أخبار - 2017.05.17

الأيّـام المائة الأولى مـن «عهد» الرئيـس دونالد ترامب: من الوعد إلى الوعيد

الأيّـام المائة الأولى مـن «عهد» الرئيـس دونالد ترامب: من الوعد إلى الوعيد

يتزامن إعداد هذا المقال مع مرور مائة يوم على تولّي الرئيس دونالد ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد اعتادت الدول الغربية أن تولي أهمية خاصة للمائة يوم الأولى من حكم رؤسائها لأنّها تعتبرها بمثابة فترة اختبار يمكن أن تستشفّ من خلالها أهمّ الخصائص التي ستطبع سلوكهم والسياسات التي سينتهجونها لاحقا.

كان حصـاد المائة يـوم الأولى مـــن «عهـــــد» الرئيـــس دونـــالد تـــرامب موضوع آلاف مؤلّفــة مــن المقالات والتحاليل والتعاليق في الولايات المتحدة وفي شتّى دول العالم. وبالرغم من أنّ الرئيس دونالد ترامب يرى أنّ فترة المائة يوم الأولى مصطنعة، وعديمة المعنى، فإنّه من منطلق اعتقاده أنّ وسائل الإعلام تناصبه العداء ولا تلتزم بمقتضيات الموضوعية في التعامل معه ومع سياساته، حرص في المقال الذي نشـــره يـــوم الأحد 2017/04/30 في جـــريدة الـ«واشنطن بوست»، على تقديم تقييمه الشخصي لما اعتبره أبرز «منجزاته» منذ أن دخل البيت الأبيض في العشرين من جانفي 2017.

ومع أنّني لا أستبعد أن تكون الصعوبات التي صادفها في تطبيق سيـــاساته على الصعيد الداخلي سببـــا من أسباب حالة «الهيجان» التي اعترته خـــلال الأسابيع القليلة الماضية في التعامل مـــع  الساحة الدولية، فإنّني لن أتطرّق، في هذا المقال، إلى الشأن الأمريكي الداخلي، وســـأقصر اهتمامي على «منجزات» الرئيس دونالد ترامـــب في الخـــارج وخاصّة في العالمين العربي والإسلامي...

وفي رأيي فإنّ حالة «الهيجان» التي اعترت الرئيس دونالد ترامب الذي ينبغي التذكير بأنّه بنى حملته الانتخابية على شعاري «أمريكا أوّلا» و«إعـادة العظمـــة إلى امريكا»، تتجلّى بكل وضوح في تعامله  مع الملفات الأساسية التالية:

  • ملفّ الأزمة السورية: حيث أنّه بعد أن أبدى نوعـــا من «المرونة» في التعاطي مع النظام الســوري، باغت الجميع بالضربة الصاروخية التي وجّهتها القوات الأمريكية إلى مطار الشعيرات السوري بذريعة معاقبة الرئيس بشار الأسد على استخدام السلاح الكيميائي ضدّ شعبه، وقد تحدّث عن هذه الضربة في مقاله في الـ«واشنطن بوست» فقال: «إنّ التغيير في مجال الدفاع كان كبيراً أيضاً، فقد بدأت وزارة الدفاع في إعادة بناء جاهزيتنا العسكرية واستعادتها، وقد أكّدنا مراراً أهمية دور القيادة الأمريكية، من خلال محاسبة نظام بشار الأسد في سوريا على استخدامه الوحشي للأسلحة الكيماوية المحظورة ضدّ المدنيين الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوّة، وكان لضربتنا الصاروخية الناجحة دور في فرض الخط الأحمر الذي رسمته الإدارة السابقة قبل أن تتجاهله، ممّا أعاد مصداقيتنا أمام أصدقائنا واستعادة قوّتنا أمام خصومنا».
  • ملفّ الوضع في أفغانستان:  حيث أنّه باغت الجميع أيضا باستخدام ما سمّي بـ»أمّ القنابل» لأوّل مرّة لضرب بعض الجبال التي يتحصّن بها مقاتلو طالبان.
  • ملفّ الوضع في اليمن: حيث تواصلت بل ربّما تكثّفت الغارات التي تشنّها الطائرات الأمريكية بدون طيار على اليمن تحت غطاء محاربة عناصر القاعدة...
  • ملفّ القضية الفلسطينية: حيث ما يزال يبدي إصراره على نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس غير عابئ بما يمكن أن يكون لذلك من تبعات خطيرة.
  • ملفّ الإرهـــاب والتطرف: حيث أكّد أنّه يريـــد قطع دابر «الإرهاب الإسلامي المتطرف»، وقد طلب من كاتب الدولة للدفاع الجديد، عند تعيينه، إعداد خطط للقضاء على «الجهاديين» أينما كانوا قضاء مبرمـــا،  وليـــس العمــل على تهجيرهم إلى بقاع أخرى، أو تصنيفهم بين معتدلين ومتشدّدين والاعتماد على البعض منهم...
  • ملفّ الهجرة: حيث عمد منذ 27 جانفي 2017 أي أسبوعا واحدا بعد تولّيه الحكم إلى إصدار أمر يحمل عنوان «حماية الوطن من دخول الإرهابيين الأجانب إلى الولايات المتحدة» علّق بموجبه، لمدة أربعة أشهر، العمل ببرنامج قبول اللاجئين، كما جمّد، لمدة ثلاثة أشهر، دخول مواطني كل من العراق وإيران وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن، إلى بلاده.

ومن ناحية أخرى «أطلق مناقصات من أجل بناء الجدار على حـــدود المكسيــك لوقف تجارة المخدّرات والاتّجار بالبشر ومنع الهجرة غير الشرعية».

