أخبار - 2018.05.14

مجلة الجماعات المحلية الجديدة ودور الوالي، موضوع ندوة لودادية الولاة

مجلة الجماعات المحلية الجديدة ودور الوالي، موضوع ندوة لودادية الولاة

اختلفت الآراء وتعدّدت حول القانون الأساسي المتعلق بمجلة الجماعات المحلّية وما جاء به من مبادئ جديدة. رأى البعض أنّها ستعيق الاختصاص المحلي وستهدّد وحدة الوطن بتحويل رقابة الوالي من رقابة سابقة إلى رقابة لاحقة . ويعتقد  البعض الآخر أنّ ّالتداخل بين السلط المحورية والمحلية سيحدّ من التدبير الحرّ ومن الاستقلالية الإدارية للجماعات المحلية. وتساءل شقّ ثالث عن جدوى استقلالية مالية وتمويل ذاتي محليين في ظل عجز مالي جهوي في حين استحسن آخرون مبدأ تشريك المواطن في أخذ القرار.

تمّ التطرق لهذه النقاط خلال ندوة لودادية الولاة مؤخراً حول "مجلة الجماعات المحلية ودور الوالي في مجال تنفيذ الباب السابع من الدستور"، وتحدث أثناءها المتدخلون عن النسيج الفسيفسائيللمجالس البلدية وحذّروا من انعكاساته السلبية، فأعرب محمد الضيفي المكون بمركز التكوين ودعم اللامركزية في تدخله عن تخوفه من الصراعات والتجاذبات وتعدد المواقف داخل المجالس البلدية نتيجة التضارب الحزبي وتغليب الصراع الإيديولوجي على العمل البلدي مما سيعيق حسب رأيه التوافق ويعرقل أخذ القرار ويؤدي إلى إهدار الوقت ويعطل مصالح المواطن ، مبينا أّن تحقيق الفعالية المحلية تتطلب وقفة حاسمة وتحديد المسؤولية.

أما رضا جنيح المختص في القانون العام والعلوم السياسية فقد أرجع سبب إفراز صناديق الاقتراع لنسيج فسيفسائي إلى عدم اللجوء إلى الاستشراف وعدم تقييم انعكاسات التشريع الجديد الخاص بالجماعات المحلية على واقع البلاد  وبالتحري من مدى انسجام هذا التشريع الجديد مع نظم البلاد وتاريخها ومناخها ومدى توفر الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لتطبيقه قبل تنزيله.

رقابة سابقة أم رقابة لاحقة أيهما الأنجع؟

أزاح دستور 2014 في بابه السابع الوالي من المجالس البلدية وقلص من رقابته في الجهات فعوضها برقابة لاحقة بعدما كانت سابقة ، مما أثار العديد من ردود الأفعال وخاصة في صفوف الولاة واتفق جميع المتدخلين في هذه الندوة على أنّ الرقابة اللاحقة سيكون لها تداعيات سلبية عديدة وستخلق تصادما وتضاربا بين سلطة المجلس البلدي المنتخب وسلطة الوالي المعين في ظل هذا النظام المحلي الجديد، معتبرين أنّ تغييب الوالي من التدخل المباشر سيهدد وحدة الوطن.

وعند حديثهما عن انعكاسات الرقابة اللاحقة عبّر عبّاس محسن والي سابق من 1976 إلى 1988 وعامر قريعة والي سابق من 1984 إلى 1990 عن استيائهما من حذف الدستور لخطة الوالي دون الرجوع إلى التاريخ وربطه بالحاضر، مذكرين بالعلاقة المتينة بين البلديات والهياكل التابعة لسلطة الوالي التي حمت البلديات وساعدتها ماليا وإداريا ، مشيرين إلى عراقة خطة الوالي المحدثة في تونس منذ سنة 1676، ومؤكدين على ضرورة إبقاء الرقابة السابقة و مواصلة العمل بها للإبقاء على وظيفة الوالي التعديلية وهو أيضا همزة الوصل بين المركز والجماعات المحلية وبين المواطن.

مبدأ الطعون سيغرق المحاكم بوابل من القضايا

ودافع رضا جنيح أثناء تدخله عن ضرورة الحضور المباشر للوالي في المجالس البلدية، محذرا من الرقابة اللاحقة في ظل مبدإ التدبير الحر الذي منح الجماعات المحلية حرية لا محدودة وما سينتج عنها من إخلالات وتجاوزات للقانون، معبرا عن تخوفه من عواقب اختزال التشريع الجديد لرقابة الوالي في الطعن في القرارات البلدية لدى المحكمة الإدارية مما سيتسبّب في إغراق المحاكم الإدارية بوابل من الطعون. وشاركه في هذا الموقف عامر قريعة بتدخله قائلا "جعل الدستور الجديد من الوالي عدلاً منفذاً مختزلا دوره الرقابي في الطعن ".

وواصل محمد الضيفي حديثه متخذا نفس التمشي ومحذرا من نتائج تغييب الوالي عن المجالس البلدية .وبيّن أنّ وضع البلاد الحالي ونظمها الإدارية والسياسية تقتضي التعاون والتكامل بين سلطة المركز والمجالس البلدية وأنه لا يمكن الحديث عن استقلالية ذاتية وشراكة أفقية إلا بصفة نسبية،. وأضاف أنّ المركز سيحافظ على هيمنته حفاظا على وحدة الدولة. ووافقه في هذا الرأي المتدخل رشيد الطوزي، أستاذ بالمدرسة الوطنية للإدارة ومدير سابق بوزارة المالية حيث إعتبر " أن الجماعات المحلية ستكون عاجزة على إدارة شأنها المالي بمفردها وستجد نفسها مجبرة على طلب المساعدات المالية من المركز مما سيعيق تدبيرها الحرّ واستقلاليتها الذاتية".

