أخبار - 2018.04.16

روسيا – الولايات المتحدة: نحو حرب باردة جديدة؟

روسيا – الولايات المتحدة نحو حرب باردة جديدة؟

أثارت قضية تسميم العميل الروسي المزدوج سيرغي سكريبال وابنته في بريطانيا، ردة  فعل قوية في العالم الغربي ضد روسيا، إذ استغلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون لشنّ هجمة إعلامية شرسة على الجانب الروسي ولكن خلفية هذه الحملة هي أساسا محاولة لإضعاف موقف الروس في سوريا، حيث يحتدم التّنافس بينهم وبين الأمريكان لتقاسم النّفوذ هناك..

لاتزال تداعيات قضيّة الجاسوس الروسي مستمرة بعد طرد الدبلوماسيين الروس من الولايات المتحدة الأمريكية ومن معظم دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى إغلاق القنصلية الروسية في سياتل، وما تلا ذلك من ردّ قويّ من روسيا التي أجابت بالمثل  بطرد دبلوماسيين أمريكيين وإغلاق القنصلية الأمريكية بسان بطرسبورغ. وتحاول الولايات المتحدة ومن ورائها حلفاؤها الأوروبيون تحشيد الرّأي العام الدولي ضدّ روسيا وإظهارها بمظهر المعتدي على حرمة بلد آخر والمؤجّج لسيناريو حرب باردة جديدة ضدّ المعسكر الغربي.

يأتي ذلك في خضمّ نجاح القوات الروسية في سوريا في استعادة الغوطة الشرقية، بعد معارك دامية، مجبرة جيوب المعارضة السورية على الخروج منها نحو إدلب. نصر استفاد منه النظام السوري الذي تمكّن بصفة نهائية من حماية دمشق والمناطق المحيطة بها ودحض أيّ تهديد ضدّ العاصمة. لكنّه فوز أثار حفيظة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الذين يدعمون المعارضة من جهة، والذين أصبحوا واعين تماما بانحسار نفوذهم في سوريا نتيجة سحب روسيا البساط من تحت أقداهمهم، سواء بالتدخل مباشرة لمساندة النظام أو عبر دعم حلفائها الآخرين مثل إيران وتركيا في معاركهم لتوسيع وجودهم في الأراضي السورية.

الغرب وخاصّة الولايات المتحدة ينظر بعين الريبة إلى التحركات الروسية في سوريا، حيث يبدو الروس المنتصرين الحقيقيين في هذه الحرب في ظلّ الهزائم المتتالية للمعارضة ونية الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا، وانحسار نفوذ الأكراد، حلفاء الأمريكيين على الأرض، وفشل مسار جنيف واستبداله بمسار أستانة ومفاوضــات ســوتشي التــي أطلقتـــها روسيا وحلفائها. لذلك يسعى المعسكر الغربي إلى تشويه صورة الروس وشنّ حرب نفسية وإعلامية، الغاية منها إضعاف وقع هذا الانتصار.

كما أنّ إعادة انتخاب بوتين كرئيس، وإن كان متوقّعا، ساهم في إعطاء إشعاع أكثر لهذا الأخير، وهو الذي لم ينته بعد من تذوّق لذة النصر على المعسكر الغربي  في سوريا وقبلها في أوكرانيا، ليواصل مشروعه لإعادة مجد روسيا كما كانت وقت الاتحاد السوفياتي.

