أخبار - 2018.04.06

الأزمة وبـوادر التّغيــيـر الاجتمــاعي في الخلــيـج

الأزمة وبـوادر التّغيــيـر الاجتمــاعي في الخلــيـج

آخر التطوّرات في ملفّ أزمة الخليج شهدتها منصّة الأمم المتحدة بمناسبة الدورة السابعة والثلاثين لمجلس حقوق الانسان المنعقدة نهاية الشهر الماضي بجينيف، ففي كلمته أمام المجلس دعا وزير الخارجية القطري المنظمة الأممية إلى وقف انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن غلق السّعودية والبحرين والإمارات ومصر حدودها البرية والبحرية والجوية مع بلاده، وهو الإجراء الذي تعتبره قطر حصارا غير قانوني يستهدف الشعب القطري وردّا على هذا الموقف أصدرت الدول الأربع بيانا قدّمه المندوب الدائم لدولة الإمارات قالت فيه إنّ الأزمة السياسية الصغيرة بينها وبين قطر يجب أن تحلّ في إطار جهود الوساطة الكويتية القائمة والتي تحظى بكامل الدّعم والتّقدير من قِبَلها.

لكنّ قطر أصدرت بيانا جديدا ردّت فيـــه على بيـــان الدول الأربع معتبرة أنّها قد فشلت في تقديم المبرّرات والحجـــج القــانونية للإجراءات القسرية التي فرضتها والتي تُعتبر بمثابة عقاب جماعي، ويستند البيان القطري في هذا التّوصيف إلى تقرير البعثة الفنيّة لمكتب المفوّض السّامي لحقوق الإنسان التي زارت قطر في شهر نوفمبر الماضي، وأجرت لقاءات مع عدد من المتضرّرين من إجراءات غلق الحدود ومنع السّفر. وخلال مؤتمر صحفي عقدته على هامش الدّورة قالت المتحدّثة باسم الخارجية القطرية: إنّ تأكيد دول الحصار في المجلس التابع للأمم المتحدة على أنّ الطريق الوحيد للخروج من هذه الأزمة يكمن في العودة إلى الوساطة الكويتية، يمثل تطوّراً جيداً..

تأتي هذه الأحداث والأزمةُ تدخل شهرها العاشر دون أن يتحقّق فعليا تقدّم يُذكر، بل يؤكّد التّراشق الأخير بالبيانات على أنّ الخلاف يراوح مكانه، فرغم تأكيد الدول الأربع في بيانها على أهميتها لم تحقّق الوساطة الكويتية نتائج إيجابية، لا سيّما وأنّ هذه الدّول لم تُبد حرصا كبيرا على تفعيل المنظومة الخليجية وما يتوفّر فيها من آليّات لفضّ النزاعات، فقمّة الكويت الأخيرة لم يحضرها من قادة دول الخليج غير أمير قطر. لقد بات واضحا أنّ المسافات ماضية في التباعد بين دول الخليج العربية بعد أربعة عقود من التّضامن والعمل المشترك تحت مظلّة مجلس التعاون، بما يشير إلى أنّ المنطقة مقبلة على تغيّرات جوهرية عميقة بدأت تظهر ثمارها بسرعة على أرض الواقع.

كلّ المؤشّرات كانت تدلّ منذ بداية الأزمة على أنّ تغييرات دراماتيكية بصدد الحدوث على النطاق الإقليمي، فبعد ثلاثة أيام فقط من اجتماع الرئيس الأمريكي ترامب في الرياض بقادة دول مجلس التعاون يوم 21 ماي2017 انطلق الخلاف بنسبة تصريحات إلى أمير قطر حول علاقات بلاده مع إيران، قبل أن يتطوّر الخلاف إلى قطع العلاقات الديبلوماسية في الخامس من شهر جوان وتقديم لائحة عبر الوسيط الكويتي تتضمّن ثلاثة عشر مطلبا اعتبرت قطر أنها تمثّل انتهاكا لسيادتها ودعت في مقابل ذلك إلى حوار غير مشروط. وكان واضحا أنّ الطّابع التعجيزي للائحة المطالب كان يهدف إلى إضعاف الموقف القطري بتوقّع مسارات محتملة للأزمة، أوّلها أن يؤدّي إغلاق الحدود البرية إلى أزمة اقتصادية خانقة، وثانيا أن يحدث تململ داخل الأسرة الحاكمة يؤدّي إلى تغيير النظام لا سيّما باشتداد الضغط الأمريكي عليه باعتماد تهمة «دعم الإرهاب». وعبر حملة إعلامية واسعة النطاق استهدفت النظام القطري داعية إلى تغييره كان واضحا أنّ الأزمة السياسية قد تجاوزت خطّ اللاّعودة، لكن الفرضيات المذكورة لم تكن مبنية على قراءة دقيقة لواقع قطر وطبيعة النظام والمجتمع فيها فضلا عمّا تمثّـله من قدرات اقتصادية مذهلة.

