ألعب دور المعد الفني. فبحكم التجربة المتراكمة لدى المدرب، لا يوجد أفضل منه للقيام بهذا الدور، ولا يوجد شخص أقرب منه للاعبين. هذا مع العلم أن تكويننا كمدربين يتضمن طبعا الجانب النفسي.

بخصوص التكوين، هل يعمل نبيل معلول على تطوير نفسه كمدرب؟ وكيف؟

بالرسكلة المستمرة طبعا، وإلا فلن يتقدم المدرب وقد تحصلت مؤخرا على دبلوم "A Pro" ، وأنا أول من يحرزه في تونس. لكن الدبلوم ليس هو الأهم، وأنا شخصيا كان لدي حظ كبير في مسيرتي المهنية عندما مارست التحليل الفني التلفزي.  فقد أعانني ذلك كثيرا، لأنه كان بمثابة الدروس الخصوصية ،" وزيد نخلص عليها". فعندما تحلل مقابلات مع مدربين من قيمة ساكي وكابيلو وتجلس إلى جانب  ليبي وأنشيلوتي وآرسان فينغر لتحلل مقابلات " الشامبيونس ليغ" مثلا، أليس هذا رسكلة مستمرة؟

لقد مررت في سيرتك كمدرب بين العديد من النوادي من ناحية والمنتخبات من ناحية أخرى، فكيف ترى الفارق بين العمل هنا وهنالك؟

العمل في النوادي أصعب لأنه يتطلب جهدا كبيرا ومتواصلا بين تدريب يومي وإعداد وتحليل للمباريات ومشاهدة الفيديوهات، وهذا عمل يومي يأخذ منك ست عشرة ساعة من أربع وعشرين، مع  ضغط  مستمر يتجدد كل أسبوع. أما في المنتخب فالعمل دوري من خلال تربصات تتطلب طبعا نفس الجهود المطلوب في تدريب النادي، لكن على مدى قصير.

وهل تشعر بفرق على مستوى الضغط الجماهيري؟

لم أشعر بهذا الضغط، لا على مستوى الترجي ولا على مستوى المنتخب. أما عن رد وفعل الجمهور فأنا شخص مؤمن جدا، لذلك فإني أضع كل عوامل النجاح في صف النادي أو المنتخب الذي أدربه، ثم أترك الموضوع في يد المولى سبحانه وتعالى، فان نجحت أقول: "ذلك ما كتبه الله لي"، وإن أخفقت أقول :"لعل فيها خيرا"، ولا أغضب كثيرا إن انهزمت ولا أفرح كثيرا إن انتصرت. لكني لا أنكر أن هناك رضى عن النفس عندما تفوز بكل الألقاب مع الترجي وتذهب مع المنتخب إلى كأس العالم.

لكن عندما تسوء النتائج؟

طبعا، المدرب هو وحده الذي يحمل المسؤولية ويجد تفسه في عزلة لا يحسد عليها.

هل يمكن أن نقول إنك رجل التحديات، غادرت الترجي في وقت ما، وأنت في عنفوان عطائك كلاعب... قبلت تدريب الترجي بعد الكنزاري ... عملت على العودة إلى المنتخب بعد استقالتك منه عام 2013 ...

الصحيح أني أحب المنافسات، إني أشعر أني ولدت للمنافسة. فمنذ صغري كنت في الحومة أحب أن أفوز بكل مقابلة أشارك فيها. وقد كبرت معي هذه العقلية، وأنا ألعب في صفوف الترجي، ثم وأنا أدرب...

... لكن ألا تعتبر عودتك إلى المنتخب بعد مغادرته في 2013 نوعا من التحدي؟

في عام 2013، كان تدريبي للمنتخب اختيارا خاطئا فيجب الا ننسى اني كنت خارجا في ذلك الوقت من عامين مع الترجي فزنا خلالهما بأربعة ألقاب على خمسة ممكنة، وبالتالي فقد وجد نوع من التحامل على الترجي مثلما يحصل لكل النوادي المتفوقة. وقد تحول هذا التحامل فيما بعد نحوي انا شخصيا عندما توليت تدريب المنتخب، سواء من قبل جماهير النوادي الأخرى أو بعض الصحافيين. لذلك أصبحت مهمتي صعبة على رأس المنتخب واضطررت إلى المغادرة.

فيما بين مغادرتك في 2013 وعودتك في 2017 كيف كانت علاقتك بالمنتخب، سواء من خلال تحاليلك التلفزية أو تصريحاتك الصحافية؟

كنت أتابع الفريق عن كثب باعتباري محللا، وقد حللت مشاركته في دورتين من كأس إفريقيا للأمم، وكنت عمليا أعرف كل شيء عن المنتخب.