وإلى جانب ذلك كلّه  عمد الرئيس دونالد ترامب الذي كان يتناول العشاء مع نظيره الصيني عندما أمر بضرب مطار الشعيرات في سوريا، إلى التحرّش بكوريا الشمالية بدعوى أنّ برنامجيها النووي والصاروخي يثيران التوتر في شبه الجزيرة الكورية فصعّد من تهديداته لها وقام بتحريك الأسطول الأمريـــكي الســـابع للمناورة في مواجهة ســـواحلها...

ولعل ما يمكن استنتاجـه من مجمل هذه التحركات الميدانية والإجراءات القانونية هو أنّ الرئيس دونالد ترامب انتقل فعلا من طور «الوعد» الذي قطعه على نفسه خلال حملته الانتخابية إلى طور «الوعيد» المحمّل برسائل ثلاث أولاها موجّهة إلى الداخل الأمريكي، وثانيتها إلى حلفــــاء الولايات المتحدة الغربيين وإسرائيل ودول الخليج العربي، وثالثتها إلى خصومها...

أما رسالته إلى الداخل الأمريكي فقد أراد التأكيد من خلالها على أنّه سيفي بوعوده الانتخابية وسيعمل فعلا على استعادة الولايات المتحـــدة لمنزلتها كالقـــوة الأولى على الصعيد العالمي.

وأما رسالته الثانية فقد طمأن بها الدول الغربية وإسرائيل والدول الخليجية على أنّ الولايات المتحدة ستواصل استعمال قوّتها في حماية مصالحها ومصالح حلفائها... ولا شكّ أنّ هذا هو الذي جعـــل هذه الدول تصفّق لضربة سوريا وتباركها وتستزيد منها.

وأمّا رسالته الثالثة فقد حذّر بها خصومه من أنّ واشنطن قد تقبل بعالم متعدّد الأقطاب لكـــن ليس على حسـاب مكانتها ودورها في العالم... وهي، بناء على ذلك، مستعدّة، عند الاقتضاء، لاستخدام قوّتها بلا حــدود وبقـــرار آحـــادي الجـــانب وبدون غطاء من الشـرعية الدولية...  ومن غير تقديم أي مبرّرات قانونية.

على أنّ ما ينبغي الانتباه والتنبيه إليه هو أنّ ضربتي سوريا وأفغانستان تؤشّران الى أنّ العالمين العربي والإسلامي سيكونان، على ما يبدو، المستهــــدفين الأســــاسيين لسياسة الرئيس دونالد تـــرامب الانفعالية الاندفاعية العدوانية...

أمّا بقية ملفّات العالم فإنّ التعامل معها سيكون وفقــا لحسابات دقيقـــة وهــذا ما يظهــر خـــاصة في مــوقفه من كوريا الشمالية التي كـــان هـــدّدها بالويـــل والثبـــور على امتداد ثلاثة أسابيـــع ثم عاد ليؤكد، بكل بساطة، أنّه «مستعدّ للقـــاء رئيسها في الظروف المناسبة» وأنّه «سيفعل ذلك بكل تأكيد.. وهذا شرف كبير له».

وإذا صــحّ أنّ استخدام «أمّ القنابل» يشكّل في ذات الوقت اختبارا لهذا السلاح الفتّاك وتحذيرا لإيران مـــــن أنّ الولايات المتحدة قد تستعمله لضـــرب منشآتها النووية الحصينة في الجبـــال... فإنّ ذلك يعني أن الرئيـــس دونالد ترامـــب الذي أكّد مرارا وتكرارا أنّه لا يعترف بالاتفـــاق النووي مع إيران قد يقدم على فتـح أبواب مواجهة مباشرة مع طهران، مثلما تريد وتطلب ذلك إسرائيل ودول الخليج على حدّ سواء... علما بأنّ مستشاريه ما فتئوا يردّدون ما تقوله الرياض وتل أبيب من أن إيران هي الخطر الأكبر على المنطقة...

ولا يستبعد بعض الملاحظين أن تكون الزيارة التي سيقوم بها الرئيس دونالد ترامــــب إلى المملكة العــربية السعودية كأوّل بلد عربي يزوره في المنطقة مناسبة للاتّفاق على إنشاء تحالف إقليمي مهمّته تطويق إيران وتحجيمها...

ومثل هذا الاتفاق وارد، وممّا يدعم احتمال تحقّقه دعوة الرياض المفاجئة إلى القمة العربية الأمريكية التي ستحتضنها في الحادي والعشرين من ماي الجاري... غير أنه يبقى رهين تحديد الجهة التي ستتحمّل تكاليف إنشاء التحالف، ذلك أن الرئيــس دونالد ترامب في الأصل رجل أعمال، يتحرّك وفقا لحسابات الربح والخسارة، وهو لا يؤمن بالتحالف للتحالف وإنّما بالتحــــالف الذي يعــود على الولايات المتحدة بالنّفـــع عسكـريا واقتصاديا...

وفي انتظار انعقاد القمة العربية الأمريكية بالرياض، وبقطع النظر عن المسائل التي ستتناولها بالبحث والنتائج التي ستتمخّض عنها، يمكن القول منذ الآن إنّ السياسة التي انتهجها الرئيس دونالد ترامب خلال المائة يوم الأولى من حكمه لا يمكن إلا أن تثير مخاوف حقيقية من أنّه، وهو الرئيس المختلف عن بقيّة الرؤساء الأمريكيين من حيث التجربة والمزاج والأسلوب والغايات، قد يحدث بمواقفه المتقلّبة المزيد من التقلّبات وبؤر التوتر والصراع في العالمين العربي والإسلامي وفي تغذية عوامل الفرقة والفتنة بينهما..

محمد ابراهيم الحصايري

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.