د. خديجة معلَّى: الحوكمة العَلمانية أساسا لسلام والتنمية
هل الحُكم الذي صدرهذا الأسبوع، عن الدائرة الشخصية بالمحكمة الإبتدائية بالكاف يُأسس لحرية المعتقد والضمير؟ بل أبعد من ذلك،هل هو دلالة لبداية ثورة فكرية وثقافية كان الجميع ينتظرها منذ سبع سنوات؟ هل هو أخيرا،بصيص الأمل الذي سوف يُرجع للتونسيين الثقة في القضاء وإمكانية تطبيقهلحرية المعتقد والضميرالمكفولة بموجب الدستورالتونسي الجديد؟ وفعلا، تجيب المحكمة بالنسبة للخشية من تغييرالأطفال لديانتهم إثر تزوج أمُّهم ثانية بشخص غيرمسلم، ما يلي: "وحيث أن المبادىء الكونية التي أقرتها التشاريع السماوية والوضعية، هي حرية الضمير والتي كرَّسها الدستورالتونسي في فصله السادس وهي إمتداد لما وقع تضمينه بالمواثيق والصكوك الدولية المنظمة لحقوق الإنسان والتي تعني أن يؤمن الشخص أويعتقد وفق ما يمليه عليه إقتناعه الشخصي ...وهذامن المسائل المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية للأفراد(1) ..."!
سبع سنوات مرت الأن بعد قيام الثورةالتونسية والتي كانت نموذجا للثورات في كل المنطقةوالتي هدَّمت المعبد علي رؤوس الأنظمة التي ظلت تحكم لعصور طويلة، قُهرت فيها شعوب المنطقة، مابين وأدٍ للحريات العامة والتعدي علي الحريات الخاصة، وإنهيارإقتصادي وسياسي وإفقار لشعوب المنطقه وإستهلاك لثروات الدول لصالح إثراءهم الشخصي والعائلي من جهة، ومن جهة أخرى، بين إنهيارلنظم التربية والتعليم والثقافة وتقييد الصحافة والفنون والإبداع بمختلف أشكاله حتي رضخت شعوب المنطقه تحت فقرالعيش وفقرالفكر.كل هذا الواقع دفع بالشباب إلى الهروب إلي الأفكارالأصوليةوالإلتحاق بالجماعات التي تأخذ التكفيروالعنف منهجاً. هرب إليها الشباب طمعاً في حياة أخروية بدلا من الحياة الدنيوية وكرها لها، فإُستخدم لتفخيخ وتفجير نفسه في تونس وبعض الدول الشقيقة والصديقة.
وبدلاً من أن يكون للمثقفين والأحراردورا في توعية وتنويرالشعب، وبإستثاء عدد قليل منهم، فضَّلتالأغلبية عدم تحمل المسؤولية والإنشغالبالمصالح الخاصة هرباً من عنف السلطة وعنف الجماعات الأصولية. وبعد قيام الثورة، بدلأً من أن يضطلع المثقفون والأحرار بدورهم في حمل المشعل، بات من الواضح أن النخبة لم تكن في مستوى توقعات الثورات العربية التي قامت بدون رؤية و برنامج لما بعد الثورة. وبالتالي سمحت هذه النخبة أن تَسرِقَ القوى الأصولية الثورة لأن هته القوى كانت جاهزة ببرنامج أصولي.وكما يقول إبن رشد: "الفتن التي تتخفى وراء قناع الدين، تجارة رابحة جدا في عصور التراجع الفكري للمجتمعات".
بعد ذلك فَهِمَت هذه القوى الأصولية أن من مصلحتها التحالف مع القوى الانتهازية للإستلاء على الحكم والسهرعلى عدم تركه مهما تكلف الأمر. وبُنِيَ هذا التحالف على "الرأسمالية الطفيلية" التي تستغل الإتجار في البشر والسلاح والمخدراتوالتهريب لتمويل الإرهاب، عِلمًا بأن الإرهاب هو أعلى مراحل الأصوليات أيا كانت أيدولوجياتها والدين الذي تتبناه وتدافع عنه.
سبع سنوات بعد التحركات الإجتماعية التي طالبت بإسقاط النظام، والشعب لازل يقبع في مستنقع هذا التحالف.فما هوالحل للخروج منه؟وماذا يجب فعله لإكتمال ما بدأ في أول أيام الثورة قبل أن تُجهض وتحيد عن مسارها الحقيقي؟إستعادة المسارالحقيقي والصحيح للثورة يقتضي تحالف المثقفين وكل القوى التقدمية لوضع رؤية مشتركة وبرنامج عمل يخدم كل طبقات المجتمع والشعب بأسره وخاصة الشباب الذي هو وقود نهوض هذا الشعبوأمله في تحقيق التنمية والتشغيل.لذلك وجب إنشاء تيار قوى يضم كل القوى الوطنية والتي لاتستهدف غيرصالح هذا الشعب ولاتسعي إلا لإعلاء شأنه ووضعه على سُلَّم الحضارة وقائمة الدول المتقدمة.
بداية الطريق هي"أن نعطي ما لقيصر لقيصرومالله، لله"! أي أن نفصل الدين عن النظام السياسي.الدين هوعلاقه روحيةخاصة بين الشخص وخالقه، أما الدولة وبناءها وتسييرأمورها شأن منفصل تماماً.الدين ينتمي للمجال الخاص، في حين ينتمي النظام السياسي والقانون والمؤسسات للمجال العام ومن الأساسي فصل الخاص عن العام. هذا هو مفهومالعَلمانية وهذا هو الطريق لضمان التنمية.ويستلزمالبديل القادمتكاتف جهود كل الوطنيين منفلاسفة ومفكرين ومبدعين وسياسيين وفنانين وعلماء وخبراء، نساءً ورجالاً، شابات وشبان وكل المخلصين لهذا الوطن، كل الحالميين بمستقبل واعد للشعب وللوطن.
آن الأوان أن تتحد كل القوى العَلمانية التقدمية كي تقترح البديل وأن تأخذ بزمام الأمورلإيقاف تغلغل الرأسمالية الطفيلية وتحالفها مع الأصولية الدينية مما إنجرعنه تأزم الحالة الثقافية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية والجيوستراتيجية للدولة التونسية.
تكاتف الجهود في مواجهة كل القوي الظلامية التي تريد أن تعيد تونس إلي ما وراء الحضارة وما وراء التاريخ، معإقتراح الرؤية البديلة الواضحة والدخول في حوار مباشر مع الجماهيرلأنهم الشريك الأساسي والوحيد للخروج من هذا المستنقع.ويجب أن تهدف الرؤية إلى تحقيق الديموقراطية بمكوناتها الأربعة وهي: 1) العَلمانية، 2) عقد إجتماعي جديد بين القيادة والجمهور مبني على تضافر الجهود نحو التنمية، 3) التنوير و4) ونظام إقتصادي ليبيرالي. وأن تضع هذة الرؤية صوب أعينها مطالب الجماهيرالتي أرهقت من المطالبةبالتنمية والديموقراطية، طوال الستون سنة الماضية ولم تتحصل إلاَّ على القليل.
آن الأوان أن يتحمل هذا الجيل مسؤولية بناء تونس المستقبل المشرق الذي سوف تفخربه كل الأجيال القادمة.
د. خديجة معلَّى
(1) http://www.pointjuridique.com/2017/12/28/تأسيسا-على-حرية-الضميرحكم-برفض-إسقاط-ا/
- اكتب تعليق
- تعليق