واقع الجهات لن يسمح باستقلالية ذاتية

أما فيما يخصّ مبدأ الاختصاص الترابي والتدبير الحرّ المسند للجماعات المحلية فقد نبّه محمد  الضيفي خلال هذه الندوة إلى الصعوبات التي ستعترض تعميم التغطية البلدية وإسداء الخدمات للجميع مثل التنظيف والتنوير العمومي وتصريف المياه وتعبيد الطرقات، لما ستجده المجالس البلدية من عوائق عديدة عند قيامها بهذه المهام نظرا لأن 02 بالمائة من المناطق بالجهات التونسية غير آهلة بالسكان نتيجة للهجرة من الريف إلى المدينة كما تبعد بعض المناطق عن الاختصاص الترابي البلدي بمئات الكيلومترات وتوجد دوائر بلدية تغطي عددا ضئيلا من السكان ممّا يجعل خدماتها مرتفعة جراء هذا التقطيع الترابي والتشتت السكاني والجذور القبائلية.

وبيّن أيضا أنّ تداخل وتقاطع إختصاصات المجالس البلدية مع اختصاصات وزارات الحكومة مثل الصحة والثقافة والبيئة سيحدّ من امتياز التدبير الحرّ للمجالس البلدية وأنّ بعض هذه الاختصاصات تعود كذلك  إلى مؤسسات السيادة من قضاء ودفاع وتشريع ومالية وثروات طبيعية ، مما سيخلق تصادما عند الإنجاز لصعوبة التوافق بين السلطة اللامركزية المرفقية واللامركزية الإدارية، علاوةً على الحدّ من الاستقلالية الإدارية التي منحها التشريع الجديد للجماعات المحلية.

تمويل ذاتي أمام عجز مالي

وعن مبدإ الاستقلالية المالية المسند من التشريع الجديد للجماعات المحلية وإن كان يعدّ مكسبا أم تعجيزا، وصف رشيد الطوزي  هذا المبدأ بسيف ذو حدين لما يحمله من تناقض فهو، حسب تحليله، يلزم الدولة بمساعدة المجالس البلدية وبمدها بالاعتمادات المالية وفي الوقت نفسه يمنحها استقلالية مالية ويطالبها بتمويل ذاتي.

وتساءل رشيد الطوزي أيضا عن الإمكانيات المتوفرة للجماعات المحلية لتحقق تمويلها الذاتي بعد أن ثبت أنها تعيش عجزا ماليا ناتجا عن مداخيل وإيرادات ضعيفة ومتأتية في معظمها من الآداءات الجبائية على العقارات ، ومن معاليم تسديد الخدمات البلدية ومن توظيفها لممتلكات تتكون أساسا من أراض اشتراكية لا يمكن لها التصرف فيها، مذكرا بما يظهره المواطن التونسي من امتناع وتلكؤ في دفع المعاليم الجبائية.

وفيما يتعلق بإمكانية لجوء الجماعات المحلية للإقتراض المحلي،  أشار الطوزي إلى عدم نجاعة هذا الحل أمام الديون المتراكمة للبلديات، معرّجا كذلك على ضعف الاعتمادات الحالية المسندة من المركز إلى البلديات والمحددة بـ 3 بالمائة من الميزانية.

وفي نفس السياق أعرب أيضا عباس محسن عن تخوفه من تداعيات تفعيل مبدإ الاستقلالية المالية الذي سينجرّ عنه تجميد وشلل للبرامج المزمع تنفيذها من قبل الجماعات المحلية،  لما يفرضه مبدأ الاستقلالية من أموال مرصودة وما يتطلبه من تطور اقتصادي سابق.

وثمن رشيد الطوزي مبدأ تفرّغ رئيس البلدية للعمل البلدي كامل الوقت ورأى أنه سيخدم التضامن والتواصل مع المواطن وسينقص من حدة التغيب الإداري لكنه تساءل أيضا عن كيفية رصد الاعتمادات المالية اللازمة للأجور القارة والمنح العينية التي سيتقاضاها رئيس البلدية المتفرغ خاصة وأنّ البلاد تعيش وضعا اقتصاديا وماليا متأزما.

تشريك المواطن لتخليص المركز من المطلبية

استحسن جميع المتدخلين في هذه الندوة مبدأ تشريك المواطن في أخذ القرار ورأوا فيه نقطة إيجابية تحسب لهذا التشريع الجديد فأبرز محمد الضيفي عند مداخلته أنّ المجالس البلدية مجبرة على تشريك المواطن في أخذ القرار لأن التشريع الجديد منعه حق الطعن في القرارات البلدية ملاحظاً أن مبدأ التشريك سيكرس الشفافية ويقلص من نسبة الفساد وسيجعل من المواطن ركيزة أساسية لتحقيق التنمية وسيخلص السلطة المركزية من براثن المطلبية ومن المواجهة اليومية لاحتجاجات طالبي التنمية لأن التنمية ستصبح من مشمولات الاختصاص الترابي الجهوي.

كما بيّن عباس محسن الجدوى التي ستحصل من إقحام مجلة الجماعات المحلية للمواطن في اتخاذ القرار ومساءلة رئيس البلدية، مشيراً إلى أنّ هذا التشريك سيحسن من الخدمات المسداة على المستوى المحلي وسيحدّّ من التراخي الإداري ويقلص من الفوارق بين الجهات.

فه يتميّز المجتمع التونسي بنضج سياسي كاف ووعي مواطني يسمحان له بتطبيق الديمقراطية التشاركية وهل أنّ وضع الجهات مؤهل لتركيز سلطة محلية؟

منية كوّاش
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.