نداء جديد من أجل تدابير رادعة وناجعة في قضية "أطروحة الأرض المسطّحة"
شجبت الجمعية التونسية للدفاع عن القيــَم الجامعية بشدّة، يوم 25 ماي 2017، القرار الذي اتخذته السـّلط الأكاديمية بجامعة صفاقس، وبالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس، لترخيصها بالقيام ببحث علمي يدعم الأطروحة القائمة على الخلط التاريخي، والتي صارت اليوم لا معنى لها، والمتعلّقة بتسطـّح الأرض وثباتها، وللسّماح للباحث بإيداع رسالته في الموضوع للمناقشة، وذلك في الخطاب الذي ألقاه رئيسها، ولكن لم يلق صدى في وسائل الإعلام، بمناسبة الاحتفال بإمضاء الميثاق الجامعي. وقد تولـّت ذلك البحث منذ 2011 طالبة في قسم: علم طبقات الأرض (الجيولوجيا)، بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس، بمباركة من لجنة الأطروحات، ومدير بحوث من كلية العلوم بصفاقس، لم يكتف بالموافقة على الموضوع المقترح، بل دعـّم الحجــج والبراهين العلمية الزائفة التي تثير السخرية، و ساند أدلّة وبراهين لاهوتيّة لا علاقة لها بالأطروحة أو بالاختصاص و مرفوضة حتّى من المتخصّصين في مجال العلوم الدينيّة، وقد أثارت تلك الأطروحة بذلك ضجـّة وغضبا في الأوساط العلميّة الوطنيّة والعالميّة، وفي أوساط الجامعيّين ومناضلي المجتمع المدني، عند الاحتفال بإمضاء الميثاق الجامعي، وألقت بظلالها على الصّورة النّاصعة التي تتميـّز بها الجامعة التونسية داخل الوطن وخارجه.
وتعالت أثناء ذلك الحفل أصوات كثيرة تنادي باتّخاذ عقوبات صارمة ضـدّ جميع من شاركوا في تلك الفضيحة، وقد رأت الجمعيّة التونسيّة للدّفاع عن القيــَم الجامعيّة من الضّروري إجراء بحث لمعرفة حيثيات القضية بتفاصيلها، والوقوف على الإخلالات والثّغرات التي كانت في أصل تلك المعـــرّة.
فالأستاذة "بيـّة المناعي طيـّاش" وهي أستاذة بكلية العلوم الرياضية والفيزيائية والطبيعية بتونس، وقد تمّ الاتصال بها لكي تــُعــدّ تقريرا بشـأن موضوع الأطروحة، هي التي – مع إمساكها عن تقديم التقرير الذي طـُلب منها – نبـّهت السلط الأكاديمية في المدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس، وفي جامعة صفاقس، ونبـّهت سلطة الإشراف ، والأستاذ غازي عتب، الذي كان الأصل في إشاعة الفضيحة على شبكة الإنترنات، حسب ما صـرّحت به في رسالة وجـّهتها يوم 16 سبتمبر الماضي إلى أعضاء المجمع التونسي "بيت الحكمة" ، رأت فيها أنّها خرقت مبدأ استقلالية الجامعة، والحرية الأكاديمية، وحرية التفكير، حين حشرت " وزارة الإشراف في مشاكل أكاديمية صرف"، كما أفضت إلينا بما يعتمل في نفسها من صراع داخلي يعصف بها منذ أشهر عديدة، صراع بين المقتضيات الأخلاقية ووجوب احترام استقلالية المؤسسة. وقد وصل بها الأمر في تلك المعضلة إلى ما تعتبره اختيارا صعبا جــدّا، وهو التضحية باستقلالية المؤسّسة وحريّتها، لصالح البعد الأخلاقي والحفاظ على المستوى العلمي، والتّخلي عن الموقف الأوّل المتمثّل في الاعتراض القطعي على نشر القضية في وسائل الإعلام، وقد استقـرّ في وعيها- بعد ذلك – أن التحذير من مغبة الأمر، الصّادر في "الفايسبوك"، ونشر القضية في وسائل الإعلام، هما ما منع من مناقشة الرّسالة، وجنـّب الجامعة التونسيّة ضررا أدبيّا وعلميا فادحا، لا يمكن أن يخفـّف من حدّته ما يتمتع به أفضل المدرسين الباحثين في بلدنا من سمعة دوليّة.
ودعا المجمع التونسي "بيت الحكمة"، يوم 26 جوان الماضي –وقد هاله الأمر- السّلطات المعنيّة، إلى "اتّخاذ عقوبات رادعة حتى لا تقبل مثل تلك المواضيع في رسائل البحث، ولا تـُسـجـّل، ولا تـُناقش"، وأعاد الكــرّة في بلاغ حديث العهد، عبـّر فيه عن أسفه لرؤية المشـرف على تلك الأطروحة ما يزال في حالة مباشرة عمله صلب الجامعة.
وقد دفعت التطـوّرات التي شهدها الوضع المتميـّز بوعد قطعته سلطة الإشراف وأخلفته، بشأن "تحديد مسؤولية مختلف الأطراف المعنية واتخاذ الإجراءات المناسبة"( بلاغ يوم 10 أفريل 2017)، والمتميـّز بالبلاغات والتعليقات، التي تكشف مظاهر لبس كثيرة بشأن مبادئ استقلاليّة المؤسّسة الجامعيّة، والحرية الأكاديمية، ومشمولات الفاعلين المشاركين في القضية، دفعت – اليوم - تلك التطوّرات الجمعية التونسية للدفاع عن القيــَم الجامعية، رغم رغبتها اجتناب التصريحات قبل استكمال البحوث في القضية ، إلى أن تستبق الأحداث و أن تتخذ المواقف التي يمليها عليها دورها في اليقظة بشأن القيم الجامعية:
1- بقدر ما تبارك الجمعية التونسية للدفاع عن القيــَم الجامعية يقظة جامعـيـّيـْن تونسييـّْن غيوريـْن على الحفاظ على جودة التعليم والبحث، اللذيـْن لا يمثـّل ردّ فعلهما بأيّ حال خرقا للحرية الأكاديمية ولا لاستقلالية المؤسّسة الجامعيّة، وتبتهج للموقف الذي اتـّخـذه المجمع التونسي بيت الحكمة، يوم 25 جوان الماضي، وقد أذهلته خطورة القضيّة، فإنـّها تهنــّئ ذينك الجامعييـْن، والسلطة الأدبية والأكاديمية العليــا للمجمع التونسي برئاسة الأستاذ عبد المجيد الشرفي، لما أبــدوا من حرص على وجوب أن تــُحترم المعايير العلمية والقــيــَم الأخلاقية، كما تعبـّر بالقدر نفسه عن صدمتها، من تواصل تساهل وزارة التّعليم العالي والبحث العلمي، وذلك بعد ستّة أشهــر من نشر الفضيحة وثلاثة أسابيع بعد العودة الجامعية، خاصّة أن الوزير سعى، في سياق تصريح أفضى به لقناة "الحوار التونسي"، إلى اعتبار القضيّة أمرا عاديا جـدّا، ولم ير موجبا لنشر نتائج التّحقيق الذي أمـر التفقدية العامة للوزارة ، بإجرائه يوم 10 أفريل، بل ولم يــُبد أي ميل لاتّخاذ الإجراءات الإدارية والتأديبيّة والعلميّة الكفيلة بتدارك الخروقات الخطيرة للمعايير الأخلاقية والعلمية التي كانت أصل القضيّة، حتى أن الملاحظين للمشهد الجامعي لم يــُحيروا جوابا، وغـرقت الهيأة الأكاديمية في حيرة كبيرة.
2- إن الجمعية التونسية للدفاع عن القيــَم الجامعية مندهشــة أشـدّ الاندهاش من صمت السلط الأكاديمية بجامعة صفاقس، التي عمـدت إلى التعتيم على المسألة، ولم تبــْدُ البتة في عجلة من أمرها لاتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية والأكاديمية الرّاجعة إليها بالنّظر لمعالجة القضيّة، ولذلك فإنّ الجمعيّة تدعو السّلط الجامعيّة ذات النظر (من لجنة الدكتوراه والتأهيل في اختصاص هندسة البيئة و المحيط والتهيئة بجامعة صفاقس، ومدرسة الدكتوراه، والأجهزة الإدارية في المدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس، وجامعة صفاقس) إلى التّثبت من أنّ النّصوص القانونيّة الجاري بها العمل والمتعلّقة بالمتابعة العلمية لتقـدّم البحوث، وإسناد قرار الإيداع، قد تمّ احترامها، واتخاذ القرارات التي من مشمولاتها .
3- تذكــّر الجمعية التونسية للدفاع عن القيــَم الجامعية بأنّ حــرّية البحث العلمي، في معناها الدقيق، هي وضع المكتسبات العلميّة موضع تساؤل، ولكن في إطار الاحترام الصّارم للمعايير العلمية، بحيث يمثـّل ذلك تقــدّما لا نكوصا و رجوعا إلى الظلامية، كما أنّها تمثـّل دافعا إلى التميـّز، ورفضا لأن يكون الباحث عبدا للمعتقدات الدينية أو الإيديولوجية أو السياسية وما ينبثق عنها من سلطة، وليست تلك الحرية، بأي حال، رفضا للتقــدّم العلمي وإنكارا لـه، باللجوء إلى علم زائف باسم قناعات دينية، اتــُّخــِذت – على عكس ما يقتضيه العقل السّليم والمسار العلمي - مبادئ بمثابة العقيدة، كما تشجب الجمعيّة التونسيّة للدّفاع عن القيــَم الجامعيّة، من هذه النّاحية، ما نراه بعد الثورة، من عودة محاولات ازداد تواترها، لإخضاع الجامعة لمعايير متعصـّبة ضيـّقة التفكير، ليست تلك الأطروحة المعنيّة بالأمر سوى صورة واضحة لها، وتدعو الجمعية إلى مكافحتها، بكل ما أوتينا من قــوّة اجتنابا لتضخمها وانتشارها.
4- إن الاستقلالية الجامعية أو استقلالية المؤسسة وسيلة للتوقــّي من مطامع استلاب الجامعة، ولا يمكن بحال أن تـُستخدم غطاء لأفــدح الأخطاء، والإخلال بالأخلاقيّات وبالعلم، ومبــرّرا لستــر الفضائح، بل إن ممارستها، على العكس من ذلك، مرتبطة بالاحترام الصّارم لمقتضياتها، وبالحوكمة الرشيدة لمبادئها، وهي تقتضي، مقابل ذلك، مسؤوليّة اجتماعيّة، ومساءلة من المجتمع مشفوعة بمحاسبة، وإذا انكسرت الحواجز، صار شجب الإخلالات بشكل علني عملا لإنقاذ البلاد والعباد.
5- أكـّدت هذه القضية وجاهة القرار الذي اتخذته الجمعيّة التونسيّة للدّفاع عن القيــَم الجامعيّة بالعمل على نشر الميثاق الجامعي، الصّادر يوم 25 ماي 2017، على أوسع نطاق ممكن، وعلى دعوة كافّة المؤسّسات الجامعية والمانحين، إلى المساعدة على إنجاح ذلك المشروع.
6- تــدعــو الجمعية التونسيّة للدّفاع عن القيــَم الجامعيّة المجموعة الجامعية كافــّة، والمجتمع المدني، والجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي، إلى أن يتجنــّدوا من أجل تجلية الحقيقة كاملة بشأن تلك الفضيحة، ومن أجل أن يتـمّ اتّخاذ كلّ التّدابير النّاجعة تجنــّبا لمثل هذه الانزلاقات.
حبيب الملاخ
رئيس الجمعية
- اكتب تعليق
- تعليق