كلمة حبيب الكزدغلي في تأبين الأستاذ حبيب عطية
ألقى الأستاذ حبيب الكزدغلي عميد كلية الآداب والفنون والإنسانيات بجامعة منّوبة يوم 13 أكتوبر 2017 الكلمة التالية في تأبين الأستاذ الحبيب عطية أستاذ الجغرافيا بالجامعة التونسية والمناضل اليساري:
"الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر"
بعيون دامعة وقلوب خاشعة نودع الأستاذ الكبير الباحث المعطاء والمناضل من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية الأستاذ الفاضل الحبيب عطية.
باسم أجيال من الطلبة الذين درّستهم والأساتذة الذين عاشرتهم وعملت معهم في معهد خزندار أين بدأت مشوارك في التدريس إثر عودتك من فرنسا لتواصله بعد ذلك في دار المعلمين العليا وكلية العلوم الانسانية والاجتماعية وكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة أقف أمام جثمان رجل عظيم أعطى الكثير لبلاده في مجال التعليم ونشر المعرفة الجغرافية وفي مجال تجديد الأفكار المتعلقة بالتنمية عموما والتنمية الجهوية خصوصا.
أقف أمام جثمانك الطاهر بمعية أصدقائك وأحبابك وأفراد عائلتك ورفاقك الذين عرفوك مناضلا من أجل استقلال تونس وحرّيتها حين اخترت منذ السنوات الأولى لشبابك الانخراط في الحزب الشيوعي التونسي وتميزت داخله بأفكارك المجدّدة وانتميت إلى مجموعة المثقفين الذين طالبوا غداة الاستقلال بالتغيير وتجاوز الانغلاق ومزيد التفتح على مختلف القوى الوطنية. وقد كنّا ودّعنا في المدّة الأخيرة بلوعةِ وحسرة قطبين من أفراد جيلك وهما الأستاذ توفيق بكار والمناضل عبد الحميد بن مصطفى الذين دافعوا مثلك على تأصيل فكرة التوفيق بين الالتزام بقيم العدالة الاجتماعية والانخراط في القضايا الوطنية وبناء على ذلك فزت بثقة رفاقك وانتميت السنين الطوال إلى قيادة الحزب الشيوعي التونسي منذ مؤتمر 1957.
لقد نعاك ومنذ أن بلغهم خبر وفاتك في باريس رفاقك في حزب المسار الاجتماعي والديمقراطي وهو التنظيم السياسي الذي اختار مواصلة -في ظروف تونس اليوم- التراث الذي عملت على تركيزه أين مررت في حقل المعرفة والبحث والسياسة.
ستبقى الجامعة التونسية وفية معترفة بما بذلته من مجهودات باعتبارك من جيل روادها المختصين في مجال الجغرافيا بجميع فروعها.
سيتذكرك الباحثون باعتبارك رائدا في مجال التنمية الجهوية حيث قضيت السنوات الطوال في دراسة مناطق السباسب عارفا بكل جزئيات حياة أهلها عبر الدّراسات الميدانية التي رافقك فيها طلبتك مستنبطا الحلول الخصوصية لها.
كنت بلا منازع من رواد تفتح الجامعة على محيطها الاجتماعي والاقتصادي وتجلى ذلك في الدّور الأساسي الذي قمت ضمن مركز الدّراسات الاجتماعية والاقتصادية CERES خاصّة خلال عقد الستينيات من القرن الماضي. لقد سجّل الجميع انتصارك لأفكار التقدم والديمقراطية ومثابرتك مع ثلة من المثقفين الجامعيين مثل صالح القرمادي وتوفيق بكار وهشام سكيك وعلي مطيمط وجنيدي عبدالجواد وغيرهم ...على إبقاء الفكر التقدمي والشيوعي وهّاجا رغم تحجير السلطة لحزبك الشيوعي التونسي ونالك من أجل ذلك التعسف والمضايقة حيث وصل الأمر إلى اختطافك سنة 1968 رفقة الأستاذ زهير السافي وما رافق ذلك من تعذيب ومضايقة. ورغم انتقالك إلى فرنسا لمواصلة البحث في مراكز ذات صيت عالمي مثل CNRS تفاديا للملاحقة والمضايقة حيث احتضنك الأستاذ الكبير Jean Dresh فإنك لم تغيب أبدًا عن تونس ولم تبخل على تقديم الدّراسات والحلول مساهما بخبرتك في إعداد المخططات التنموية كلما طلب منك ذلك كما أنك لم تبخل على رفاقك ماديا ومعنويا كلّما أتيحت لك الفرصة حيث انتميت بعد الثورة إلى اللجنة الاقتصادية لحزب التجديد وساهمت في إعداد البرنامج الانتخابي لانتخابات المجلس التأسيسي لسنة 2011.
نودع جسمك لكن ستبقى أفكارك حيّة بيننا نودع جسمك لكن لن تنساك الجامعة التونسية ولن تنساك الحركة الديمقراطية والاجتماعية التونسية عزاؤنا فيما تركته من ذكرى طيبة لدى من دّرستهم ومن عاشرتهم وما أنتجته من معرفة وأبحاث لخدمة قضايا شعبك وبلادك التي أحببتها والتي ستحتضن تربتها جسمك ولكن روحك وذكراك لن تفارقنا.
أصالة عن نفسي وباسم الجامعيين التونسيين وباسم كافة أصدقائك ورفاقك في حزب المسار وباسم كافة العائلة الوطنية والديمقراطية الواسعة نتقدم إلى كافة أفراد عائلتك وخصوصا رفيقة دربك السيدة مونيك عطية وابنك سامي عطية أحر التعازي وأخلص عبارات المواساة.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر".
- اكتب تعليق
- تعليق