وهل كنت موضوعيا حقا في تحاليلك؟

بالطبع، كنت موضوعيا: فعندما يوفق المدرب (ليكانس أو كاسبرجاك) أقول إنه وفق، وعندما لا يوفق لا أستعمل عبارة " فشل"، لأني أعلم أن المدرب قد بذل، ليصل إلى ما وصل إليه، جهدا كبيرا، فأقول فقط إنه لم يوفق. وهنا لا بد أن يفهم كثير من الناس أن ما يعده  المدرب من خطط ينجح في مقابلة ولا ينجح في أخرى. والمدرب الناجح هو الذي يصادف النجاح اختياراته أكثر من غيره.

على ذكر اختيارات المدرب، هل تعتقد في صحة مقولة إعادة اللعب بنفس التشكيلة ما دامت منتصرة؟

هذه القاعدة لا تصح على المنتخب الوطني، حيث أن لكل مقابلة حقيقتها، ثم إن الذي يهم، وأنت تجمع اللاعبين الدوليين لفترة قصيرة، هو " فورمة" كل منهم في تلك الفترة، فهي التي تحدد اختياراتك. طبعا ،هناك دائما هيكل قار في التشكيلة، لكن التركيبة النهائية في كل مقابلة تتغير حسب عامل "الفورمة"، كما قلت، وكذلك حسب المنافس وحسب الظروف المحيطة بهذه المباراة أو  تلك . فالتشكيلة التي واجهت مصر مثلا ليست التشكيلة التي لعبت ضد الكونغو. ففي المقابلة الأولى ركزت على لاعبي الترجي لأنهم كانوا خارجين من موسم متميز وأحرزوا البطولة. ولما خرجوا من كأس إفريقيا وانخفضت معنوياتهم عولت على لاعبي النجم، وذلك قبل هزيمتهم أمام الأهلي.

هل تؤمن بالحظ في عمل المدرب والنتائج التي يحققها؟

لا أعتقد أن للحظ نسبة كبيرة في نجاح المدرب او إخفاقه،  لأن ثمة أولا توفيقا من عند الله سبحانه وتعالى, وبعد ذلك لا يوجد شيء إلا العمل والكفاءة.  فعلى المدرب أن يسيطر على كل العوامل الموصلة للنجاح وأن يوفر التكامل اللازم بين كل ما هو فني وكل ما هو إداري ولوجستي، والميدان هو الحكم في نهاية الأمر.

هل تتفاءل، مثل بعض المدربين واللاعبين، بأشباء تراها جالبة للحظ؟

أبدا، وحتى محافظتي على القميص رقم 12 في الترجي الرياضي فلم تكن من باب "الاستبخات" بهذا الرقم، بل كانت محض صدفة، ذلك أني لما التحقت بصفوف الأكابر، وأنا في الثامنة عشرة من عمري، كان رقم 12 هو القميص الوحيد المتوفر، فتسلمته وحافظت عليه.

لكن ثمة من يرى في إصابة المساكني "ضربة عين"....

الأمر هنا مختلف، فأنا اعتقد أن العين حق، وقد قال الله تعالى: " ومن شر حاسد إذا حسد ".

هل تؤمن بتأثير النجوم على طبيعة الفرد وشخصيته حسب البرج الموافق لتاريخ ميلاده؟

لا ليس لي إيمان بهذه الأمور.

ولو ذكرت لك بعض صفات مواليد برج الجدي، وأنت من هذا البرج، فهل تجيبني على مدى مطابقتها لشخصيتك، كما تراها أنت طبعا؟

موافق.

وقد أكد نبيل معلول في إجاباته على وجود الصفات التالية فيه فعلا: الإرادة، المثابرة، التركيز على هدف واحد، اليقظة وصفاء الذهن... ونفى أن تكون له هذه الصفات: الدم البارد، عدم الاكتراث بأفكار الآخرين، عمل حساب المصلحة بكل برود، الحذر في العلاقة بالآخرين.

ما هو آخر كلام ستقوله للاعبين قبل أن ينزلوا إلى الميدان لمواجهة إنقلترا؟

سأقول لهم: إنكم ستلعبون ضد بلد من أكبر بلدان الكرة العالمية حاليا، وليس لكم ما تخسرون بل كل الربح لكم .العبوا لعبكم العادي وتمتعوا بما ستقدمونه من أداء ، طبقوا كل ما اتفقنا عليه وابذلوا أقصى جهدكم. فكروا في الملايين من التونسيين الذين يتابعونكم ويساندونكم، فكروا في الفرحة التي ستدخلونها عليهم، ففرحتهم أهم من الانتصارات والألقاب.

عادل الأحمر

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.