حضارة إفريقية محور ندوة في بيت الحكمة

أيّ معنى للحديث عن المأسسة في حضارة إفريقيّة؟ ما هي أبرز إسهامات إفريقيّة في التصوّف؟ هل من منزلة للطقوس الاحتفاليّة في هذا المشروع الحضاري؟ كيف تؤثّر الفتاوى والأحكام الفقهيّة في مظاهر المعيش وآداب السلوك؟

تلك هي أبرز الأسئلة التي أثارتها النّدوة التي نظّمها مؤخّرا المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة" بالتنسيق مع كليّة الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة.

نزّل رئيس المجمع الأستاذ عبد المجيد الشرفي مضامين الندوة في إطار مواكبة بيت الحكمة لمسيرة الدراسات الحضاريّة كمباحث تتقاطع فيها الاختصاصات المتعدّدة، من مباحث لسانيّة وتاريخيّة وفلسفيّة ودينيّة الخ. . وتؤكّد هذه النّدوة وفقا لمقاربته استمرار جهود الجامعة التونسيّة الوفيّة لتقاليد المؤسّسين على الرغم من المصاعب والعراقيل . وفي سياق الطقوس الدينيّة وتأثيرها في النّظم السلوكيّة قدّمت الأستاذة سهام الدبابي في جلسة علميّة ترأسها الأستاذ حمادي صمود مداخلة حول الأعياد الإفريقيّة بين الأحكام الفقهيّة ونظم القيم السلوكيّة، مركّزة في تحليلها لتلك الظواهر على أدوات تشريحيّة منحدرة من المعجم الأنتروبولوجي، حيث أبرزت تأثّر الطقوس الاحتفاليّة بمرجعيات ومذاهب دينيّة كالفقه المالكي والشيعة الإسماعيليّة مذكّرة بمعيش الفاطميين والحفصيين ومواقف الفقهاء من اللهو والتجارب الحسيّة والصوفيّة.

كما اهتمّت الأستاذة فريدة طراد بحقبتي الأغالبة والفاطميين، فسردت عديد الوقائع  الموثّقة لتعدّد النّظم الثقافيّة في النسيجين الاجتماعيين ممّا يفسّر تغيّر أشكال التفاعل بتنوّع سبل التشريط الثقافي، إنّها إفريقيّة التنوّع والتعايش بين الأديان نظرا لتعدّد الانتماءات العقائديّة لسكّانها.

وفي هذا المجال تناولت الأستاذة سماح حمزة مسألة المنزلة الاجتماعيّة لنصارى إفريقيّة "كسكّان أصليين  وكوافدين"، لقد أكّدت المحاضرة على أنّ النصارى "كانوا شريكا أساسيا في مشروع إفريقيّة الحضاري" على الرّغم من عدم وجود النظام الكنائسي المنظّم لهم على خلاف نصارى المشرق، لنستنتج من تلك الوقائع الثراء الحضاري القائم أوّلا على منزلة الذات الإنسانيّة بمعزل عمّا هو عرقي وديني الخ..

ولم تقتصر مداخلات الندوة على طقوس الشأن الديني وقضايا الأكسيولوجيا، من مواضعات وعادات وتقاليد، فقد اهتمّ الأستاذ نادر الحمامي بقضايا تربويّة من خلال بعض مظاهر مأسسة التعليم والعلاقة بين "معلّم الصبيان" والمتعلمين وصيغ تقنين الممارسة التعليميّة، فمن الطبيعي أن تترجم تلك الضوابط أهميّة الفعل المعرفي آنذاك الخاضع إلى مدوّنة تشريعيّة وآداب سلوكيّة وخلفيّة فكريّة.

وفي سياق الاهتمام بالجوانب المعرفيّة واكب جمهور الندوة مداخلات حول أصداء إفريقيّة في الموسوعات الأدبيّة واللغويّة على غرار مداخلة الأستاذة ناجية الوريمي حول البحوث في القضايا المذهبيّة في لسان العرب، فضلا عن مقاربات شعريّة وأدبيّة تؤرّخ للثقافة العلميّة التي كانت سائدة لدى بعض الفئات والطبقات الاجتماعيّة، إذ تطرّقت الأستاذة نسرين السنوسي في خاتمة النّدوة. إلى منزلة التجارب الأيروسيّة واهتمام بعض الأدباء والشعراء بتلك المسائل التي تدعي أطروحات معاصرة أنّها إشكالات مسكوت عنها في كل الثقافات القديمة.