فعلى الصعيد الاقتصادي لم يتجاوز أثر الحصار حدود الصّدمة التي أحدثها القرار المفاجئ بغلق المنفذ البري الوحيد لقطر والذي يربطها بالسعودية وباقي دول الخليج، إذ تمّ في وقت قياسي تزويد السوق بمنتجات بديلة من المصانع التركيّة والإيرانية لا سيّما في قطاع الألبان ومشتقّاتها قبل أن تنطلق خطّة شاملة لتطوير الصناعة تضاعف بموجبها عدد المصانع التي دخلت مرحلة الإنتاج مقارنة بنفس السداسية من السنة الماضية، كما سجّل الميزان التجاري السلعي في شهر ديسمبر على سبيل المثال ارتفاعا في الفائض يعادل حوالي 40 % بالمائة مقارنة بنفس الشهر من العام 2016، وبدخول ميناء حمد الدولي حيّز العمل واعتماد تسعة خطوط بحرية دولية استغنت قطر نهائيا عن ميناء جبل علي في إمارة دبي.

على الصعيد السياسي يأتي الحوار الاستراتيجي القطري الأمريكي حول مكافحة الإرهاب الذي انعقد في واشنطن في شهر جانفي ليفرغ اتّهامات السعودية ومصر والإمارات لقطر بدعم الجماعات الإرهابية من محتواه، ويلغي عامل الضّغط الأمريكي الذي كان أحد منطلقات الأزمة، إذ يعكس هذا الحوار انخراط السياسة الخارجية القطرية في المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب لا سيما وأنّه يأتي بعد زيارة الرئيس الفرنسي إلى الدوحة في شهر ديسمبر وتوقيعه مع أمير قطر على خطاب نوايا لتعزيز التعاون في مجال محاربة الإرهاب وتمويله ومكافحة التطرف. وبهذه النقاط التي كسبتها قطر اقتصاديا وسياسيا دخلت الأزمة منطقة لم تعد تستطيع أن تتوغّل فيها كثيرا، إذ لم يحقق غلق الحدود نتيجة تذكر فضلا عن تداعياته الانسانية خصوصا في مستوى العائلات المشتركة وانعكاسات منع السفر على استقرارها وتماسكها وهو جوهر الملف الحقوقي الذي يمثّل كذلك نقطة ثمينة في السجل القطري، هذه الأزمة التي كان من بين أهدافها تغيير النظام القطري تؤدّي بشكل متسارع إلى تحوّلات هامّة في بنية المجتمع ذاته. على الطرف الآخر من الحدود تشهد المملكة العربية السعودية خطوات تحديث متسارعة في إطار خطة تنموية مستقبلية يقودها ولي العهد، ويُتوقّع أن تؤدّي إلى تغيير صورة المملكة بنسق أسرع من المتوقع. هذه التغيرات تجعل من تصريحات وزير الخارجية السعودي في المؤتمر الدولي لدعم دول الساحل الإفريقي المنعقد في بروكسل ضربا من الحرب النفسية لا غير إذ قال «إنّ قطر كدولة وكقضيّة صغيرة جدّا، جدّا، جدّا»، فالمتغيرات على أرض الواقع ترجّح ما جاء في تصريح سابق لسفير الإمارات في واشنطن لإحدى القنوات الأمريكية أكّد فيه أنّ الخلاف مع قطر ذو «خلفية فلسفية» إذ تريد الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين أن يروا في السنوات العشر المقبلة شرق أوسط مختلفا بشكل أساسي عمّا تريده قطر خلال الفترة نفسها، إنّهم يريدون شرق أوسط أكثر علمانية، مستقرا ومزدهرا تقوده حكومات قويّة.

عامــر بوعــزّة
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.