عادل الأحمر: الشيطان الرجيم ولا الرّيجيم!

عادل الأحمر: الشيطان الرجيم ولا الرّيجيم!

في أواخر شهر ماي كنت مع جماعة في مقهى الحي، نتكلّم في كل شيء وفي حتّى شي، عندما دخل علينا العيّاش مرتديا بدلة رياضية، وعلى كتفه حقيبة تحمل شعار ماركة عالمية، فتعجبت من هذا «اللّوك» الجديد، وأنا الذي أعرف أنّ العيّاش عن ممارسة الرياضة بعيد. فهو لا يعرف من الملاعب إلّا المدارج، حيث يرابط يوم الأحد ليشجّع ويهارج، وهو من عقلو خارج، ولا يجري إلا في الحالات القصوى من الاستنفار، للحاق بالمترو أو بالكار، عندما يضرب بكلّ جسارة، عن استعمال السيارة، احتجاجا على ارتفاع أسعار المحروقات، لكن إضرابه لا يستغرق إلّا أيّاما معدودات، فيعود العيّاش إلى هوايته الفريدة، ورياضته الوحيدة، وهي سياقة السيارة، رياضة يعتقد أنه فيها صاحب شطارة، لا تقلّ عن مهارة شوماخر، أو أيّ بطل آخر، من المتألّقين على الساحة العالمية، في الرياضات الميكانيكية.

وعندما سألت العيّاش عن سرّ هذا المظهر الجديد، أجابني: «أنا مقدم على ريجيم من حديد، فالصيف قادم بعد قليل من الأيام، وأخجل من أن أدخل البحر وكرشي قدّامي. ثم إنّ المرا ولولاد مرجوني برشة موش شوية، وركبوا لي عقدة نقص  بسبب سوء لياقتي البدنية. لذلك  قررت الالتحاق بصالة سبور من أحسن الصالات، ثمّاش ما نطيّح شوية كيلوات، وها أنا أستعد لهذه التجربة الجديدة، والمعركة العنيدة، والتي ستصحبها حمية غذائية، لا مجال فيها للتمخميخ لا من غادي ولا من هونيّة».

فرثيت لحال العيّاش، وأنا الذي أعرف نهمه الخرافي، وميله إلى ما تجود به الصحون والصحافي، فقلت له: «ربي يكون في عونك يا أعز أصحابي، ويصبرك على الكسكسي والملوخية والهرقمة واللبلابي، وغيرها من شهواتك الكثيرة، التي أثمرت هذه الكـرش الكبيرة». فغادرنا العيّاش دون تعليق وكأنه خائف من أحيي فيه شهوات، كان ينوي قتلها بالريجيم والحركات.

وبعد أيّام لقيت العيّاش في سهرة رمضانية، فوجدته في نفس بدانته العادية، بل لعلّ كرشو زادت خرجت شوية، ورأيت حولـه أصنــافا شتى من الحلويات، تختلط فيها وذنين القاضي بالبوزة والبريوات، فلم أتمالك عن إظهار عجبي مما أرى، فأجابني العياش: «ولم العجب يا ترى؟ إنّنا في شهر رمضان الكريم، والصيام هو في حد ذاته رياضة وريجيم...وخسارة الفلوس في صالة علاش، بينما الريجيم في شهر الصيام بوبلاش؟ لذلك أجلت الالتحاق بالصالة إلى ما بعد العيد». فلم أرد إزاء تفاؤل صديقي العنيد، أن أعلّق على حميته العظيمة، وهو يتجوّل في سهرته بين الزلابية والمخارق والكريمة، وآثرت الانسحاب، حتّى لا أغرق مثله في بحور ما لذّ وطاب.

وبعد أن مرّ عيــد الفطـر بأيام، دعــاني العيّاش إلى قعدة وطعام، فاستغربت الأمر من صاحبي الكريم، لكنّني قلت في نفسي: «لعلّها هدنة أعطاها لنفسه في خضم الريجيم، والله بعباده رحيم، فهل يكون البشر على نفسه أقل رحمة، خاصّة إذا تعلّق الأمر بكأس ولحمة ؟».

وعندما دخلت على العيّاش في مطعمنا المعتاد، لاحظت أنه لا نقص ولا زاد، فقلت له بعد السلام: «أهلا بالبطل الهمام! يبدو يا صديقي أن الريجيم ما مشاش معاك، وأن مولى الصالة يئس من شفاك». فأجابني العيّاش: «ريجيم ماذا وأيّ رياضة يا رجل؟ قل إنّها الأشغال الشاقة ولا وجل ! صدقني يا صديقي ودعك من العتاب، لقد قررت الانسحاب، بعد أسبوع واحد من العذاب، ياخي أنا توّه متاع برودو  سبيطار، وماكلة باسلة بلاش فلفل حار، وكل شي بالميزان حتى خبز رب العالمين، ولاحلو ولا شحم ولا مرق ولا عجين؟ وزادت عليّ الحركات الرياضية، عذاب ربّي ولا هي، خوك كل يوم نروّح إنوس، كإنّي ماكل طريحة وزايد عليها الفلوس. وفي الثنية للدار نحس الجوع قتلني، نولّي نمشي نعمل ضربات في أول مطعم يعرضني...وهكذا زاد الميزان بدلا من أن يقل، فقلت في نفسي: «هذا موش حل»، وقرّرت تطليق الرياضة والريجيم، والعودة الى العيش الكريم».

وعبثا حاولت مع العيّاش أن يعدل عن هذا القرار المتسرّع، لكنّه أبى وتمنّع، ثم قال: «يعمل الله، أما توّه جاينا الصيف وقعداتو، والعيد الكبير ولحماتو، لذا دبّر على روحك يا سيد، أمّا أنا نحب كيف الناس نعيّد...وهاو نقولك برجولية، وبكــامل الأريحيـــة: «أنا توّه عندي الشيطان الرجيم، ولا هذاكة لي تسميوه ريجيم!».

عادل الأحمر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.