عادل الأحمر: هــزّ ساق... تغـرق لخــرى !
صديقي العيّاش، كيف برشة مواطنين في البلاد هاذية، عايش على شهريّة، ينتظر راس الشهر، على أحرّ من الجمر، ومن نهار عشرين يبدا يدادي، ويسأل من هنا ومن غادي:» ياخي صبّوا والا مازالوا؟، ويذهب إلى بانكتو مرات وما يلقى والو، إلى أن يفرج الله وتأتي أخيرا الشهريّة، ولكن معها تأتي مشكلة العيّاش الأبديّة، منذ أن دخل الوظيفة العموميّة:» ماذا يفعل بذلك المبلغ القليل، مقارنة بالتزامات واقفة في صفّ طويل؟
وأول التزاماته إرجاع الديون التي عليه، وقد أثقل بها كتفيه، منذ أيّام الشهر الأوائل، عندما نفذ مرتّب الشهر الذي قبله في ساعات قلائل، فاضطر العيّاش إلى الاقتراض من بعض أصدقائه المرفّهين، أو زملائه ممّن يدبّرون رؤوسهم من اليسار ومن اليمين، وبعضهم يتعامل معه مثل البنك الدولي، بانتريس مرتفع عالي.
وبعد ما ينتهي العيّاش من تصفية ديونه، يلتفت إلى شأن آخر من شؤونه، وهو تغطية ما أمضى من كمبيالات، وما سّيب من شيكات، في شراءات بالتسهيلات والتقسيط، وفيها مبالغ ليست بالأمر البسيط. فهو لا يتردّد، لقضاء بعض الحاجات، في الارتماء بين أحضان التسهيلات، ناسيا أنّه في يوم آت سيدفع حتما الحساب وإلا فسوف يجد «اللوسي» أمام الباب. وتحت هذا الضغط خطير الانعكاسات، يبادر العيّاش بسرعة إلى إغلاق ملفّ الشيكات والكمبيالات.
وبغلق هذا الفصل الثاني من صرف الشهريّة، لا يبقى الكثير للعيّاش لمجابهة حاجات ذات أولويّة، من مصروف الدار، وسيّارته الشعبيّة، إلى ملبوس لولاد ودروسهم الخصوصيّة، سيّما وقد أصبحوا في سنّ لا تقبل التهاون مع «اللوك»، بين دجين مرقّع وكسكات مقلوبة وحجامة سردوك. ويحمد العيّاش ربّه والسماء، أنّه على الأقلّ معفى من الكراء، إذ يسكن في طابق فوق بيت الوالد، وهذه نعمة يشعر بها العيّاش عند الشدائد، رغم ما في هذا التعايش من مشكلات، وأهمّها مشكلة الكنّة والحماة.
رغم ذلك، ورغم دعم المادام للميزانيّة العائليّة، بما يبقى لها ممّا تصرفه على أمورها الشخصيّة، لكي تذهب إلى العمل في أحسن هيّه، فإنّ العيّاش لا بدّ أن يتجاوز كل شهر خطّ «الروج»، ويقعد مع البنكاجي متاعو ممروج، ثم يضطر للعودة إلى حلقة الاقتراض المعتادة، والله لا يقطعلو عادة، وتليها حلقة انتظار الشهريّة، وبعدها حلقة تسديد المديونيّة، وهكذا دواليك في سلسلة كبرى، عنوانها «هز ساق تغرق لُخرى»
وعندما يسمع العيّاش «خبراء الاقتصاد الكبار»، يتحدّثون في الإذاعة والتلفزة عن الادّخار، يشيخ بالضحك عليهم، وماذابيه يشدّ يعطيهم طريحة على ساقيهم..
عادل الأحمر
- اكتب تعليق
- تعليق