هذا لشيء عجاب: هل تحوّلت الدولة إلى "دمية روسية"؟
في جمهوريتنا الثانية، كما يحلو للبعض أن يسمّيها، تتغوّل المؤسسة الأمنية فيحتجّ الأمنيون على إيقاف ثلاثة منهم بالتجمهر في حرم إحدى محاكم العاصمة للضغط من أجل إطلاق سراحهم بقطع النظر عمّا إذا كانوا مذنبين أو غير مذنبين...
وفيها تتغوّل السلطة القضائية فيعمد القضاة إلى التوقف عن العمل في كافّة أنحاء البلاد للتعبير عن استيائهم مما يعتبرونه اعتداء مباشرا على حرمة المحاكم والحكام وضربا لاستقلالية القضاء...
وفيها تتغوّل النقابة العامة للتعليم الثانوي فيقرّر المدرّسون حجب الأعداد عن الإدارة ثم الإضراب ويهدّدون بتصعيد أشكال "نضالاتهم" غير عابئين بما يمكن أن يكون لذلك من مضاعفات على التلاميذ وعلى أسرهم وعلى صورة التعليم عامة...
وفيها تتغوّل هيئة الحقيقة والكرامة فتقرّر بنفسها لنفسها أن تمدد فترة عملها بسنة أخرى، وتعتبر أنّ قرارها غير قابل للنقاش فضلا عن النقض، من قبل مجلس نواب الشعب الذي أنشأها وعين رئيستها "المتمرّدة عليه" وأعضاءها.
وفيها تتغوّل "الحراكات" الشعبية في عدة مناطق من البلاد فيعمد أهالي الحوض المنجمي إلى الاحتجاج على نتائج مناظرة لانتداب عمال جدد لصالح شركة فوسفات قفصة، وللمطالبة بالتشغيل والتنمية، ويستمرّون في احتجاجاتهم مؤكدين أنّهم لن يسمحوا بعودة إنتاج الفوسفات إلا متى تحققت مطالبهم، وليس مهمّا بالنسبة إليهم أن تفلس الشركة، وحتى البلاد نفسها.
كما يعمد شباب ولاية تطاوين إلى القيام بوقفة احتجاجية على ما يسمونه مماطلة الحكومة في تنفيذ بنود اتفاق الكامور، وعدم الالتزام بمقتضياته ويمهلونها أسبوعا للانطلاق في التنفيذ وإلا فإنهم سيعودون إلى الشارع وإلى نصب خيام الاعتصام مرة أخرى.
وفيها...
وفيها...
وفيها يتغوّل الجميع، دون استثناء، حتى لقد بِتُّ أشعر وأنا انظر إلى هذه "العجائب" التي تحدث في بلادنا اليوم، بأنّ الدولة باتت أشبه ما يكون بـ"الدمية الروسية"، لا من حيث جمالها أو طرافتها، وإنّما من حيث أنّك إن فتحتها وجدت في أحشائها دمية/دولة ثانية، وإن فتحت الثانية وجدت في أحشائها دمية/دولة ثالثة، وإن فتحت الثالثة وجدت في أحشائها دمية/دولة رابعة وهكذا دواليك...
محمد إبراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق