أخبار - 2017.10.17

وداعــا سليم شاكر

 سليم شاكر

من عادة سليم شاكر الذي لبّى داعي رَبِّه يوم الأحد 8 أكتوبر 2017  قدومه باكرا إلى مكتبه، فقد عُرف بإقباله على الجهد والبذل  والكدّ.

وزيرا للصحة وقبل ذلك وزيرا للشباب والرياضة ثمّ للمالية ، ومديرا منسّقا لصندوق اقتحام الأسواق الخارجية  ومديرا للدراسات بالمركز التقني للنسيج، كان يشرع في العمل منذ الساعات الأولى للنهار، مدقّقا النظر في الملّفات قبل أن يبدأ في استقبال زائريه في الساعة السابعة صباحا. يجده هؤلاء مُلمًّا بمختلف المسائل، مستعدًّا للإصغاء إليهم، مهتمّا بطلباتهم. وبداية من الثامنة  تبدأ سلسلة طويلة من الاجتماعات ولن يبارح مكتبه في ساعة متأخّرة من الليل إلا بعد أن يكون قد اطَّلع على البريد ودوّن ملاحظاته في المذكّرات المرفوعة إليه وأمضى الوثائق المعروضة عليه.

مــــن خصال الفقيد التي أضحت نادرة: التشاور. في السرّ أو العلن كان يستطلع رأي هذا ويسأل ذاك، يطلب اقتراحات ويخصّص الوقت الكافي لاجتماعات اللجان بمشاركة كلّ الأطراف المعنية. كان سليم شاكر يولي كذلك بالغ الأهميّة للجزئيات وللمتابعة. كلّما أثيرت مسألة ما في مجلس الوزراء كان يرسل أحد أعضائه إلى زميله  للحصول على أوفر المعلومات والشروح الضرورية بخصوص الموضوع. وعندما يُتّخذ في مجلس وزاري مضيّق قرار يبدو في نظره متعارضا مع المصلحة العامة من وجهة نظر وزارته، كان يحرص رسميا على إبداء معارضته له وعلى تضمينها في محضر الجلسة. انتهج هذا المسلك، على سبيل المثال، بخصوص الترخيص الممنوح لشركة اتصالات تونس لاقتناء الشركة المالطية للاتصالات Go. في كلّ المناصب التي تقلّدها،  واجهته مشاكل مستعصية عن الحلّ تماما تقريبا، لكنّه توفّق إلى التصدي لها جميعا بدراية وحنكة وكانت التجربة التي اكتسبها خير عون له على ذلك. حينما عُرِض عليه تولّي منصب وزير للصحة، بادر بلا تردّد إلى قبول العرض رغم إدراكه للصعوبات الجمّة التي تنتظره على هذا المستوى وهو الذي سبق أن عالج ملف التنمية ببعديه الوطني والدولي صلب أحد أكبر المجمّعات الصحيّة.

انطلق سليم شاكر في مباشرة مهامه على رأس وزارة الصحة وهذا القطاع في أسوإ أحواله. ما وقف عليه سليم شاكر بعد تسلّمه مقاليد الـوزارة لا يُصَــدًق: بنية تحتيـــة يرثى لها .. ملفّات معطّلة.. انحرافات بالجملــة بسبب التجـــاوزات في علاقة بالنشاط الخـــاص المكمّل الـــذي يمــــارسه الأطبّاء.. مشكل أمن المؤسسات الصحية العمومية.. تغـــوّل النقابات وتدخّلهــــا في الصغيــرة و الكبيرة.. مشكل  ما يعــــرف بـ«التصحّر الصحّي» وغيـــاب بعــض الاختصاصات الطبية في مستشفياتنا.. وأخيرا وليس آخرا ضمور ميـــزانية الوزارة وشحّ الإمكانيات المالية التي ظلّت دون المؤمّــــل ودون المطلوب..

لكنّ هذا الكمّ الهائل من المشاكل والمعوقات لم يكن لِيُثْنِيَ الوزير سليم شاكر عن مواجهتها.. فما إن باشر مهامه على رأس الوزارة حتى انبــرى للتصدي لها بكل مــا أوتي من عزم وقوّة. وشاءت الصدف أن تطفو على السطح حينذاك قضيتان في منتهى الدقة والتعقيد، تتعلّق أولاهما بفشل عملية جراحية لزرع الكلى أجريت في أحد المستشفيات العمومية وكشفت عنها إحدى القنوات التلفزيونية فأثار ذلك كثيرا من اللغط والقيل والقال، وعادت مسألة الخطأ الطبي تستأثر مجددا باهتمام الناس وتثير فضولهم. وكان من تبعات كلّ ذلك أن تمّ اتخاذ قرار بإقالة المديرة العامة لمستشفى شارل نيكول حيث أجريت العملية، وهو ما اعتبره الكثيرون نوعا من التسرّع، وما دفع وزير الصحة إلى التراجع عن قرار الإقالة، بل وإلى إسناد ترقية إلى المديرة العامة. أمّا القضية الثانية فتتعلّق بعملية الاعتداء التي حصلت في مستشفى سهلول بسوسة... ما إن أخذ الوزير علما بالحادث حتّى انتقل إلى عين المكان، فهاله ما رأى واستشاط غضبا: تجهيزات طبية وحواسيب أتلفت ولم تعد صالحة للاستعمال.. إصابة أطبّاء وأعوان بجروح.. لم يتمالك سليم شاكر عن إفراغ ما في جعبته أمام الصحفيين: سوف لن يتمّ تعويض التجهيزات التي أتلفت بأخرى جديدة.. سوف لن يتمّ اللجوء إلى انتدابات جديدة لأنّ الدولة عديمة الإمكانيات المالية.. حماية المستشفيات ومن يعمل فيها ينبغي أن يكون من شأن المواطنين أنفسهم قبل غيرهم.. كلام تقبّله الرأي العام بارتياح كامل نظرا لما انطوى عليه من صراحة.. كلام كشف بوضوح عن طبيعة أسلوب الوزير في تصدّيه للمشاكل والصعوبات القائمة وهو أسلوب الصّراحة.. هو رفْضٌ لمثل هذه الممارسات المقيتة ورفض للصّمت ولعدم الاكتراث تجاه الفاسدين الذين يقومون بهذه الأعمال المشينة التي تكاثرت وتعمّمت في الآونة الأخيرة. لقد تبينّا من خلال ردّة فعل الوزير إرادة قوية على مواجهة الوضع بحزم أشدّ وذلك بإجراء زيارات غير معلنة للمستشفيات وبمعاضدة الأعمال التي يقوم بها المجتمع المدني بشكل مباشر.. لقد برزت هذه الإرادة بوضوح من خلال انضمام سليم شاكرإلى سباق نظّمته يوم الأحد 8 أكتوبر في نابل جمعية متخصّصة في الوقاية من سرطان الثدي ، فحدثت الفاجعة وحصل ما حصل. من سمات شخصية الفقيد اللطافة والظُرف والوفاء في الصداقة. لم يطغ الجانب الرسمي على الجانب الإنساني فيه. والصّرامة لديه مرادف للاستقامة والاستعداد الدائم لخدمة الآخر. أمّا الوطنية فهي متجذّرة في عروقه. في كلمات، كان المرحوم سليم شاكرا وطنيا مخلصا وكفاءة عالية من الكفاءات التي تفخر بها تونس لها أسلوبها المتميّز في خدمة الشأن العام وإنسانا متشبّعا بقيم سامية.فقدت تونس وفقدت أسرة آل شاكر وفقد أصدقاء الفقيد واحدا من أبناء تونس البررة الخلّص.

رحم اللّه سليم شاكر رحمة واسعة وأسكنه فراديس جنانه، ورزق أهله وذويه جميل الصّبر والسّلوان.

 
هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.