غوالازيرو زامبريني، القنصل الشرفي لتونس بفلورنسا نقص فادح في المساعدة وخطر كبير في العودة إلى الإجرام
دأبْتُ منذ سنوات على إيلاء اهتمام خاص للتونسيين المعتقلين في جهة توسكانا (Toscane) حيث تقع الدائرة القنصلية التي أنتمي إليها. أتنقل باستمرار لزيارتهم في السجون التي يقبعون بها (15 سجنا). كان عددهم يقدّر بـ215 سجينا في منتصف شهر جوان الأخير، جلّهم محكوم عليه في قضايا استهلاك المخدرات وترويجها، وقلّة منهم متورطة في قضايا سرقة وعنف وقتل. يرافقني في زياراتي في أحيان كثيرة المواطن التونسي محسن حسني بصفته وسيطا ثقافيا. وللسجناء الحرية المطلقة في مقابلتي أو في عدم مقابلتي، إمّا بصفة جماعية أو بشكل فردي. هم في غالب الأحيان شباب مهاجرون بطريقة غير شرعيّة، لا يمتلكون خبرات أو مهارات مهنيّة بعينها، ممّا يجعلهم ينغمسون بسهولة في الجريمة بمختلف أشكالها. السجون في إيطاليا أقرب إلى أماكن لقضاء العقوبة منها إلى مراكز لإعادة التأهيل والاندماج. فالإحاطة الاجتماعية محدودة جدّا، وعدد المربّين والوسطاء الثقافيين قليل، وهو ما يفسّر ارتفاع نسبة العودة إلى الإجرام.
العيادات قليلة وكذلك المواساة
أعلم بِحُكْم درايتي بالأنشطة التي تقوم بها مختلف القنصليات والقنصليات الشرفية أنّ عدد الأعوان القنصليّين والملحقين الاجتماعيّين منخفض، وهم لا يزورون السجناء إلا لَمَامًا. ويعزى ذلك إلى قلّة إمكانيات بعض البلدان والافتقار إلى إرادة سياسية حقيقية. وفيما يتعلق بالتونسيين، نجد أن عددا كبيرا من المعتقلين يقبعون في السجون دون التمتّع بأيّ شكل من أشكال الرعاية والمساعدة الضرورية سواء النفسية أو الاقتصادية أو القضائية. وحين انتهاء فترة اعتقالهم، يُطلق سراحهم ويجبرون على مغادرة إيطاليا في أجل لا يتجاوز خمسة أيام. لكنّ جلهم لا يعودون إلى البلد، بل يهيمون على وجوههم بدون وثائق قانونية وبلا رخصة إقامة، لا حول لهم ولا سند ولا مال، ممّا يجرّهم إلى العودة إلى ارتكاب الجرائم.
يستردّون حريّتهم، لكن دون أية كفالة
جمعتني بالمنسّق العام للمعتقلين ببلدية فلورنسا وبممثّل عن جهة توسكانا لقاءات عديدة أتاحت لي فرصة اقتراح تمكين السجناء المطلق سراحهم من غير الخطيرين من رخصة إقامة وقتيّة صالحة لستة أشهر مع تمتيعهم بمنحة اجتماعية وإيوائهم في مركز استقبال ومساعدتهم على الحصول على تكوين مهني بما يتيح لهم فرصة الظفر بموطن شغل. وهنا أناشد السلطات التونسية بٲن تبادر في إسناد هذا المسعى والذهاب به بعيدا وإيلاء المعتقلين التونسيين مزيدا من الاهتمام.
لماذا تستغرق القنصليات ٲشهر عديدة للسماح للمعتقلين بالاتصال بأوليائهم؟
يُستحسن بالمصالح القنصلية المبادرة بالرَّدِّ على طلب المعتقلين بأكثر سرعة، وخاصّة تلك المتعلّقة بالموافقة على أرقام هواتف أقاربهم الذين يرغبون في الاتّصال بهم. وتبقى هذه المطالب بدون إجابة لمدة طويلة قد تستغرق أشهرا قبل الموافقة عليها. ويبقى السجين في الأثناء منقطعا عن عائلته، وهو ما يتنافى مع حقّه في الاتّصال بها هاتفيّا بانتظام مرة في الأسبوع.
كثيرا ما يعبّر المعتقلون التونسين عن شعورهم بأن بلادهم تخلّت عنهم. لذلك فحريّ بالملحقين الاجتماعيين أن يحرصوا على زيارة المساجين بانتظام، واصطحاب بعض أصدقاء السجين ٲو بعض المتطوعين. ومن شٲن ذلك مساعدة المساجين على إعداد ٲنفسهم للخروج من السجن وتيسير اندماجهم في المجتمع، كما يحول دون الانزلاق في متاهات التشدّد والعودة الى الإجرام.
- اكتب تعليق
- تعليق