هل ستتكرّر كارثة قابس بميناء المياه العميقة بالنفيضة؟
سيّدي رئيس الحكومة ، يوسف الشاهد
بعد التحيّة
أتوجّه لكم بهذه الرسالة وأنا أتساءل إثر الضجّة الإعلاميّة حول مشروع ميناء المياه العميقة، هل ستكرّر كارثة قابس بالنفيضة؟
يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه إذا لم تتحلّ حكومتكم بالشجاعة والحكمة، ما يجعلها نتجنّب أخطاء الماضي وتستوعب الدّرس منها، حتّى لا تقع في مثلها خاصّة إذا كانت على علم مسبق بتداعياتها، من خلال الدراسات التي أعدّها أهل الاختصاص، مثل ما هو الشأن اليوم بالنسبة لميناء المياه العميقة بالنفيضة.
فإن كنّا نجد عذرا لحكومة الاستقلال التّي أقامت صناعات تكرير الفسفاط بقابس، لأنه في ذلك العهد مشكل التلوّث لم يكن مطروحا لا في تونس ولا خارجها ولم يخطر على بال من أنجز هذا المشروع. وكانت سياسة التنمية المتوازنة بين الجهات التّي تميّزت بها حكومة الاستقلال في الستّينات تفرض إقامته في جهة قابس، ومن حق قابس أن يكون لها نصيبها من مجهود التنمية بعد الاستقلال فكان المشروع مطلبا من مطالب هذه الجهة ومحلّ ترحيب من أهاليها ولم تظهر مساوئه إلاّ بعد سنوات.
وأقول هذا من منطلق شعوري الوطني، وبحكم المسؤوليات التي تحمّلتها في الحزب والدولة في فترة الستّينات من القرن الماضي، وقد تعرّضت لهذا الموضوع بأكثر تفاصيل في مذكّراتي التي هي بصدد الطبع لدى دار الجنوب للنشر تحت عنوان " الحلم والمنعرج الخطأ"، وأكّدت فيها أنّه لو كانت حكومة الاستقلال تعلم مسبقا ما كان سينتج عن هذه الصناعة من تلوّث ما كانت تقبل بإنجازها بقابس أو بصفاقس مهما كانت التكاليف.
وأشرت إلى هذا الموضوع، حتّى نلفت انتباهكم ونحذّركم وأنتم بصدد الاقدام على تنفيذ مشروع ميناء المياه العميقة، رغم اعتراضات أهل الاختصاص، وتحذيرهم من تباعته الكارثيّةعلى التوازن الطبيعي للبيئة. وأنّه لو قُدّر لهذا المشروع أن يرى النور، سيحدث حسب رأي البعض من المختصّين كارثة بيئيّة لا أوّل لها ولا آخر، تتمثّل في تلوّث شواطئنا السياحيّة الممتدّة من الحمّامات إلى المهديّة، وهي لعمري أكبر مخزون سياحي يتعيّن المحافظة عليه للأجيال القادمة.
كان على الإعلام السمعي البصري أن يولي هذا المشروع ما يستحقّ من اهتمام، لأنه ينطوي على العديد من المخاطر، وأن يدعو إلى منابر الحوار أهل الاختصاص لينيروا الرأي العام، فمن حق الشّعب والمجتمع المدني أن يطّلع على رأي الاختصاصيين في الاقتصاد والبيئة، حول سلبيات هذا المشروع وإيجابياته إن وجدت، ومردوديّته على الاقتصاد الوطني، فالاستثمار الضخم الذي يتطلّبه هذا المشروع، حتّى وإن كان بتمويل خارجي، يحمّل المجموعة الوطنيّة أعباء لا طاقة لها بها، ويفرض عليها الارتهان للاستثمارات الأجنبيّة وما يترتّب عنها من التزامات وقيود.
أليس من الأجدى المحافظة على شواطئنا الجميلة الممتدّة بين الحمّامات وسوسة، والتّي تعتبر من أهمّ وأجمل ما تبقّى من شواطئ سياحيّة على ضفاف المتوسّط ؟ أليس من الأفضل التخطيط على المدى البعيد لإنجاز طريق ساحليّة على شاطئ البحر يربط الحمّامات بسوسة على غرار ما هو موجود في كلّ البلدان المطلّة على البحر، وفتح المجال لإقامة مدن عصريّة ومرافق ترفيهيّة في نطاق تصوّر جديد للسياحة التونسيّة والتهيئة العمرانيّة، تستقطب سوّاح العالم في بيئة سليمة تجعل من تونس بلدا جميلا خال من التلوّث يطيب فيه العيش؟
بيّنت التجربة أنّ الاستثمار في السياحة أوفر دخلا من أي استثمار، ويشغّل أكثر بكثير من الاستثمار في الصناعات والموانئ مهما كان حجمها. لو بنيت النزل السياحيّة في خليج قابس لكان التشغيل فيها أضعاف ما تشغّله الصناعات الكيميائيّة اليوم.
سيّدي رئيس الحكومة
إنّي ألفت اهتمامكم لخطورة ما سينجر عن إنجاز هذا المشروع حتّى لا تضيفوا لكارثة قابس كارثة أخرى، وحتّى لا يقال للأجيال المقبلة أنّكم أقدمتم على هذا المشروع لجهلكم عمّا سيترتّب عنه من تداعيات ومخاطر يصعب تلافيها، والسعيد من اتّعظ بأخطائه، اللّهم إنّي بلّغت اللهم فاشهد.
الأستاذ عبد السلام القلاّل
محـــام
- اكتب تعليق
- تعليق