إن هذا لشيء عجاب: في ضرورة القطع مع عقليّة "من اجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد"...
من المقولات التي تتردد عندنا على كل لسان وفي كل زمان وكل مكان حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" واحد.
ومع أن علماء الحديث يؤكدون أن هذا الحديث قيل في سياق مُعَيَّن، وأنه ينطبق على مجال مُحَدَّد هو القضاء، فإن الناس عمّموه على جميع ميادين الحياة وسائر مجالات العمل، حتى بات كل من يخطئ في عمله يدّعي أنه اجتهد ولم يصب، ويعتبر أن من حقه أن يحصل على الأجرالواحد، في حين يفترض أن يُسَاءَلَ ويُحَاسَب على خطئه...
والمُحزن حقا أن هذه العقلية المنحرفة استفحلت في مجتمعنا السياسي بالذّات خلال السنوات القليلة الماضية حتى لقد رأينا مقولة "من اجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد" تطبّق على جحافل من الوزراء وكبار المسؤولين الفاشلين الذين ارتكبوا في حق البلاد والعباد أخطاء فادحة كان يجب ان يُسَاءلوا ويُحَاسبوا عليها، فإذا بهم يغادرون مناصبهم إلى مناصب أخرى، بعضها أهم، وإذا بهم يكرّمون ويوسّمون وكأنهم أتوا بما لم يأت به الأوائل...
ومن أخطر من ينطبق عليهم هذا الأمر وزراء المالية الذين يخرجون علينا كل عام بقانون مالية ما أنزل به الله من سلطان، بما يقرّونه فيه من إجراءات مجحفة، فيتسبّبون مع بداية كل سنة جديدة في احتجاجات واضطرابات تكبّد البلاد خسائر فادحة لا ينفع في التعويض عنها تنحيتهم عن مناصبهم...
ومن هذا المنطلق، فإننا ونحن على بعد ثلاثة أشهر من بدء السنة المالية المقبلة، نريد أن ننبّه الحكومة الجديدة التي وصفها رئيسها بانها "حكومة حرب" إلى أن من أوكد واجباتها وهي تشرع في مباشرة مهامها أن تعلن أنها قطعت قطعا نهائيا مع هذه العقلية بالغة الخطورة التي تبرّر الخطأ وتشجّع عليه، وأن تعلم أن انتصارها في الحرب التي ستخوضها رهين بأن يدرك أعضاؤها، جميعأعضائها، أن من يجتهد منهم ويصيب فإن له أجره المُسْتَحَقَّ لا غير، وأن من يجتهد ويخطئ فلن يكون له أيّأجر، بل سَيُسَاءل ويُحَاسب على خطئه...
وفي خضم الجدل المحتدم الآن حول ما سيتضمّنه قانون المالية الجديد من ترفيع في العديد من الضرائب والأداءات ومن زيادة في نسب المساهمة في الصناديق الاجتماعية، ينبغي لوزير المالية الجديد أن يحذر من الوقوع فيما وقع فيه أسلافه من أخطاء، لأنه إن أخطأ لن يحصل،هذه المرة، على الأجر الواحد الذي كان المخطئون يحصلون عليه، بل سيكون محل مساءلة ومحاسبة... وربما معاقبة، لأن الشعب قد عيل صبره ولم يعد قادرا على تحمل المزيد من الأخطاء./.
محمد إبراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق