أخبار - 2018.05.15

عبد الحفيظ الهرقام: رهـــانـــات 2019

 عبد الحفيظ الهرقام: رهـــانـــات  2019

لم تفاجئ نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة ومجرياتها الملاحظين في الداخل والخارج، إذ أكّدت كما كان متوقّعا عزوف قطاع واسع من الناخبين التونسيين- ولا سيّما الشباب منهم- عن المشاركة في الاقتراع، وهو تعبير جليّ منهم عن سخط على الطبقة السياسية برمّتها وتبرّم من منظومة الحكم  التي فشلت فشلا ذريعا في إصلاح أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية وإخراجها من نفق أزمتها المستفحلة.

ولا شكّ أنّ هذه النتائج توفّر مادّة هامّة لمراكز الدراسات ولأساتذة العلوم السياسية وعلم الاجتماع لمزيد الانكباب على الحالة التونسية بما تنطوي عليه من معطيات لافتة ومفارقات تدعو إلى التعجّب. فبعد الانتخابات التشريعية الجزئية التي أجريت في دائرة ألمانيا وبعد انتخابات 6 ماي 2018، أصبح الحديث جائزا عن ديمقراطية الحدّ الأدنى أو «ديمقراطية المقاطعة»، كما سمّاها أحدهم. فهل يمكن أن يشتدّ عود الديمقراطية التونسية الناشئة في ظلّ هذه المقاطعة الشعبية؟ 

وكنتيجة منطقية لتدهور صورة الأحزاب السياسية في المخيال الجمعي وتعمّق الهوّة بين الواقع والوعود الانتخابية التي أطلقت في السابق نالت القائمات المستقلّة في عديد الدوائر حيّزا مهمّا من أصوات المقترعين، وهو أمر كان متوقّعا أيضا، نظرا إلى أنّ رهانات الانتخابات البلدية هي مواطنية وخدماتية بالأساس، وخاضعة لعامل القرب ولاعتبارات ذاتية منها بالخصوص العلاقة الشخصية بالمترشّحين.

بيد أنّ ما يتعيّن تأكيده في هذا الصدد هو أنّ النجاح الذي حقّقه المستقلّون - وعدد منهم كان مدعوما في الحقيقة من تيارات حزبية - في انتخابات محليّة لا يمكن أن ينطبق بالضرورة على الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة، فرهاناتها ذات طابع سياسي بامتياز تتمثّل في إقناع الناخبين برؤى وبرامج قصد الوصول إلى السلطة وممارسة الحكم.

الآن وقد عوقبت النخبة السياسية ومنظومة الحكم في اقتراع 6 ماي وتقلّص الخزّان الانتخابي للحزبين الكبيرين: «النداء» و«النهضة» واندثرت الدكاكين السياسية والأحزاب الكرتونية التي تحرّكها الزعامات الوهمية والطموحات الشخصية ممّا زاد في تشظّي المشهد الحزبي، حريّ بنا أن نطرح هذه الأسئلة: هل أنّ للقيادات التي تتصدّر اليوم المشهد السياسي القدرة على بناء مصير وطني جديد من خلال صياغة سياسات عموميّة تسرّع وتيرة الإصلاح في مختلف المجالات بغية وضع تونس على درب الخلاص والتعافي بما يضمن الاستجابة لتطلعات التونسيين، وخاصّة المهمّشين منهم، إلى حياة كريمة؟ أليس المجال متاحا اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، لبروز قطب وسطي ديمقراطي حداثي يجمع شتات الأحزاب المتناثرة المنتمية إلى هذا التيار، وهذا من أعمق الدروس المستخلصة من الانتخابات الأخيرة؟ فهل  يثوب بعض السياسيين  إلى رشدهم ويتجاوزون نرجسيتهم المفرطة للانخراط في مسار توحيد العائلة الوسطية؟

لم يعد يفصلنا عن استحقاقات 2019 سوى سنة وبضعة أشهر، وهو وقت قصير، ومن أعظم ما تفرضه هذه الاستحقاقات من تحدّيات على أيّ حزب يروم المساهمة في  قيادة مسيرة البلاد، رغم قلّة الإمكانيات الذاتية ، اكتساب القدرة على التصوُّر والبناء والتعبئة من خلال برنامج جديد يصالح التونسيين مع السياسة والسياسيين ويشيع في النفوس الأمل في أنّ فرص التدارك متاحة من أجل مستقبل وطني أفضل..

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.