سيناريو عقابي لتقدّم الرّوس في سوريا

سيناريو الحرب الباردة الذي تلوّح به الولايات المتحدة في وجه روسيا يبدو كسيناريو عقابي أمام تنامي النّفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم بشكل عامّ ولكنّه يعكس في نفس الوقت هشاشة الموقف الأمريكي الذي بدأ يفقد شيئا فشيئا نفوذه في المنطقة أمام دخول منافسين آخرين على غرار روسيا وإيران وتركيا، يملكون وجودا عسكريا على الأرض وحلفاء محليين ممّا يرشّحهم لإعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط. ومعلوم أن رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة سيبدأ من سوريا وينتشر من خلالها إلى بقيّة البلدان المجاورة. لذلك يحتدم الصّراع اليوم حول تحديد مناطق النّفوذ فيها. من هنا يأتي التّغيير المستمرّ للاتفاقات بين مختلف الأطراف المتدخّلة في المسألة السورية، وأقوى دليل على ذلك هو ما تقوم به تركيا حاليا من سعي إلى استعادة جزء كبير من الأراضي التي تقع تحت سيطرة أكراد سوريا، مخاطرة بالتصادم مع الولايات المتحدة التي تساند الأكراد في تلك المناطق عبر مستشاريها العسكريين، إلى جانب امتلاكها لثمان قواعد عسكرية هناك. ولا تبدو تركيا مكترثة كثيرا لردّ فعل الأمريكان وهي في طريقها للتوسّع من عفرين التي أحكمت سيطرتها عليها مؤخّرا، نحو منبج، واعدة بتطهير كامل المنطقة المحاذية لحدودها مع سوريا من الوجود الكردي.

الموقف التركي يجد مساندة كبيرة من الحليف الروسي الذي يرغــب في إضعــاف الوجود الأمريكي في ســــوريا عــبر إضعــاف حلفائه الأكراد وإجبارهم على عـقـــد تحالفات مع النظام السوري وتقاسم إدارة مناطقهم معه. في الأثناء، بدت الولايات المتحدة مستعدّة للتخلي عن حلفائها مـــن «قـــوّات ســـوريا الديمقراطية» (ذات الأغلبية الكردية) ولم تبد معارضة كبرى لاستعادة تركيا لعفرين وطرد الأكراد منها، بل إنّها قبلت بالمقايضة التي قام بها الأتراك مع الرّوس: عفرين مقابل الغوطة الشرقية ولم تتدخّل لإفشالها.

وأمام ضبايبة الموقف الأمريكي في سوريا، وربّما سعيا إلى حفــظ ماء الوجه بالنسبة للمعسكر الغربي، عملت فرنسا على تدارك الوضع عبر التعبير عن استعدادها لدعم أكراد سوريا في مواجهة الهجوم التركي، من خلال إرسال قوّات عسكرية. قرار استقبلته تركيا بغضب شديد وحذّرت فرنسا من تنفيذه على أرض الواقع.

الولايات المتحدة مستعدّة للإنسحاب من الحرب السورية

واشنطن ذهبت حتّى إلى إعلان نيّتها  الخروج من سوريا، حيث صرّح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب أنّ بلاده ستنسحب قريبا من المستنقع السوري. لذلك قرّر تجميد أكثر من 200 مليون دولار كانت مخصّصة لإعادة إعمار سوريا.

ويجدر التّذكير هنا أنّ اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية انصبّ بالنّسبة إلى المسألة السورية: أوّلا على الحرب ضدّ داعش وثانيا على منع إيران من التمدّد في التّراب السوري، مما جعلها تقبل بتسليم ورقة التسوية السلميّة للحرب إلى روسيا لتقف موقف المتفرّج. من جهته، فإنّ الجانب الروسي يعمل على فرض خطّته لإحلال السّلام في سوريا من خلال تكثيف المشاورات مع حلفائه: إيران وتركيا حول الحلّ السياسي للحرب التي تدور رحاها منذ سبع سنوات والحرص على تنفيذ مخرجات مؤتمر سوتشي ( في جانفي 2018) الذي أسفر عن إنشاء لجنة للإصلاح الدّستوري مهمّتها صياغة دستور جديد يتمّ بموجبه إجراء انتخابات ديمقراطية. وهناك اجتماع مرتقب في شهر ماي في أستانا لمواصلة التشاور حول الحلّ السياسي والعمل على تنفيذ اتّفاقات «مناطق خفض التوتّر» التي تمّ الإعلان عنها السنة الفارطة لوقف أعمال العنف بين الأطراف المتحاربة.

تبقى المسألة السورية والسّيطرة على الشّرق الأوسط جوهر الخلاف بين الولايات المتحدة وروسيا. ولا تعدّ قضية العميل الروسي سوى مناورة من الأمريكيين لكسب جولة في صراعهم ضدّ الروس. وقد لا يصل الأمر إلى التّصادم الفعلي بين القوّتين. ولكن هذه القضيّة ستساهم في دفع المجموعة الدولية إلى فرض عقوبات على روسيا.

حنان زبيس




 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.